fbpx
لا أستطيع إلا الحزن لهكذا حدث

د عيدروس نصر ناصر
في أجواء الحرب لا يمكن أن نتوقع إلا المزيد من الموت، فالحرب كما يعلم أي طفل صغير لا تنتج إلا القتل المتبادل، ومن أجل إيقاف القتل يجب إيقاف الحرب، وهذا لا يحتاج إلى إجهاد ذهني أو تفكير مطول.
ما جرى يوم أمس في مجلس العزاء في صنعاء لا يعبر إلا عن ذروة الجنون المتوحش الذي وصلت إليه العلاقات الإنسانية، بتفوق البشر في وحشيتهم وبدائيتهم على البهائم التي لا تأكل لحم بني جنسها مهما بلغ بها الجوع والعطش.
بعيدا عن ثنائية “الشرعية ـ الانقلاب” لا يمكن النظر إلى نتائج هذه الحادثة إلا على إنها مأساة كبرى بكل المعاني والأبعاد فكل ضحايا هذه الجريمة هم بشر من لحم ودم، وحتى إن كانوا من السياسيين المحسوبين على هذا الطرف أو ذاك فإن قتلهم في موقع مدني وفي مناسبة تكتنز بعدا إنسانيا عميقا لا يعبر إلا عن الانهيار الأخلاقي الذي بلغ بهذه الحادثة أقصى مداه وهي بطبيعة الحال لا تختلف عن قصف مجلس العزاء في الضالع وزورق النازحين في ساحل البريقا وغيرها من الحوادث الإجرامية.
عندما حدث تفجير مسجد النهدين في العام 2011م كتبت ما معناه: إنني أشعر بالألم لهذه الحادثة ونتائجها حتى لو كان ضحاياها من خصومي السياسيين فأنا أؤمن بأن الصراع السياسي (المحترم) يتطلب وجود طرفين متكافئين جسديا وذهنيا وأخلاقيا، ولا يشرفني أن أصارع مصاب دمه يسيل وروحه معلقة بين الحياة والموت، ثم أدعي بأنني أمارس السياسة، أما الشماتة والتشفي في حوادث كهذه، فلا أراها إلا تراجعا أخلاقيا لا يليق بمن ينتمي إلى قائمة البشر الأسوياء، ناهيك عن ادعاء المدنية والرقي والوطنية والحضارة.
أعرف كثيراً من الأسماء التي قيل أنها لقت حتفها في حادثة الأمس وأخجل أن أذكر أسماء دون أخرى، لكنني أشير إلى أسماء أمثال اللواء عبد القادر هلال أو العميد عمر حليس (إن صح أنه بين القتلى) وكثيرون ربما لم أتعرف عليهم عن كثب.
عبد القادر هلال كنز من التواضع ودماثة الخلق والإبداع والديناميكية، بغض النظر عن ذهابه إلى معسكر الانقلاب والانقلابيين وكم تمنيت لو أنه لم يفعل هذا أو لو أنه توقف على الحياد لكن هذا ليس موضوع هذا المنشور.
أما زميلي وصديقي العميد عمر محمد بن حليس (إن صحت الأنباء عن كونه أحد الضحايا) فقد عرفته منذ امتحاننا الثانوية العامة معا في العام 1980م وكان كتلة من الحيوية والنشاط والشاعرية، وكنا نتبادل بعض النصوص الشعرية ثم شق طريقه في عالم الصحافة وحصل على الماجستير في الصحافة من الاتحاد السوفييتي وعاد للعمل في سلك الشرطة وحيثما حل كان النجاح يسير معه كظله.
لن أتناول الموقف السياسي لكل ضحايا الحادثة ولا يراودني أدنى شك أن العشرات منهم لا علاقة له بالسياسة وبالصراع السياسي المجنون في هذا البلد البائس، لكنني أشعر بالألم للطريقة التي جرت بها الحادثة وحتى للتناولات التي أخذت القضية من منطلق التشفي وذهب البعض إلى القول أنه عقاب إلهي لهؤلاء الضحايا على ما ارتكبه الانقلابيون في تعز وعدن ومأرب وغيرها من مناطق المواجهة الحمقاء.
إنني بهذا المصاب الأليم أتوجه بالدعاء إلى الله أن يتغمد الضحايا برحمته وأن يغفر للمذنبين منهم، وأن يعين أهاليهم على تجاوز محنة الحزن والأسى، وأن يشفي الجرحى وأن يعيد العقل لمن أوصلوا البلاد إلى هذا المستوى من الانهيار للتوقف عن هذا العبث الأحمق ليس طمعا في مصلحة ولكن حفاظا على أراوح الضحايا الأبرياء الذين يدفعون ضريبة شهوة القتل وغريزة التوحش دون أن يعلموا لماذا يفقدون أرواحهم ودماءهم وممتلكاتهم ورزقهم وأمنهم وأمانهم.
إنا لله وإنا إليه راجعون