fbpx
الأحزاب في زمن الإحتراب !!

 

الأحزاب السياسية في أي مجتمع تعتبر من أبرز الظواهر في الحياة السياسية، لإنها تشكل أحد ركائز ومكونات المجتمع وتعبر عن إرادة جزء كبير من المواطنين، والأحزاب السياسية هي أرفع درجات الترف الفكري والديمقراطي لأي مجتمع، تؤمن بالعملية السلمية والتبادل السلمي للسلطة والقبول بالطرف الآخر والمخالفين لها في التوجهات والقناعات، وتكون البديل المناسب للنظام في حالة تدهور الأوضاع أو الإفلاس الإقتصادي، والأحزاب التي تؤمن بالديمقراطية تتمتع بدرجة عالية من الكفاءة والنزاهة والعمل المؤسسي المنظم، فالعلاقة طردية بين ازدهار وتطور الأحزاب والتطبيق الديمقراطي، ودائما ما تنشىء الأحزاب الا في البلدان المتطورة والمتقدمة، والتي تمارس العملية السياسية وفق الأنظمة واللوائح المتبعة وفق الأطر المؤسسية المتينة.

 

بعد هذه المقدمة وإذا رجعنا إلى واقعنا في اليمن وأخص الجنوب منها، فإن وجود الأحزاب وفق هذا الواقع الأليم والمزري وغياب للدولة وإنتشار للفوضى التي اجتاحت البلاد ما هو الا نوع من الإستهتار والعبث والكذب والتدليس على الناس وخداعهم، كل الحياة معطلة ومتوقفة في كافة المجالات الإقتصادية والسياسية والرياضية والخدمية والعلمية والتنمية، فكيف يمكن للأحزاب إن تمارس نشاطها وتعبر عن مواقفها بهذه الصورة الضبابية المعقدة؟!.

 
الإنقلاب العسكري الحوثي عفاشي، وعاصفة الحزم قضت تماما على ما تبقى من أحزاب، فاللقاء المشترك تم تفكيكه، وحزب المؤتمر تم قسمته على إثنين، والإصلاح يترنح ويتخبط بين شمال بقبضة خصومه، وجنوبا رافض له وغير مرحبا به بسبب مواقفه المتخاذلة من القضية الجنوبية ووقوفه مع عفاش الحليف الأول له في كل مراحل العمل السياسي، والإشتراكي لا ندري ماذا يريد وعن ماذا يبحث، فقد كل شعبيته جنوبا بسبب مواقفه المتخاذلة والمتذبذبة وآخرها مناصرته للحوثي وعفاش، ولم يبق الا صوت المعارك مرتفعا، وسط هذا المشهد المعقد ما زال بعض الأشخاص متمسكا بحزبيته الوهمية التي لم تعد الا هياكل مفرغة من مضمونها وروحها الحركي، إصرار البعض على التمسك بحزبه والدفاع عنه في ظل أوضاع متدهورة كما ذكرنا سالفا ما هو الا هروب من الواقع وفقدان للوطنية وتصادم مع الإرادة الشعبية التي تجلت، وحفاظا على مصالحة الشخصية الضيقة.

 

 

جمعنا مع التعدد الحزبي والتنوع الفكري والديمقراطي ومع حرية التعبير، ولكن قبل ذلك لا بد من وجود الدولة وقيام المؤسسات وحضور المجتمع المدني، والقضاء العادل الذي يحتكم له الرئيس والمرؤوس وفق ظروف صحية سليمة وحقيقية وتوقف المعارك والقتال.
ظهور الأحزاب في الجنوب سواء القديمة أو الجديدة ما هو الا مجرد حجز مقعد لها ولأنصارها مستقبلا، ولا تعمل لصالح القضية الجنوبية نهائيا.

 
فظهرت الكثير من الأصوات التي تنادي باجتثاث الأحزاب القائمة وإغلاق مقراتها في الجنوب والقضاء عليها، وإن كنا لا تؤيد كلمة إجتثاث أو تخوين أو التعسف ضد من يمارس الحزبية وغالبيتهم جنوبيين، ولكن من الأفضل له إن يتركها من تلقاء نفسه وبإرادته ولو بشكل مؤقت حتى تصفى الصورة وتتضح الرؤيا، ساعتها يمكن العودة الى تشكيل الأحزاب بكل توجهاتها الفكرية والسياسية والإنضواء تحتها وفق ميثاق ونظام ودستور يحمي الحقوق والحريات بشكل متساوي.