fbpx
الشرعية اليمنية.. تترك الانقلاب وتواجه الإرادة الجنوبية

صالح ابو عوذل

في قصره بالرياض العاصمة السعودية، كان الجنرال الأحمر العجوز يتابع عبر وسائل الإعلام، الاحتفالات الشعبية في عدن، وهو في حالة خوف وهلع، فالجنوب الذي كان لثرواته الفضل في بناء إمبراطورية آل الأحمر، بات اليوم يتشكل بعيدًا عن هيمنة قبائل اليمن الشمالي وإمبراطوريتهم.

ظل الأحمر يتمتم بكلمات غير مفهومة، قبل أن يدخل عليه أحد الصحافيين يخبره بوجود خلافات في تظاهرة الجنوبيين بعدن، كان سعيدًا بذلك، أن يخبر الجنرال، نهض الأحمر من مكانه، وقال: «الرهان على خلافات الجنوبيين لم يعد مجديًا». ثم أردف: «يجب أن نتحرك لإيقاف تحركات الجنوبيين».

 تحركات الأحمر  لمواجهة الجنوبيين

بينما كان فريق التحقيقات الذي نزل لمعاينة واقعة قصف صالة العزاء بصنعاء، يحقق في ملابسات الواقعة، كان الأحمر يفكر في كيفية مواجهة الإرادة الجنوبية، قبل أن يفاجئه فريق التحقيقات بخبر سيئ للغاية «الأحمر متهم بقصف الصالة، وطائرة يمنية نفذت الغارة دون أذن التحالف العربي».

ترك الأحمر كل ذلك، وترك قضية الحسم العسكري للانقلاب في شمال اليمن ليعود مرة أخرى لمواجهة الجنوبيين، بعد أن قاد في عام 1994 الحرب على الجنوبيين واجتياح عدن، ليدخل في حرب تبدو أنها هذه المرة متكافئة (عسكريًّا وسياسيًّا)، عقب إعلانه تدشين مشروع الأقاليم الستة الذي أعلن الجنوبيون رفضهم له، أو المشاركة في مؤتمر الحوار اليمني الذي أقر تقسيم اليمن إلى أربعة أقاليم، والجنوب إلى إقليمين «عدن وحضرموت».

وأعلن الجنوبيون رفضهم لما يصفونها بالمشاريع المنقوصة، وأكدوا عليها في فعالية الـ14 من أكتوبر الأخيرة، ذكرى انطلاق الثورة ضد الاحتلال البريطاني في بلادهم، وأكدوا تمسكهم بخيار الاستقلال، رافضين أي مشاريع منقوصة.

تحركات متزامنة

الجنرال العجوز  الذي عينه هادي نائبًا له خلفًا لخالد محفوظ بحاح في أبريل/ نيسان الماضي، اتهم بخيانة التحالف العربي، عقب تأكيدات من فريق تحقيقات قصف صالة العزاء في صنعاء تورط الأحمر والمقدشي بقصف الصالة بطيران يمني، الأمر الذي لم تنفه رئاسة هيئة الأركان العامة اليمنية.

وبالتزامن مع تحركات الأحمر، يتحرك المقدشي المسؤول الأول عن رئاسة هيئة الأركان العامة باتهام الجنوبيين بالوقوف وراء قصف صالة العزاء.

وحاول المقدشي تحميل الجنوبيين مسؤولية ما حصل، حيث قال إنه شرع في عقد اجتماع على مستوى القيادات، للتحقيق وبحث كل تفاصيل ما ورد في بيان فريق التحقيق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن حول حادثة «القاعة الكبرى» في صنعاء، والذي حمل جهة تابعة لرئاسة هيئة الأركان اليمنية الخطأ بتقديم معلومات مغلوطة، ونفذت العملية دون إذن التحالف.

فمن هي الجهة التي أمرت الطيران بقصف القاعة الكبرى؟ لكن المقدشي حاول الإجابة بالقول: «إنه سيجري التحقيق لمعرفة الجهة المسؤولة عن الخطأ، وسيتم التعامل معها وفق أنظمة الجيش». قبل أن يلمح إلى مسئولية الجنوبيين.

المقدشي يلمح إلى أن المعلومة الخاطئة أتت من عدن

وألمح رئيس الأركان العامة اللواء محمد علي المقدشي إلى أن المعلومات المغلوطة التي تسببت في قصف صالة العزاء في صنعاء أتت من عدن، في محاولة ربما للزج بالجنوبيين في واقعة القصف الذي تعرضت له صالة العزاء في صنعاء، وراح ضحيته العشرات بينهم مسئولون.

وقال رئيس هيئة الأركان اليمنية اللواء محمد المقدشي في تصريحات لصحيفة (الوطن) السعودية إن التحقيقات ما تزال جارية حتى الآن بخصوص صالة العزاء، والتنسيق مستمر مع التحالف بهذا الشأن، مضيفًا أن «هيئة الأركان متعددة وكثيرة، منها في مأرب وعدن والرياض والحديدة وغيرها، ولذا فإننا سوف نتأكد من تلك الجهة المعنية بالحادثة، ونتمنى ألا يكون هناك أي اختراقات في الجيش، ولا نريد استباق الأحداث قبل استكمال كافة التحقيقات».

كما اتهم حزب الإصلاح اليمني الموالي للشرعية مسئولين جنوبيين في إدارة الرئيس هادي بالوقوف وراء تفجيرات الصالة الكبرى في صنعاء، حيث أوردت وسائل إعلام موالية للإصلاح معلومات تزعم تورط الجنوبيين في الواقعة.

وأكدت تلك الوسائل «أن جنوبيين تم الدفع بهم في رئاسة غرفة العمليات بالرياض هم من رسموا الإحداثيات للطيران الذي نفذ الغارة».

ويبدو أن الأحمر كلف المقدشي بمهمة تحميل الجنوبيين، وإبعاد تهمة خيانة حزب الإصلاح اليمني للتحالف العربي، خاصة في ظل الحديث عن دور مشبوه للحزب في الحرب.

وعلى غرار قصف صالة العزاء في صنعاء، كان المقدشي قد اتهم برسم إحداثيات لصاروخ أصاب قوات التحالف في مارب، وأسفر عن مقتل 60 جنديًا إماراتيًّا وبحرينيًّا العام الماضي.

الأحمر والمهمة الأخرى

كان الأحمر يفكر جديًا في كيفية قطع الطريق على الجنوبيين لاستعادة دولتهم التي قاتلوا الحوثيين وقوات صالح تحت رايتها، ليشير على مكتب أن يدون خبر  على وكالة الأنباء اليمنية الرسمية التي يشرف عليها ويديرها فريق تابع له، وبعيدًا عن إدارة الرئيس هادي، عن إعلانه «تدشين العمل الموحد في الأقاليم الستة باليمن، كإجراء لاستعادة الدولة اليمنية وبناء مؤسساتها الاتحادية وفق مخرجات الحوار الوطني».

وقال الأحمر: «إن تدشين العمل الموحد في الأقاليم باجتماع محافظي المحافظات، جزء مهم من استعادة الدولة وبناء دولة اتحادية».

ويبدو أن الأحمر يسعى لتعقيد الأمور أكثر، خصوصًا وأنه بات متهمًا بالوقوف وراء قصف صالة العزاء في صنعاء، وباتت علاقته الوطيدة بالرياض في طريقها إلى الانفضاض إن لم تكن انفضت.

فرجل السعودية في اليمن بات -وفق وسائل إعلام يمنية- يسعى لجر الرياض إلى محكمة الجنايات الدولية جراء الأخطاء القاتلة التي راح ضحيتها العشرات من المدنيين.

وتدشين الأقاليم هي محاولة من عدة أطراف في الشرعية للإيقاع بين الجنوبيين ودول التحالف، حيث يرفض الجنوبيون المشاريع التي تنتقص من قضية بلادهم، حيث إنها كانت دولةً مستقلة ذات سيادة ومعترفًا بها، دخلت في وحدة سلمية مع اليمن الشمالي، انقلبت عليها الأخيرة بالحرب التي انهزمت فيها القوات الجنوبية، على عكس الوحدة المصرية السورية التي انتهت سلميًّا، كما بدأت.

فالحديث عن مشاريع يرفضها سكان الجنوب، يعني مزيدًا من التأزيم للقضية اليمنية التي يبدو أنها في طريقها إلى «دولة فاشلة» في ظل تعنت الأطراف اليمنية في صنعاء، وعدم الرضوخ لكل المبادرات الدولية لحل الأزمة وإنهاء الانقلاب.

ربما كان الأجدر بالحكومة الشرعية أن تنهي الانقلاب أولًا، قبل التفكير في مشاريع قد لا تنفذ على أرض الواقع، خاصةً في ظل انقسام اجتماعي بين اليمن والجنوب، حيث إن الجنوبيين ينظرون إلى الشمال كعدو يصدر الموت والقتل نحوهم.

فالحروب التي شنها اليمنيون الشماليون على الجنوب، تسببت في وجود انقسام اجتماعي، من الصعب إن لم يكن من المستحيل معالجته بالطريقة التي تريدها الحكومة الشرعية.

آلاف الجنوبيين الذين قتلوا برصاص قوات يمنية شمالية، ناهيك عن التفجيرات والاغتيالات التي تحصل في البلد إلى الأطراف الشمالية التي يراها الجنوبيون معادية لهم.

يقول جنوبيون: «إنهم لم يعتدوا على الشماليين أبدًا، وأنه رغم العدوان المتكرر من قبلهم على بلادهم، فإن الشماليين يعيشون في الجنوب بسلام، وفي حالة تم فرض أي مشاريع قد لا تتفق وتطلعات الجنوبيين فإن هذا قد يقود إلى حرب جهوية وتصفيات بالهوية».

في عام 1994، شرد الأحمر وقادة عسكريون آخرون الجنوبيين من بلادهم، بعد أن أمطروهم بقذائف الكاتيوشا، وأطلق عليها من قبل الجنوبيين بعلي كاتيوشا، لكن ردة فعل مشابهة لم تحصل رغم تحرير الجنوبيين لبلادهم من ميليشيات الحوثي، وقوات المخلوع صالح التي غزت بلادهم للمرة الثانية.

واجتاح نظام صنعاء الجنوب بمشاركة ميليشيات متطرفة، بناءً على فتوى أصدرتها الحكومة اليمنية في صنعاء، عدت الجنوبيين خارجين عن الدين الإسلامي، وهي الفتوى التي دفعت بالأفغان العرب إلى المشاركة في القتال إلى جانب القوات اليمنية الشمالية، باعتبارها حربًا ضد الكفار، كما يقول نصها.

ويبدو أن محاولات فرض مشروع يبقي على علاقة بين اليمن الشمالي والجنوب، تبدو مستحيلة وقد تقود نحو حرب جهوية، حيث إنه لا توجد أي معالجات حقيقية على أرض الواقع لمشاكل الجنوبيين، من بينها تسريحهم من وظائفهم ونهب ثرواتهم ومنازلهم.

فحتى المدن التي حررها الجنوبيون بدعم التحالف العربي، تعاني من تدهور في الخدمات الأساسية، وعدم توفر الرواتب للموظفين، ناهيك عن عرقلة أطراف في الشرعية لعودة وسائل الإعلام وتطبيع الحياة فيها، وهو ما يصعب طرح حلول تندرج في سياق الاستفزاز للجنوبيين، ورسالة تحد لهم.