fbpx
المناضل سالم عبدالله الكميتي ..حياة مناضل من تاريخ شعب

 

قلة من الناس يرحلون عنا فنتجرَّع غُصَصَ الحزن والأسىف لفقدانهم، لما تركوه من فراغ لا يعوض في حياتنا، على المستوى الخاص والعام، وفقيد الوطن المناصل الصلب سالم عبدالله عبدربه الكميتي واحد من هؤلاء، فكل من عرفه..يعرف حجم خسارة رحيله..إذ كان رحمه الله شخصية وطنية استثنائية وصاحب موقف، لم يتلون أو يغير مواقفه في كل مراحل الكفاح والبناء..وترك سيرة عطرة.. تزخر بالمواقف الوطنية النبيلة التي دخل بها في ذاكرة تاريخنا الوطني كواحد من الفرسان الأماجد ومن قادة الثورة المجهولين الذين كان لهم شرف القيام بالثورة ضد الاستعمار البريطاني وصنع فجر الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، ثم أسهم بحماس وإخلاص ونكران ذات في بناء وتثبيت سلطة الدولة والارتباط بمؤسستها الأمنية جنديا ثم ضابطا وقائداً في صفوف الشرطة الشعبية، حتى لقي ربه صباح يوم الخميس الماضي 22سبتمبر2016م عن عمر ناهر الثمانين عاماً.

الميلاد والنشأة:

اسمه الكامل سالم عبدالله عبدربه أحمد عبدالله بن الحاج صالح بن سالم الكميتي البُعسي. ولد عام 1938م في قرية (المغرأ) إحدى قرى مكتب البعسي- يافع، وضعته أمه بعد بعد عشرين يوماً من تعرضها لانزاق في قدمها حينما كانت ترتقي مع قافلة الحاطبات منحنيات شعاب (الصّلولة) مثقلة به في بطنها وبحمل الحطب فوق ظهرها، وتألمت كثيراً بسبب هذا الانزلاق، وحينما وضعت مولودها رأت في رأسه وَرَماً فأخذت تدلكه لعدة إيام حتى شفي، ولهذا اسمته (سالم) لأنه سلم من موت محقق بعناية الله ورعاية أمه.

لم يتمكن سالم في طفولته من الالتحاق بالكُتّاب (المعلامة) كأترابه، لضيق ذات يد والده الذي لا يملك إلا أراضٍ زراعية محدودة وكان يضطر للعمل مع أصحاب الأملاك الكبيرة بالأجر اليومي ليطعم أفراد الأسرة، وحدا به الأمر إلى إرسال نجله البكر إلى عدن، ثم لحقه سالم بعد عام وتحديداً عام 1945م، وفي الطريق إلى عدن التي قطعها برفقة أقرباء له مشياً على الأقدام حتى الوصول إلى قرية (زائدة) أطراف لحج، وهناك  رأى السيارة لأول مرة في حياته فولى منها هاربا، ولم يتوقف إلاّ بعد أن غابت عن نظره.. ووصل عدن التي أدهشته بكل ما فيها وارتبط بها منذ ذلك الحين بروابط حميمة حتى آخر أيامه، وساعده الحظ أن كان هناك أحد أقاربه من آل الكميتي هو الحاج عبدالرب عبدالرحمن ، وكان من تجار عدن المعروفين وصاحب قلب طيب وقد فتح قلبه وبيته لكل أقربائه القادمين ووفر لهم الطعام والشراب والمأوى حتى حصول كل منهم على عمل.

كان على سالم في مثل سنه الصغير أن يخدم في بيوت بعض الأسر، وقد عانى كثيراً لعدم تعوده على هذه الخدمة، فتنقل في أكثر من بيت وأكثر من عمل وتعرض للضرب والمعاملة القاسية والجوع، وواجه كل ذلك بصر وتجلد، حتى أنه ترك الخدمة في أحد البيوت وولى هاربا بعد أن سقطت منه صحن زجاجية تاركا أجرة ثلاثة اشهر لم يستلمها خوفا من العقاب..

