fbpx
تجربة الحركة الإسلامية بين خالد مشعل ومحمد اليدومي

د. عيدروس نصر ناصر

في ندوة مركز الجزيرة عن “تحولات الحركة الإسلامية” تحدث خالد مشعل رئيس المكتب التنفيذي لحركة حماس، مستعرضا تجربة الحركة ومخاضات نضالها منذ النشأة في منتصف الثمانينات، وبرزت جليا الروح النقدية لخطاب السيد مشعل إذا قال بالفم الملآن “لقد أخطأت حماس في التفرد بحكم قطاع غزة، وأخطأت عندما اعتقدت أن زمان فتح قد ولى” ووجه انتقادا واضحا لإسلاميي الربيع العربي مبينا ما وقعوا فيه من أخطاء بإقصائهم لشركاء العمل السياسي ومحاولة التفرد في الحكم، هذا الكلام يقوله خالد مشعل الذي لم يمد يده لمصافحة عدوه وما يزال مطلوبا للقتل على أيدي المخابرات الصهيونية، ويساهم هو وحركته في خوض نضالات الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقه المشروع في بناء دولته المستقلة على أرضه التي اغتصبها المستوطنون الصهاينة متحدين كل أشكال المخاطر والتضحيات والتهديدات.

لم يقل خالد مشعل أن حركة حماس مطهرة من الأخطاء ولم ينسب لحماس نجاحات لم تساهم فيها ولم يصور أخطاء وخطايا حماس على إنها منجزات تستحق عليها التصفيق، رغم أن حماس قدمت من البطولات والمآثر ما يستحق التدوين والتخليد في أزهى صفحات تاريخ النضال من أجل الحرية والكرامة، ولم يساهم قائد من قادتها في نهب الأرض والعبث بأموال وثروات الشعب الفلسطيني أو الاستحواذ على الإعانات الأجنبية أو السطو على حقوق أحد من المواطنين الفلسطينيين أو سواهم.

بعكس كلمة خالد مشعل جاءت كلمة الأستاذ محمد اليدومي رئيس التجمع اليمني للإصلاح التي لو قدمت كتقرير حزبي أمام الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح لربما كانت أكثر تواضعا وأقل ادعاء وتصنعا لبطولات قادة التجمع وهيئاته، ونسي الأستاذ اليدومي أنه يتحدث أمام ندوة علمية يشارك فيها عشرات المؤرخين والمفكرين والأكاديميين ممن يعرفون من التفاصيل عن التجمع اليمني للإصلاح أكثر مما حاول الأستاذ اليدومي أن يخفي.

الأستاذ اليدومي تحدث عن الديمقراطية بلغة الديكتاتور الذي لا يتقبل الآخر ولا يؤمن بحقه في الوجود، فجاءت الكلمة لتتفاخر بدوره في محاربة اليسار ودور التجمع اليمني للإصلاح في اجتياح الجنوب باسم “الدفاع عن الوحدة” ومواجهته لتيارات اليسار والبعث والقوميين والناصريين في مختلف المراحل الانتخابية التي شارك فيها التجمع من مواقع مختلفة.

صور الأستاذ اليدومي تاريخ الإصلاح كصفحة ناصعة البياض من المواقف المشرفة، لا يقدم عليها إلا الأنبياء المطهرون، فقد راح يصور التعايش مع الديكتاتور على إنه حفاظا على السلام بقوله “ لم نضع أنفسنا خصوماً للدولةِ اليمنيةِ، وسعينا جهدَنا في إزالةِ ماقد يكون مؤدياً إلى الصدام” وربما لم يعلم المشاركون في الندوة أن من بين قيادات الإصلاح من ظل ضابطا وفيا في مخابرات الدكتاتور الذي لم يرغبوا في التصادم معه، وأن التنكيل الذي ألحقه هؤلاء بقوى المعارضة اليسارية والقومية والناصرية كان أكثر مما ألحقه بهم بقية المخبرين والعشماويين، كل ذلك من أجل “إزالة ما قد يكون مؤديا إلى الصدام” لكن أهم إنجازات الإصلاح التي يفاخر بها الأستاذ اليدومي، هي تلك التي تتعلق ب التعاون مع “ الخيرينَ في صد الهجمةِ اليساريةِ وموجةِ العنفِ والتخريب التي كانت تقوم بها عناصرها في المحافظاتِ الشماليةِ والمسنودة من النظام اليساري في جنوب الوطن” وإذا ما أضفنا إلى هذا مساهمة القيادات الإصلاحية في التحريض على محاربة “الكفار الجنوبيين” وقتل أطفالهم واستباحة نسائهم والاستيلاء على أملاكهم وهي ما تزال مسجلة بالصوت والصورة، لتفهمنا مدى قدرة الأستاذ اليدومي على التسمك بزمن الحروب والقتال والتصادم وعدم القدرة على العيش إلا في هذه الأجواء، حتى بعد أن جربوا التفرد والانفراد وإقصاء من سواهم وما جناه هذا النوع من السياسات من  الويلات بحق اليمن واليمنيين بما في ذلك الإصلاحيين أنفسهم.

