fbpx
” مجموعة الازمات الدولية” تنشر تقريرها الجديد عن اليمن ” اليمن قادم على مجاعة”
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعة:

من المرجح أن تفضي الجهود الرامية إلى نقل البنك المركزي اليمني إلى مخاطر حدوث إفلاس ومجاعة في البلاد، وأن تسهم في الوقت نفسه في تعقيد وتعميق انقسامات الحرب الأهلية. ينبغي على القوى الإقليمية والدولية أن تلتف حول هذه المؤسسة الحيوية وأن تساعد على إنعاش محادثات السلام التي تجري بوساطة من الأمم المتحدة.

إن انهيار محادثات السلام التي جرت بوساطة من الأمم المتحدة في آب/أغسطس يأخذ الحرب اليمنية إلى مرحلة جديدة يمكن أن يكون لها تبعات أكثر تدميراً. خلال الثمانية عشر شهراً من القتال بين التحالف الذي تقوده السعودية دعماً لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تحظى بالاعتراف الدولي والمتمردين الحوثيين (الشيعة/الزيديين) المتحالفين مع قوى يقودها الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، كان السكان المدنيون هم الضحايا الرئيسيين، الذي عانوا من عمليات القصف الجوي، والهجمات الصاروخية، والحصار الاقتصادي. قُتل في هذا الصراع أكثر من 10,000 شخص، حوالي 4,000 منهم من المدنيين، وقد قتلت أغلبيتهم في الضربات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية. يُتَّهم الطرفان بانتهاكات متكررة للقانون الإنساني الدولي، وهي أفعال تزيد من صعوبة تسوية الصراع. أكثر من 3.2 مليون يمني باتوا مهجّرين داخلياً. ويعاني 14 مليون من أصل 26 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، كما يتعرض 370,000 طفل تحت سن الخامسة لمخاطر سوء التغذية الشديد والحاد. توشك الأوضاع الآن على أن تزداد سوءاً.

في 19 أيلول/سبتمبر، أقال الرئيس هادي حاكم البنك المركزي وأعلن أنه سينقل البنك من العاصمة التي تسيطر عليها قوات الحوثيين/صالح، صنعاء، إلى المقر المؤقت للحكومة في مدينة عدن الساحلية. يمكن لهذا القرار أن يشكل تحولاً نحو حرب اقتصادية تهدف إلى خنق تحالف صالح/الحوثيين مالياً في معاقله الشمالية. غير أن اليمنيين العاديين هم الذين سيتلقون النصيب الأكبر من المعاناة.

ا يبدو أنه تم وضع خطة تنفيذية مُحكمة لهذا التحرك، كما أنه سيفتح الباب على جملة من حالات انعدام اليقين، بما في ذلك انهيار النظام المصرفي واستمرار عدم القدرة على دفع الرواتب، وهو ما من شأنه أن يسرّع الانهيار الاقتصادي وأن يدفع أجزاء كبيرة من البلاد إلى المجاعة. كما أنه سيعقد بشكل كبير احتمالات التوصل إلى تسوية تفاوضية ومن شبه المؤكد أنه سيشجع قوات الحوثيين/صالح على التصعيد، بما في ذلك شن هجمات داخل الأراضي السعودية. ليس أقل تبعات هذا التحرك أنه سيعمق الانقسام السياسي بين الشمال والجنوب، وسيصعّب الجهود المستقبلية للتفاوض على حل سلمي للعلاقة الإشكالية بين هذه المناطق.

منذ أمد طويل والاقتصاد يُستخدَم سلاحاً في هذه الحرب. تفرض قوات الحوثيين/صالح حصاراً خانقاً، تخففه أحياناً، على ثاني أكبر المدن اليمنية، تعز، التي يدور القتال عليها منذ أكثر من عام، مع تبعات إنسانية كارثية. كما فرض التحالف الذي تقوده السعودية حصاراً جوياً/بحرياً على المناطق التي تسيطر عليها قوات الحوثيين/صالح منذ بداية الحرب، ظاهرياً لمنع الأسلحة الإيرانية من الوصول إليهم. في حين تحسّن هذا الوضع تدريجياً منذ أيار/مايو في ظل آلية التحقق التي تطبقها الأمم المتحدة، فإن الأثر الإنساني التراكمي كان كارثياً.

كان هناك اتفاق ضمني بين الطرفين على السماح للبنك المركزي، الذي يديره التكنوقراطي المخضرم محمد عوض بن هُمام، أن يؤدي وظائفه بشكل يخلو نسبياً من التدخلات. يتفق الدبلوماسيون والاقتصاديون الدوليون على أنه، وفي ظروف تزداد سوءاً، فإن البنك ظل حيادياً إلى حد كبير، بشكل يضمن استيراد السلع الأساسية، وحماية قيمة الريال ودفع رواتب موظفي القطاع العام على مستوى البلاد. لكن ودون عائدات من صادرات النفط والغاز التي تعرضت للانقطاع، والتي كانت تشكل في الماضي 70% من موازنة الحكومة، أو دعم الجهات المانحة، فإن البنك يقترب بسرعة من الإفلاس. تؤثر حالات النقص الحاد في توافر الريال في قدرة البنك على دفع الرواتب، كما أن حكومة هادي منعت بن هُمام من طبع عملة جديدة إضافية عن طريق شركة روسية.

يتزامن اقتراب البنك من حافة الإفلاس مع مأزق عسكري وانهيار محادثات السلام. في الأشهر الثلاثة من المفاوضات في الكويت، اقترب الطرفان من التوصل إلى تسوية تفاوضية أكثر من أي وقت مضى. أدرك الطرفان أنهما عالقان في حرب استنزاف مكلفة أخفق فيها التحالف الذي تقوده السعودية بشكل متكرر في إخراج قوات الحوثيين/صالح من مواقعها في الشمال، في الوقت الذي دافعت فيه هذه القوات عن مناطقها بكلفة بشرية مرتفعة دون تحقيق تقدم في تعز والجنوب. مارس الطرفان التعقل ودخلا في نقاشات حول سحب القوات، ونزع السلاح بشكل عام وتشكيل حكومة وحدة وطنية، رغم أن الحوثيين لم يكونوا مستعدين للدخول في تفاصيل حول عمليات الانسحاب. إلاّ أن المحادثات ترنحت عند مناقشة التسلسل الزمني للخطوات الأمنية والسياسية، وضاعف الطرفان جهودهما لتحقيق مكاسب قتالية حاسمة على الأرض.

حتى قبل انتهاء محادثات السلام، كان تحالف الحوثيين/صالح قد بدأ بتعزيز سيطرته السياسية على الشمال بتشكيل مجلس سياسي أعلى كخطوة أولى نحو تشكيل حكومة منافسة، ما أبرز افتقار حكومة هادي للنفوذ هناك. كما أنه صعّد الهجمات داخل السعودية ويحاول الاستيلاء على أراضٍ فيها. لقد وجه التحالف الذي تقوده السعودية الضربات الجوية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الحوثيين/صالح، وحاول حلفاؤه اليمنيون، وفشلوا مجدداً، دخول صنعاء من الشمال الشرقي. عندما أدركت السعودية، وشريكتها الرئيسية، الإمارات العربية المتحدة، ربما، أنها لا تمتلك سوى خيارات عسكرية محدودة في المرتفعات الشمالية، يبدو أنها تنقل المعركة الآن إلى الجبهة الاقتصادية، حيث تتمتع هي وشريكتها بنفوذ كبير.

خلال محادثات الكويت، وجهت حكومة هادي وداعميها في مجلس التعاون الخليجي انتقادات متزايدة للبنك المركزي، متهمة حاكم البنك بالسماح لقوات الحوثيين/صالح باستخدام أموال الدولة لتمويل مجهودها الحربي. يتمثل جوهر القضية في صرف مبالغ شهرية بقيمة 25 بليون ريال (حوالي 100 مليون دولار) لوزارة الدفاع التي يسيطر عليها الحوثيون. هذا البند الذي اشتهر سلبياً بغموضه في موازنة عام 2014، والذي استمر بن هُمام بتنفيذه في غياب موازنة جديدة، يفيد الحوثيين بشكل غير متناسب، حيث إنهم، كأي مجموعة في اليمن من قبلهم، ملؤوا جداول رواتب الوزارة بأنصارهم.

رغم أن السعودية تدخلت في الماضي لدعم الاقتصاد (ولا تزال تحتفظ بوديعة بقيمة 1 بليون دولار في البنك المركزي)، فإنها لم تعد مستعدة لوضع السيولة في مصرف تعتبر أنه يستخدم لتمويل الحرب ضدها ولا تبدو مهتمة بأن إفلاس البنك في صنعاء من شأنه أن يسرّع بحدوث انهيار اقتصادي كامل يمكن ألاّ يكون في مصلحتها على المدى البعيد. لم يكن تحالف الحوثيين/صالح مستعداً للتفاوض على المخاوف السعودية، في حين أن هادي وأنصاره يتوقعون أن تقوم السعودية والإمارات العربية المتحدة بتعزيز الملاءة النقدية للبنك حالما يصبح في عدن. في مواجهة احتمال انهيار البنك في صنعاء ونقله إلى عدن، وهو ما من شأنه أن يضخ سيولة حتى في الوقت الذي يطرح فيه ذلك احتمال قيام حرب اقتصادية، فإن الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والأمم المتحدة واللاعبين الدوليين الآخرين لم يعارضوا هذا النقل.

المفارقة هي أن هادي أصدر قراره في أعقاب اندفاعة قام بها داعموه الدوليون لإحياء محادثات السلام. ففي 25 آب/أغسطس، أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن “الرباعية” (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة) كانت قد اتفقت مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة، اسماعيل ولد الشيخ أحمد، على تجديد التفاوض على تسوية شاملة ستتحرك بالتوازي على المسارين السياسي والأمني لتحقيق انسحاب الحوثيين/صالح من صنعاء، وتسليمهم لأسلحتهم الثقيلة إلى طرف ثالث وتشكيل حكومة وحدة وطنية. تجمع الخطة العديد من العناصر التي اقترحها مبعوث الأمم المتحدة في محادثات الكويت، بينما تلبي مطلب الحوثيين/صالح بأن يتم التوقيع على تسويات سياسية وأمنية كجزء من رزمة متكاملة. كما أنها ترتب تلك التسويات بطريقة تمنح المكاسب – والتصورات بتحقيق المكاسب – لكلا الطرفين.

يمكن للمقترح أن يُجبر الحوثيين، بشكل خاص، على كشف أوراقهم، ما يتطلب منهم إما أن يقبلوا بخطة تلبي مطالبهم أو أن يرفضوها، ما يشير إلى عدم استعدادهم لتقديم تنازلات كانوا قد التزموا بها سابقاً من حيث المبدأ. إلا أن هذه المبادرة الواعدة قد تولد ميتة. لا أحد من داعميها المفترضين، باستثناء كيري، تبناها ودافع عنها. الأمم المتحدة لم تقدم رسمياً حتى الآن خارطة طريق معدلة للطرفين تتضمن أفكارها. والآن، فإن إعلان البنك يقوّض ويعقد احتمالات التوصل إلى حل دبلوماسي.

لا يستطيع اليمن تحمل انهيار فرصة أخرى لإنهاء الحرب. لقد أصبح دولة فاشلة ومقسمة كما يمكن أن يصبح قريباً دولة جائعة. إن إحدى آخر مؤسساته التي لا تزال تعمل وبإدارة تكنوقراطية، والمتمثلة في المصرف المركزي، باتت في خطر. إن التراجع عما يهدد بأن يكون انقساماً أكثر حدة ويتسبب بمعاناة كبيرة يتطلب اتخاذ خطوات عاجلة:

  1. خطة برعاية الأمم المتحدة لضمان العمل الفعال للبنك المركزي والتوصل إلى وقف إطلاق للنار يسمح بالاستئناف الفوري للمحادثات.
  • كجزء من هذه الخطة، تلتزم حكومة هادي باستئناف دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في سائر أنحاء البلاد، وتعليق خطط نقل البنك إلى عدن والاستمرار بالاعتماد على البنية التحتية للبنك وعلى موظفيه في صنعاء. يوافق الطرفان على خطة للتعاون بين فرع البنك في عدن ومقره في صنعاء إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سلام.
  • لضمان استمرار دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في سائر أنحاء البلاد ومعالجة مشكلة السيولة، يتفق الطرفان على دعم طباعة مبالغ إضافية من الريالات بشكل فوري، وهو أمر جوهري لاستئناف دفع الرواتب، وينبغي أن يستمر تسليمها لمكاتب البنك المركزي في صنعاء، وعدن ومناطق أخرى، طبقاً لخطة تستند إلى بنود الرواتب في موازنة عام 2014. مثالياً، تُدفع رواتب وزارة الدفاع في سائر أنحاء البلاد طبقاً لموازنة عام 2014 وبموجب قوائم الموظفين، التي تضم مقاتلين من كل الأطراف لكن تستثني مقاتلي الحوثيين الذين تمت إضافتهم منذ عام 2015.
  1. بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار مباشرة، استئناف المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة بالاستناد إلى خارطة طريق جديدة تنسجم مع مبادرة الرباعية.
  • على مبعوث الأمم المتحدة أن يقدم خارطة طريق معدّلة للأطراف المتقاتلة، ويفضل أن تكون مكتوبة، بما في ذلك إطار للتسويات السياسية والأمنية تتحرك بشكل موازٍ وينتج عنه انسحابات على مراحل ونزع السلاح والتشكيل الفوري لحكومة وحدة وطنية.

رداً على ذلك، على وفد الحوثيين/صالح أن يقترح خطة انسحاب وأن يصبح جزءاً من الاتفاق الشامل. ويكون التوصل إلى اتفاق مشروطاً بالتفاوض على تفاصيل الخطة.

ومن أجل إكمال التسوية، على مبعوث الأمم المتحدة أن يضيف آلية لرزمة التسوية تهدف إلى معالجة المطالب الإقليمية بالحكم الذاتي، بما في ذلك احتمال استقلال الجنوب.

لا يزال بالإمكان تجنب حرب استنزاف اقتصادية، لكن فقط إذا وافق الطرفان على وقف إطلاق نار فوري والعودة إلى محادثات السلام. إذا لم يكن بالإمكان التوصل إلى تسوية تستند إلى مبادرة الرباعية، فإن وقف إطلاق النار سيعطي على الأقل الوكالات الإنسانية والحكومات وقتاً لفرض آليات لتخفيف الأثر على المواطنين العاديين خلال المرحلة القادمة من الصراع.

أخبار ذات صله