رحلته مع التعليم:

كان سالم طموحا للحصول على قدر من التعليم الذي حُرم منه ، لكن سدت أمامه كل الفرص بسبب ظروف أسرته الصعبة، وفي أثناء عمله في أحد البيوت في التواهي كان يرى أبناء بعض السلاطين والمشايخ وهم يذهبون للمدرسة بملابسهم المدرسية الأنيقة والنظيفة، فسأل نفسه: لماذا كُتَب عليَّ أن أعمل خادماً في البيوت ولم أتعلم مثلهم؟!!. وتاقت نفسه أكثر للتعليم، لكن لم يكن بمقدوره ذلك في عدن، وبعد أربع سنوات من عمله في عدن طلب من عمه العودة إلى يافع ليلتحق في (المعلامة) ويتعلم القراءة والكتابة، فرفض عمه طلبه ذلك حتى لا يزيد الأعباء المعيشية على والده، وبعد الحاح منه لم يكن أمام عمه سوى الموافقة..وعاد إلى مسقط رأسه وخلال أربعة أشهر حفظ القرآن الكريم وتعلم الكتابة في المعلامة ، ثم عاد أدراجه إلى عدن للخدمة في البيوت.. وذات يوم سمع أن الإمام أحمد أنشأ مدرسة في قعطبة لأبناء الجنوب فذهب مع مجموعة للالتحاق بها ورُتب وضعه حسب مستواه في الصف الثالث وأكمل فيها الصف الرابع، ثم رفض مدير المدرسة بقاءه للمواصلة بسبب كبر سنة، فقد كان أكبر طالب من بين 400 من أبناء يافع والضالع، وكان أصغر تلميذ حينها شعفل علي عمر (نشير هنا أنه حقق حلمه بالتعليم بعد الاستقلال بالإنتساب حتى أكمل المرحلة الإعدادية والصف الأول والثاني ثانوي). ثم عاد من قعطبة إلى القرية وبعد شهرين غادرها إلى عدن بحثا عن عمل فلم يحالفه الحظ والسبب في ذلك أنه لم يعد صغيراً للعمل خادماً في البيوت، كما أنه ليس كبيرا للقيام بأعباء العمل العضلي.

من عامل إلى مهندس في بناء مواني المصافي:

تردد الفتى ذو الخمسة عشر ربيعا على أعمال البناء في أكثر مكان حتى عرض نفسه للعمل تحت التجريب وبنصف راتب، أي شلن ونصف الشلن، لأن الراتب حينها كان 3شلنات في اليوم، فقبله المقاول المنفذ لبناء إدارة المعتمد البريطاني في خورمكسر، وعمل بكل جهده ليثبت جدارته، حتى أن معلم البناء الذي عمل تحت إشرافه شهد له لدى المقاول بأنه يعمل أفضل من الكبار فكسب رضا المقاول وزاده نصف شلن فوق راتبه. وكان العمل يستمر من السادسة صباحا وحتى السادسة مساء وتتخله ساعة للغداء فقط.

وعندما شرعت بريطانيا في إنشاء مصافي عدن، توسط له عمه محمد عبدربه الذي كان قائداً في شرطة العوالق للعمل في المصافي فتم تشغيله في المطبخ التابع للأمريكان لتنظيف أدوات الطبخ، براتب أربعة شلنات وثمان ساعات عمل مع الغذاء والسكن، ثم فقد عمله في المطبخ بسبب إضراب لم يكتب له النجاح للمطالبة بزيادة الراتب، وبعد التحقيق معه قبل العودة للعمل لكنهم حولوه إلى العمل في (بار) لتنظيف أدوات الخمر في إحدى الاستراحات فرفض ذلك العمل الذي يتنافى مع دينه وقناعاته، وخُيِّر بالبقاء في هذا العمل أو الطرد، ففضل الخيار الثاني.

لم يفقد الأمل في العودة للعمل في أي من أقسام المصافي التي كانت في طور الإنشاء، فقد كان لها مكتب لتسجيل العمال الجدد في معسكر يُسمى حاشد وهو اسم مقاول يهودي كان يمد المعسكر بالتموين الغذائية ووسائل النقل، وهذا قبل بناء المنصورة، وعند بنائها قُسمت إلى بلوكات فأزيل هذا المعسكر ، ولكن بقي اسم المكان (حاشد ) حتى اليوم. وقد ساعده الحظ في التسجيل وتم قبوله يوم 15/11/1953م للعمل كمساعد في اللحام، كهربائي، وكان ذلك اليوم أسعد أيام حياته، وانهمك في عمله الجديد وأتقنه بشكل سريع مما جعله محط اهتمام المهندسين الانجليز، فرُفع راتبه من 5 إلى 10 شلنات في اليوم، ثم طلب تحويل مهنته من مساعد مُلَحِّم إلى فني تركيب حديد، وتمت الموافقة بعد أن أثبت قدراته كفنيِّ ممتاز وارتفع راتبه اليومي إلى 12 شلناً. وعند الانتهاء من إنشاء ميناء المصافي استغنت الشركة عن الكثير من العمال والفنيين، أما هو فقد تم تحويله إلى ورشة اللحام.

وبذكائه احتاط لنفسه أن يتعلم سياقة السيارات حتى لا يجد نفسه بلا عمل، لأن تلك المهنة كانت من المهن المطلوبة في تلك الفترة، وحصل على رخصة لقيادة السيارات، ثم امتلك سيارة خاصة لاحقا عمل عليها أجرة بعد أن انتهى عمله في المصافي سنة 1956، وتمكن بما حصل عليه من راتبه من شراء بندقية ثم فكر ببناء بيت للأسرة فاضطر لبيع السيارة واستدانة مبالغ إضافية وتم له بناء البيت المؤلف من أربعة طوابق وفيه أكما نصف دينه بالاقتران بشريكة عمره. ثم عاد إلى عدن مثقلاً بالديون بسبب بناء البيت وكذلك الزواج وعمل سائقاً في شركة الكاف مقابل 300 شلنا في الشهر، ورأى أن لا حل أمامه لتسديد الديون سوى الهجرة إلى الكويت.

بداية العمل السياسي والسفر إلى الكويت:

تأثر خلال إقامته وعمله في عدن بالوعي الثوري التحرري لثورة 23يوليو المصرية وزعيمها جمال عبدالناصر، حتى بلغ به الحماس في ربيعه العشرين إلى التفكير بالقيام بعمل فدائي فردي ضد جيش الاحتلال إذ فكر بدهس بعض الضباط. وعند قيام انتفاضة السلطان محمد عيدروس عام 1958م أسهم من خلال عمله في سيارته لنقل الركاب من عدن إلى جعار في نقل المنشورات المعادية للاستعمار وتوزيعها.

وبسبب تراكم الديون عليه بعد بناء البيت والزواج اضطر للهجرة إلى الكويت عن طريق دبي أواخر عام 1959م وعمل هناك سائق شاحنة وبراتب كبير ومُغرٍ مكنه من تسديد ديونه وتوفير مبلغ إضافي مناسب. وفي الكويت تفتح وعيه السياسي أكثر لاختلاطه بالكثير من العرب والإطلاع على الصحف والمجلات ، وكان ممن هلل وكبر فرحا بثورة سبتمر 62م والقضاء على الحكم الإمامي، وأُختير مع آخرين ضمن أعضاء اللجنة التي ترأسها الأستاذ أحمد محمد الشرماني لجمع الأموال دعماً للجمهورية الوليدة، كما قامت اللجنة بحملة في صفوف المغتربين للمساهمة  في البنك اليمني للإنشاء والتعمير الذي أنشيء حينها. كما قام مع زملائه بنشاط كبير في صفوف المغتربين في الكويت ، خاصة أبناء يافع، لحثهم على العودة للمساهمة في الدفاع عن ثورة سبتمبر وكذا الاعداد للثورة في الجنوب ضد الاستعمار البريطاني، وكانت عودته إلى عدن في إبريل 1963م.

تأسيس  جبهة الإصلاح اليافعية:

بعد العودة من الكويت التقى الفقيد بالكثير من أبناء المنطقة وتدارسوا الظروف التي تواجهها ثورة سبتمر وكذا الأوضاع التي تمر بها يافع جراء الحروب القبلية والتفكير بالخلاص منها والإعداد لقيام الثورة ضد الهيمنة الاستعمارية البريطانية على الجنوب، وبعد نقاش وتداول الآراء تم الاتفاق على إنشاء جبهة الإصلاح اليافعية في الاجتماع التأسيسي السري وبحضور 14عضواً، وتم فيه إقرار نظامين للجبهة، الأول علني للعمل في أوساط الناس، والآخر سري ويختص بتنظيم العلاقة بين أعضاء الجبهة، وشُكلت لجنة قيادية للعمل السري تحمل هو مسئولية سكرتير شئون الفرع السري، ومحمد ناصر جابر الشئون العسكرية، ومحمد عبدالرب بن جبر الشئون التنظيمية، وغرامة صالح المنصوري الشئون الإصلاحية، وعبدالله محمد بن شيخ شئون المراسلات، واضيف ثلاثة أعضاء هم: قاسم عوض مقبل وقاسم صالح علي وحسين محمد المنصوري، وأختير شعار الجبهة (الاتحاد، والنظام، والعمل) وهو شعار ثورة يوليو المصرية.

وفي 9 مايو 1963م وقبل يوم من موعد “زيارة المحضار” التي تقام في أيام عيد الأضحى في هجر لبعوس، عُقد في بيت والده الحاج عبدالله عبدربه الكميتي الاجتماع التأسيسي العلني للجبهة بحضور 47 شخصية اجتماعية من أبناء المنطقة، وتم انتخاب هيئة إدارية من 16عضواً برئاسة عبدالله حسين المسعدي وسالم عبدالله عبدربه نائباً للرئيس.

وجرى الإعلان العام عن ولادة الجبهة في الجمع الحاشد يوم (زيارة المحضار) وكُتبت اللافتات التي تحمل شعارات قومية ووطنية لأول مرة في تاريخ المنطقة، مثل”لا قَبَلَيِّة ولا عصبية، كلنا أمة عربية”، ومنها لافتة باسم “جبهة الإصلاح اليافعية” وتحولت الزيارة إلى مهرجان جماهيري تخللته الخُطب والكلمات والقصائد الشعرية المعبرة عن الترحيب بالجبهة وأهدافها، ولقي الإعلان عنها تأييداً واسعاً في كل مناطق يافع وما جاورها ومن قبل المواطنين في الداخل والخارج ، وبدأت الجبهة عملها الملموس والمباشر في إصلاح  ذات البين والسعي لإنهاء الحروب والفتن القبلية بدءاً بالصُّلح بين الأطراف المتحاربة في القرى القريبة، ولقيت جهودها تلك تجاوبا وترحيبا من الجميع وتمكنت الجبهة خلال وقت قصير من إطفاء نار الفتن القائمة في كثير من المناطق بعضها مضى عليها عشرات السنين، وتم التعامل مع محاولة البعض لإفشال مساعي الصلح والعودة للثأر بحزم وصرامة وبتطبيق الحكم الشرعي بحق القاتل والمتمثل بالقصاص.

ومن المواقف التي لا تُنسى لجبهة الإصلاح اليافعية اهتمامها بالتعليم منذ الوهلة الأولى، فقد أقرت بناء مدرسة مدرسة في مرتفع كان بؤرة حرب بين قريتي “المغرأ” و”الديوان” لأكثر من ثلاثين عاماً، وضربت الجبهة مثالاً رائعا بتحويل متارس الحرب إلى مدارس للعلم، وكُلف الفقيد سالم عبدالله بالإشراف على بنائها مع عدد من المناضلين وقد بُنيت بتعاون المواطنين جميعاً، وقام الرجال والنساء في القرى الأربع المجاورة بجلب الحجارة والتراب والماء..الخ. ومن الزوامل التي كانت تُردد أثناء العمل

مَبْدأ شعاع الشمس في هذا الوطن

أوّل عمارة مدرسة لاولادنا

فيما مضى كانت متارس للفتن

واليوم شُوفوا يالحضور إخواننا

كما أصدرت الجبهة جريدة “الإصلاح” التي كانت تصدر اسبوعيا وتُطبع بالاستنسل ومثلت منبراً إعلامياً هاما في العمل الدعائي والتحريضي في صفوف الناس وتوضيح نشاطات الجبهة ونشر بياناتها.

ضمن مؤسسي الجبهة القومية:

في بداية نشاطها رأت جبهة الإصلاح اليافعية أن تفتح علاقة مباشرة مع  قيادة الجمهورية العربية اليمنية وفي اجتماع الهيئة الإدارية في 27يونيو1963م اقرت  تعيين عبدالرحمن عبدالرب السعدي نائبا لرئيس الجبهة، كما أقرت أن يكون ضمن وفدها إلى تعز وصنعاء ومعه كل من: سالم عبدالله عبدربه ومحمد ناصر عبدأحمد(جابر) ومحسن محمد المطري بهدف طلب المساعدة  لدعم نشاط الجبهة الذي لا مصدر له غير اشتراكات الأعضاء حتى تتمكن من استمرار وتوسيع نشاطها الإصلاحي والثوري، وقد التقوا في صنعاء بالرئيس اليمني عبدالله السلال فرحب بهم وأحالهم إلى قحطان محمد الشعبي لتقديم المساعدة اللازمة. وكان اللقاء مع المناضل قحطان الشعبي فرصة لشرح برنامج وأهداف جبهة الإصلاح اليافعية وبعد لقاءات ونقاشات متكررة تم الاتفاق على توحيدها مع جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل في جبهة واحدة سُميت الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل وتم اقرار وثيقة التوحيد بين الجبهتين في 18 أغسطس 1963م ، ووقعها نيابة عن جبهة الإصلاح اليافعية أعضاء وفدها المذكورة أسماءهم سلفاً، وعن جبهة التحرير: السيد ناصر علوي السقاف وأحمد نمير العولقي وأشرف على التوقيع مستشار رئاسة الجمهورية لشئون الجنوب قحطان الشعبي ومن حركة القوميين العرب: علي أحمد السلامي وسلطان أحمد عمر وعبدالحافظ قائد.

 وعلى مدى الأعوام اللاحقة كانت له ولغيره من المناضلين في الجبهة رحلات كثيرة إلى تعز للتنسيق مع قيادة الجبهة القومية أو لجلب الأسلحة أو تدريب الثوار..الخ. ومن رفاقه نذكر محمد ناصر جابر ومحمد عبدالرب بن جبر وعلي محضار قاسم وغيرهم.

وكان ضمن مجموعة من يافع ذهبت إلى تعز في دورة تدريبية على السلاح في يونيو1964م مع فرقة من جبهة الضالع بقيادة محمد أحمد البيشي. ثم كان ضمن اللجنة المكلفة بنقل السلاح من البيضاء عبر يافع إلى ردفان، وكانت له مع أبناء يافع  مشاركات في القتال في  جبهات ردفان مع رفيق دربه محمد ناصر جابر المسئول العسكري عن نقل الأسلحة وأحد قيادة جبهة ردفان مع عبدالله المعجلي وعبدالسلام سيف من خارج أبناء ردفان. كما كان التنسيق والتواصل قويا مع جبهة عدن بواسطة المناضلين محمد صالح مطيع وسالم صالح محمد وسالم عمر علي ومحمد أحمد سلمان وغيرهم، وربطته علاقة خاصة بالمناضل أحمد محمد حسين الضباعي (شوقي) الذي كان يلتقيه سراً عند زيارته ليافع ويستضيفه في بيته لمناقشة أوضاع المنطقة رغم أن قريتيهما المتجاورتين في حالة حرب قبلية.

وكان المناضل سالم عبدالله ضمن من سعوا لتوحيد جبهة يافع (العليا والسفلى) في ديسمبر1966م تحت قيادة موحدة برئاسة أحمد محمد حاجب وعضوية كل من: علي محضار، عبدالرب علي مصطفى، محمد عبدالرب بن جبر، قاسم محمد السليماني، سالم عبدالرب بن جحاف، محمد عبداللاه البشع، أحمد غالب سيف، قاسم صالح علي، وسالم عبدالله عبدربه، واستمر نشاط هذه القيادة في مختلف المجالات حتى وصول المناضل فضل محسن عبدالله من قبل القيادة العامة للجبهة القومية في يوليو1967م لتحمل القيادة في يافع.

الجبهة القومية وتثبيت سلطة الدولة:

وفي يوم 31 يوليو 1967م أعلنت الجبهة القومية نشاطها وحضورها بصورة علنية في المنطقة في حفل جماهيري حاشد جماهيرية وبحضور أعضاء التنظيم مع أسلحتهم المختلفة وأعلن المناضل فضل محسن أن يافع اعتباراً من تلك اللحظة تحت سلطة الجبهة القومية، ومن حينها اتجهت الجبهة للقضاء على الحروب والفتن وإرساء وتثبيت الأمن والاستقرار، حيث تم النزول إلى كل القرى الفتن قائمة وتم عقد الصلح بمباركة  وتجاوب جميع الأطراف المنهكة من تلك الفتن والحروب ، ثم شرعت الجبهة ببناء مؤسسات الدولة من الصفر والتوجه لشق الطرقات وبناء المدارس والمستشفيات وغير ذلك من الخدمات التي لم تكن تعرفها المنطقة.

الكميتي..وتعدد المسئوليات في يافع:

كان الرعيل الأول من المناضلين يكلفون بتحمل مسئولياتهم حسب ما يكلفون به وفقا لمقتضيات الظروف ولا يترددون في ذلك، وقد شارك الفقيد في جميع فعاليات إطفاء نار الفتن ضمن وفد الجبهة الذي رأسه المناضل فضل محسن، وتحمَّل مسئولية منطقة الحد في أصعب الظروف، ومنها عاد إلى لبعوس ليكون عضوا في محكمة لبعوس إلى جانب المناضلين قاسم عوض مقبل وحسن محمد عبدالصفي، ثم فُرّغ بعد ذلك كقائد للحرس الشعبي الذي تحمل مسئولية الأمن لعدم وجود جهاز شرطة من قبل في يافع، وعند وصول رجال الشرطة من عدن سلّم لهم المسئولية، وكُلّف بإنشاء إدارة البلدية في يافع واجتهد في وضع لائحة لعملها وحددت اللائحة كل المساحات وحدود القرى التي لا توجد فيها وثائق ملكية خاصة كملكية عامة، وحددت أيضا مواقع المرافق الخدمية كالمستشفيات والمدارس وغيرها وكذا تحديد ملكية الأفراد من المساحات المسموح بها للبناء..الخ، وقد تقبل المواطنون العمل بتلك اللائحة والالتزام بها.

الكميتي..ومواقعه القيادية في الشرطة:

المرحلة الفاصلة في حياته كانت في مطلع عام 1970م، حيث التحق بوزارة الداخلية  برتبة ملازم ثاني بعد تخرجه من دورة تدريبية في معسكر ردفان ثم التحاقه بدوره تطبيقية في شرطة الشيخ عثمان، ومنذ ذلك الحين ربط عمله وحياته في الخدمة العسكرية في إطار هذه المؤسسة الوطنية وكان مثالاً في أداء المهام والواجبات بكل حماس وإخلاص ونكران ذات، وتدرج حسب النظم والقوانين في الرتب والمناصب العسكرية حيث تبوأ مسئولية قائد معسكر الشهيد علي جاحص، ثم ضابط لعلمليات وزارة الداخلية ثم قائداً لمعسكر النصر، ثم مديراً لسجن المنصورة، ثم مدير أمن مطار عدن الدولي، ثم مسئول الورش الفنية في وزارة الداخلية، وآخر مسئولية تحملها بعد الوحدة مديرا للإمداد والتموين في وزارة الداخلية على مستوى المحافظات الجنوبية حتى حرب اجتياح الجنوب صيف 1994م، حيث كان من القيادات العسكرية الجنوبية التي أبعدت قسرًا عن العمل، بعد مشوار عمر زاخر بالنشاط والإخلاص، وبقي ضمن ما عُرف (خليك بالبيت) حتى أُحيل للتقاعد عام 2000م برتبة عميد، ومنح أخيرا رتبة لواء.

حضوره في العمل الإجتماعي والخيري:

كان الفقيد شخصية اجتماعية وله نشاط واسع وحضور ملموس في كثير من مجالات النشاط الإجتماعي والعمل الخيري، ويكفي أن نذكر أنه أنتخب عضواً في مجلس الشعب المحلي لمحافظة عدن لدورتين خلال الفترة من أكتوبر 1981م وحتى أكتوبر 1988، كما كان عضواً في اللجنة التنفيذية لمناضلي الثورة اليمنية وحرب التحرير ، وشغل رئيس جمعية جعولة الزراعية التعاونية، وتحمل مسئولية أمين المال لجمعية لبعوس الخيرية وعضوا في الهيئة الإدارية لمنتدى يحيى عمر الثقافي..وأتذكر شخصياً إيثاره وحبه للعمل الخيري، حيث كانت جمعية خلاقة الخيرية في عدن تستأجر مقرها في الدور الأرضي لمنزله الكائن في المنصورة  لعدة سنوات بمبلغ عشرة آلاف ريال شهريا فقط دون أي زيادة سنوية كما يفعل غيره، فيما كان إيجار الأماكن المماثلة والمجاورة قد بلغت ضعف ذلك وأكثر.

ونظير أدواره ونشاطاته المتميزة حصد الفقيد في حياته العديد من الأوسمة والميداليات عن جدارة واستحقاق، فقد حاز على وسام الثورة 14أكتوبر، ووسام 30نوفمبر، ووسام الإخلاص من الدرجة الأولى، وميدالية حرب التحرير ، وميدالية الشجاعة من وزارة الداخلية، وميدالية التفوق القتالي، وميدالية الخدمة العسكرية، كما حصل على العديد من الشهادات التقديرية.

التوثيق لمسيرة الكفاح:

الحديث عن الماضل سالم عبدالله يطول ويتشعب وقد أحسن صنعا بحسه التوثيقي المبكر أن رصد في مذكراته صفحات مشرقة من كفاح شعبنا وثورتنا، في كتابيه الصادرين في حياته الأول بعنوان (جبهة الإصلاح اليافعية: 13أبريل1963-31يوليو1967م) وصدر عام 1992م بالإشراك مع مندعي ديان، والآخر (حياة مناضل من تاريخ شعب) وصدر قبل عدة سنوات بطبعتين، وقد أبرز فيهما مساهاماته وبصماته دون مبالغة أو افراط في وصف دوره الخاص، بل ربطه بدور رفاق دربه ممن أنصفهم وهو يتحدث عن مراحل وتعرجات مسيرة الثورة والبناء، مشفوعا بالعديد من الصور والوثائق التاريخية النادرة التي حرص الفقيد على الاحتفاظ بها في إرشيفه الخاص، وقلما نجد مثل هذا الحس التوثيقي لدى غيره من زملائه المناضلين، ولهذا جاءت كتاباته وذكرياته مدعومة بالوثائق فقدم بذلك شهادة تاريخية لا غنى عنها للمؤرخين والباحثين تساعدهم في تتبع الكثير من الأحداث بتفاصيلها وأسماء المشاركين فيها، ولو فعل بقية المناضلين مثله لكان بين أيدينا سجلا ثوثيقيا متكاملاً لا لبس فيه لتاريخ الثورة في جميع المناطق وفي كافة مراحلها.

ختاما..

لقد ظل المناضل سالم عبدالله الكميتي طوال حياته مثالاً للنزاهة والجدية والإستقامة والزهد والتواضع والقيم النبيلة التي انعكست في سلوكه ومواقفه وفي حبه المفرط لوطنه ولشعبه وهو ما يعرفه عنه كل من عرفه أو عايشه. ورغم تاريخه الحافل والمشرف لم يلقَ إلا الجحود والنكران من دولة الفيد في ظل نظام المخلوع، ولم يشفع له تاريخه المجيد في انقاذ حياته من الفشل الكلوي الذي أصيب به قبل أكثر من عشر سنوات، إذ عاد حينها من سوريا عاجزاً عن إتمام علاجه لعدم قدرته على تحمل تكاليف زراعة كلية له، وظل يردد لزواره “الشكوى لغير الله مذلة”.. وهكذا لم يحصل هذا المناضل الذي أفنى حياته  من أجل وطنه من الدولة على قيمة (كلية) تنقذه من الفشل الكلوي الذي ظل يعانى منه لعدة سنوات، وتسامى على آلامه ولجراحة بكبرياء وعزة نفس حتى لقي ربه عفيفاً شامخاً.. وسيخلد التاريخ سيرته المشرفة بأحرفٍ من نور.

وسلام عليك يا سالم..وطب مقاماً في جنات الخلد بإذن الله تعالى.