لا يمكن مناقشة كل ما ورد في كلمة الأستاذ اليدومي أمام ندوة مركز الجزيرة ففي كل كلمة هناك ما يمكن التوقف عنده، لكن أغرب ما في كل هذه الكلمة هو المسكوت عنه في تاريخ ومواقف التجمع اليمني للإصلاح واستعصائه على النقد والمراجعة التي ينظرون إليها وكأنها إدانة تاريخية، بينما يقف خالد مشعل الذي ما تزال أرضه ترزح تحت الاحتلال الاستيطاني ليقول للكل: نعم أخطأنا هنا وهنا وهنا.

لم يقل الأستاذ اليدومي لمستمعيه، عن موقف حزبه من حرب 1994م على الجنوب وما تعرض له الجنوب من نهب وسلب وإقصاء وتهميش وما تعرض له أبناؤه من تنكيل وملاحقة وتمييز، وإن كان قد أشار إلى وقوفهم إلى جانب المخلوع واعتبر هذا الموقف علامة تميز تستحق المباهاة بها والتفاخر بتبنيها، كما تحاشى حتى الإشارة إلى وجود قضية يعلمها القاصي والداني اسمها “القضية الجنوبية” فهو يعلم أنه كان شريكا أصيلا في التسبب بمعاناة الجنوبيين وما يزال يصر على التكر لشعب الجنوب وما يخوضه من نضالات من أجل التحرر من ظلم الظالمين وجرائم الغزاة.

لم يقل للحاضرين لماذا بادر حزبه في العام 1999م في ترشيح علي عبد الله صالح لرئاسة الجمهورية قبل أن يرشحه حزب المؤتمر الذي يرأسه، ولماذا وصل معه في ما بعد إلى مفترق الطرق؟ كما لم يقل للحاضرين ما هو موقف حزبه من  ثورة الشباب السلمية في العام 2011م؟ بل لم يقل لنا ولو بكلمة واحدة أين أخطأ التجمع اليمني للإصلاح (باعتبار قادته وأعضائه بشرا وليسوا ملائكة محصنين من الخطأ).

ومن بين المسكوت عليه موقف التجمع اليمني للإصلاح من الحركة الانقلابية التي أنجزها تحالف (الحوثي ـ صالح) فكما نعلم أن للإصلاح نصيبل الأسد من مستشاري الرئيس هادي ووزراء حكومة بن دغر، ما يعني أن التجمع يقف في صف الشرعية وفي مواجهة الاتقلاب، ونعرف أن الكثير من كوادره يخوضون حربا ضروسا ضد الجماعة الانقلابية في مختلف الجبهات المواجهة، فلماذا تحاشى الاستاذ اليدومي الإشارة إلى هذه القضية.

يذكرني هذا الموقف بتلك اللحظة من بدايات الثورة الشبابية السلمية عندما كانت قيادات اللقاء المشترك وبعض شباب الثورة يعقدون اللقاءات لتداول الأفكار والمبادرات، بينما كان يأتي الأستاذ اليدومي بمبادرات مقدمة من رئيس الجمهورية (علي عبد الله صالح) ليقدمها للحاضرين بدلا من الوقوف مع الثورة أو على الأقل مع التحالف الذي يترأس الأستاذ اليدومي أحد أقوى مكوناته.

وباختصار شديد لقد جاء خطابا مشعل واليدومي ليشيرا إلى مدرستين مختلفتين وجيلين مختلفين في التعاطي مع السياسة ومنهاجين مختلفين في التفكير وتشخيص الأحداث وعقليتين مختلفتين في تقييم الظواهر: مدرسة وجيل ومنهاج وعقلية تقوم على التعاطي النقدي الصريح والحريص على كشف العيوب لمعالجتها واستخلاص العبر والدروس للاستفادة منها في المستقبل، وأخرى تنطلق من الحساسسية الشديدة تجاه النقد وتعتبر من ينتقدها إنما يخدم أعداءها، وتقدم أصحابها على إنهم حتى وهم يحصدون الثمار المرة لسياساتهم الخاطئة ما يزالون مصرين على أنهم الأفضل والأطهر والأنقى والأسمى، ومن سواهم ليسوا سوى شياطين رجماء حتى التحالف معهم يقوم على منهج الشك والريبة ومن ثم السطوة والاستحواذ.

اعترف مشعل بأخطاء طفيفة يمكن أن يرتكبها أي تنظيم أو قائد يعمل في ظروف شديدة التعقيد وبتجربة محدودة، لكن ليس منها ما يرقى إلى مستوى الجرم واستباحة الدم والاستحواذ على حقوق البشر ومهادنة الطغاة، بينما تمنع الأستاذ اليدومي عن الإشارة ولو من بعيد أن التجمع اليمني للإصلاح وقادته يمكن أن يخطئوا ناهيك عن أن يشاركوا في المظالم والحروب والنهب والاستحواذ ومهادنة الطاغية والتماهي معه والعمل نيابة عنه في كثير من الحالات، تحت مبرر “تجنب ما يثير التصادم”

ختاما لا يمكن جمع ادعاء النقاء والثورية والنزاهة مع المساهمة في الفساد وتبرير القمع والمشاركة في التنكيل وتغذية نزعات الاستحواذ والاستيلاء والنهب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك