fbpx
ثورة ١٤ أكتوبر.. المسار السياسي والشعبي

صباح يوم ١٤ أكتوبر ١٩٦٥ تجمع في ساحة ثانوية خورمكسر بعدن ما يقرب من أربعين طالب بعد طابور الصباح ، اخذوا يهتفون للثورة وسط دهشة وأسئلة طاقم المدرسين وبقية الطلاب ، فلم يكن مثل هذا الحدث معهودا من قبل . كان قد مر على الانتفاضة المسلحة عامان( ١٩٦٣)والتي انطلقت من ردفان وسجلت بداية الثورة .

 

خلال هذين العامين استطاعت الجبهة القومية ان تقرأ تطورات الاحداث بصورة مبكرة وان تعيد صياغة المشهد المسلح في مشهد كفاحي اشمل سياسي واجتماعي وعسكري ، وعملت على توسيع وتنويع القاعدة الاجتماعية والشعبية للثورة عبر قنوات واتصالات مع مختلف فئات المجتمع ، ومن خلال مؤتمرات عامة ومحلية تبلورت من جرائها رؤيا سياسية واجتماعية للثورة تجاوزت الانتفاضة المسلحة وشكلت بذلك المنهج الذي استندت عليها في مسارها النضالي .. ساعدها على ذلك ان النضال السياسي الطويل الذي شهدته مدينة عدن منذ الخمسينات وكذا حضرموت بالارتباط بنشوء حركة سياسية مدنية وانتخابات تشريعية وبلدية ونهوض اقتصادي ملموس ساعد على تكون حركة عمالية نشطة واتحادات نقابية وكذا كثير من المنظمات المدنية والسياسية والغرف التجارية وصحافة تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية . كل هذه العوامل ، اضافة الى المؤسسات السياسية النشطة وميراث طويل من العمل السياسي للرابطة والبعث وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية وحزب الشعب الاشتراكي الى جانب المؤتمر العمالي وحركة اليسار التقدمية الاتحاد الشعبي الديمقراطي والتي شكلت حاضنا لحركة نضالية صاعدة من كل أنحاء اليمن .. كل هذه العوامل أدت الى إنضاج تبيئة الثورة والعمل المسلح في إطار شعبي ساسي مناسب .

غير ان عوامل كثيرة لم تسمح لهذه البيئة السياسية ان تنضج حواراتهاالداخلية بسبب مناهجها الفكرية ومراكز اتصالها العربي المحكومة بأيديولوجيات متناحرة الامر الذي ترتبت عليه نتائج سلبية استمرت تلاحق الجميع حتى يومنا هذا .

 
خلال العامين ١٩٦٣- ١٩٦٥ كان المنهج السياسي والفكري للثورة في صيغتها الشعبية قد تبلور بوضوح ..وكان اهم ما تبلور هو التأكيد على مسألة مهمة وهي ان الثورة المسلحة لا يمكن ان تحقق أهدافها في التحرر الا في إطار شعبي وسياسي واسع وان تتحول الى ثورة شعبية تشارك فيها كافة القوى والفئات الاجتماعية والمنظمات المدنية والعمالية .

 

لقد كان التحرر من الاستعمار يومذاك يحمل مفهوما أوسع واشمل من مجرد رحيل المستعمر من عدن والجنوب قد كان يتضمن اضافة الى ذلك مواجهة المشروع الجيو- سياسي الذي كان يجري التحضير له بتكريس وتعميق الفواصل بين الكيانات السياسية والقبلية والعشائرية التي يتكون منها الجنوب عبر اتحاد طوعي يبقي الجنوب مجزءاً مع غياب كامل للمحميات الشرقية وخاصة حضرموت .

 
تواصلت هتافات الطلاب في ساحة الثانوية لمدة ساعة جذبت اليها ثلث المدرسة تقريبا وأعطى العميد لطفي جعفر أمان رحمه الله يومها اوامره بالسماح للطلبة بالتعبير عن رأيهم وتحركوا بعد ذلك الى خارج المدرسة ليلتحموا مع أفواج الطلبة القادمين من مختلف مدارس عدن الحكومية والأهلية وكلية البنات في خور مكسر وكلية عدن واتجهوا نحو حي المعلى حيث احتشد عمال الموانئ والطيران والمعلمين وعمال البترول والمصافي وغيرهم من الفئات التي شكلت مظاهرة ضخمة لم تشهد لها المدينة مثيلا عدا المظاهرة التي عرفت بالزحف على المجلس التشريعي عام ١٩٥٩ ، اضافة المظاهرات الحاشدة في نفس الوقت في كل من حضرموت وتعز وبعض مدن الجنوب وحاضرات الشمال كالحديدة ورداع … بدا انه تم التحضير لهذا الاحتشاد بعناية لتكون نقطة انطلاق قوية نحو اعلان تحول تاريخي في انتقال مركز الثقل في الثورة الى المدينة حيث تتبلور ملامح تحالفات اجتماعية عمالية ،طلابية ،نسائية، رجال اعمال وتجار وقطاعات أوسع من الشعب .

لقد حمل ذلك الانتقال دلالة كبيرة على التحول العميق الذي شهدته الثورة يومذاك حيث لم يعد الكفاح المسلح الا صورة من صور الدفاع عن النفس في حين ان المسار السياسي الشعبي كان يحقق كل يوم نجاحات كبيرة على صعيد الانتقال بالثورة الى حراك سياسي وشعبي شامل يتجاوز جدران العزلة والذي كان له الدور الابرز في توليد الفرصة التاريخية لتكوين الدولة التي اعلن عنها يوم ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧ .