fbpx
في أربعينية الفقيد صالح ناجي حربي ورفاقه

بقلم/د. عيدروس نصر ناصر

تَأَخَّرْتُ أَسْتَبْقِي الْحَيَاةَ فَلَمْ أَجد             لِنَفْسِي حَــــــيَاةً مِثْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَا

فَلَسْتُ بَمُبـــــْتَاعِ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ         وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتُ سُلَّمَا

الحصين بن حمام

من واجبي وأنا أتناول أربعينية الفقيد الزميل والأخ والصديق والرفيق صالح ناجي حربي ، عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي وزملائه أن أتقدم أولا بالتعازي الحارة لأهالي “شهداء الواجب” كما أسماهم الدكتور يس سعيد نعمان، وأقصد هنا كل ضحايا الحادث المروري الذي أودى بحياة صالح ناجي ورفاقه، وأسأل الله أن يتغمدهم في الفردوس الأعلى مع الشهداء والصديقين والأولياء والصالحين، وأن يلهم كل محبيهم من الآباء والأبناء والأمهات والزوجات والبنات والإخوة والأخوات وجميع المحبين الصبر والسلوان.

وأشير إلى إنني سأقصر حديثي هنا عن الفقيد صالح ناجي لمعرفتي له ومزاملتي له سنوات طوال كانت مملوءة بعمق معاني الإنسانية والصدق والوطنية والنقاء والتواضع والإيمان بالمستقبل معبرا عن الاعتذار الشديد لأرواح ومحبي زملائه الذين لم يسعفني حظي للتعرف عليهم، مع إيماني أن من يجمعهم الموت من أجل إنقاذ الحياة لن يكونوا إلا من طينة الشرفاء المخلصين للقضايا الإنسانية الكبرى.

سمعت عن الفقيد منذ الثمانينات عندما كان رئيس قسم الشباب بالدائرة السياسية للقوات المسلحة، والتقينا خلال التسعينات في فعاليات ثقافية وفكرية في عدن بعد أن أصبحنا كلانا في قائمة المبعدين عن العمل، وبعد العام 2000م ومن خلال كل الفعاليات الحزبية والجماهيرية التي تقابلنا فيها كنت أجد في صالح ناجي حربي توءماً يتشاطر معي الهم والتفكير والهواجس والظنون وحتى التمنيات والرؤى، وكنت أشعر بالاستمتاع وأنا أنصت إلى صالح وهو يتحدث فأجد في حديثه الإبداع والابتكار والقدرة على تقديم الحلول وصناعة المخارج كما كان يمتلك القدرة على جمع الفرقاء والتوفيق بين المختلفين، ولا غرابة بعد ذلك أن يستشهد وهو عائد من المشاركة في وأد فتنة كان يمكن أن تودي بحياة الكثير من الأبرياء، فتنة من تلك التي تناسلت بفضل السياسات (الحكيمة) لحكام ما بعد 7/7 الذي استثمروا فأحسنوا الاستثمار في تغذية الثارات وصناعة النزاعات وإنتاج الحروب الصغيرة منها والكبيرة.

ذات مرة عندما كنت أسكن في منطقة السنافر دعاني إلى اجتماع موسع لأعضاء الحزب الاشتراكي في مديرية المنصورة، التي يتولى مهمة السكرتير الأول لمنظمتها، وكان الاجتماع مملوءً بالحيوية ولم يخل الحديث من سخط المشتركين فيه من سوء الأحوال وتحدث الكثيرون عن معاناتهم الشخصية المرة مع نتائج السياسات الجائرة لمنتصري 7/7.

ومما أتذكر من حديث الفقيد حربي أنه اختتم الاجتماع بالإشارة إلى نقطة ذكية كانت تعبر عن قدرة عالية على استبطان ما وراء الأحداث وما تحت سطحها من أعماق غائرة، إذا قال مختتما الاجتماع ما معناه: إن الظلم الناتج عن حرب 1994م لا يقتصر على أعضاء الحزب وحدهم بل لقد شمل كل الشعب في الجنوب ولم ينج منه إلا قلة قليلة ممن شاركوا مشروع الغزو وخدموا الغزاة مقابل حصولهم على بعض الفتات، مؤكدا: هذا الوضع المعوج لن يستطيع الصمود طويلا وهو إلى زوال لأنه يناقض منطق العقل والتاريخ وقوانين التطور والتعايش والاستقرار.

تميز الفقيد صالح ناجي بعدد من السجايا الرفيعة منها التواضع والصدق، والتفاؤل حتى في أحلك الظروف، والصبر على الشدائد مهما كانت قاسية، كما كان محبا للناس جميعا، لأ أتذكر أنه كان يوما ساخطا من أحد أو حاقدا على أحد، وعندما كان يختلف معك في الرأي كان يخاطبك برقيٍ وأدبٍ واحترامٍ مبتسما ودودا بعيدا عن نزق المتعصبين وتعنت المتشددين.

لقد ترك الفقيد صالح ناجي حربي سمعة عطرة تملأ الأفق وغادر دنيانا الفانية مخلفا حزنا كبيرا لدى محبية وحبا لن يذوي في قلوب كل الذين عملوا معه أو تعرفوا عليه أو شاركوه نشاطا ما أوفعالية ما أما من زاملوه سنينا وعقودا ـ ومنهم كاتب هذه السطور ـ فإن ذكرياته معهم سترافقهم مدى الحياة، ولن تغيب عن ذاكرة الآلاف ممن تعلموا معه ومنه ومن مرافقته ما عاشوا هذه الحياة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   ممن صفجة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك