fbpx
عن الكيان السياسي الجنوبي مرة أخرى

د عيدروس نصر ناصر
كعادة الكثير من الجنوبيين، بعد أن نشرت مقالتي السابقة على حلقتين بعنوان “عن الكيان السياسي الجنوبي” تلقيت جملة من التعليقات والاستفسارات، بعضها يتساءل عن مدى التفاعل بين ما قصدته وما توجه بالدعوة له الأخ عيدروس الزبيدي محافظ محافظة عدن، رغم أنني كنت قد أشرت أن ما تناولته يأتـي في إطار الاستجابة لهذه الدعوة وتفاعلا معها، لكن الكثير من الكتابات والتعليقات راحت في مناقشة لا معنى لها كالقول: نحن نريد مكونا سياسيا لا كيانا سياسيا!، والبعض طالب بتشكيل مجلس سياسي والبعض قال لا نريد حزبا سياسيا ويرفض التحزب والحزبية، . . . وهلمجراء.
وعودة إلى ما يتعلق بموضوع الكيان السياسي الجنوبي أشير إلى أن كاتب هذه السطور كان قد تناول الدعوة لبناء جبهة وطنية جنوبية عريضة لتضم أكبر عددا من المكونات والقوى والأحزاب السياسية الجنوبية الموجودة على الساحة والحاضرة بقوة في الفعل السياسي الجنوبي، والتي برهنت على قدرة فائقة على صناعة الأحداث والمساهمة في توجيهها في الاتجاه المثمر والصائب، سواء كانت مشاركتها في تلك الأحداث كمنظمات وفروع وأحزاب أو كأفراد (قادة وقواعد) سجل الكثير منهم مواقف لا يمكن أن تنمحي من ذاكرة التاريخ، واستشهد وجرح الكثير من هؤلاء في صورة زاهية من صور التضحية والفداء لا يمكن أن تغطيها كل عواصف الغبار التي تثور هنا وهناك.
وكنا قد أشرنا إلى آن الكيان السياسي المطلوب اليوم إما أن يكون حزبا سياسيا جديدا يضاف إلى عشرات المسميات الجنوبية التي نسمع عن أسماء الكثير منها دون أن نرى له فعلا على الأرض، أو أن يكون ائتلافا عريضا لعدد من القوى والمكونات القائمة اليوم أو لها كلها في إطار عمل تحالفي عريض يستهدف جمع القوى وتوحيد الطاقات وردم الهوة القائمة بين المكونات السياسية، وبناء جسور للتواصل فيما بينها على أساس ما نسميه بـ”القواسم المشتركة” التي تكاد تكون واضحة للجميع ويتفق الجميع عليها ويمكنهم تذويب نقاط التباين فيما بينهم والمتعلق أغلبها بالاختلاف على الوسائل وليس على الأهداف.
قبل أن ننهي هذه التناولة، التي هي استمرار لتنالاوت سابقة تتعلق بموضوع التحالفات الجنوبية وعلاقات القوى السياسية الجنوبية ببعضها يمكننا الإشارة إلى بعض القضايا المهمة ونحن نتحث عن الكيان السياسي الجنوبي والتي يمكن تلخيصها في ما يلي.
1. إن الكيان السياسي الجنوبي المرتقب (حزبا جديدا كان أم تحالفا واسعا) يجب أن يكون كيانا سياسيا وطنيا لكل الجنوبيين من أقصى الجنوب إلى أقصاه.
2. هذا الكيان لا ينبغي أن يكون كيانا مذهبيا أو مناطقيا أو جهويا أو طائفيا بل يجب أن يعبر عن الرغبة في اللحاق بروح العصر في الممارسة السياسية القائمة على الديمقراطية (السياسية) والتعايش السياسي، والتوافق بين مكوناته، والنضال المدني بالوسائل السياسية دون سواها.
3. يجب أن يرفض هذا الكيان السياسي اللجوء إلى القوة المسلحة في التعاطي مع القضايا السياسية، وبمعنى آخر يجب أن لا يكون تنظيما عسكريا أو مسلحا أو مليشياويا، وإذا كان من حق العسكريين السابقين أن يكون لهم حضورا في أنشطته وهيئاته، خصوصا وإن الكثير من الناشطين السياسيين الجنوبيين هم قادمين من المؤسسة العسكرية والأمنية التي جرى تدميرها في حرب 1994م، فإن هذه المساهمة لن تكون إلا سياسية وفي إطار الممارسة السياسية المتعارف عليها في كل الأحزاب والتنظيمات والائتلافات الوطنية السياسية.
وبالعودة إلى الحديث عن التحالف الوطني أو الجبهة الوطنية العريضة، أو الائتلاف الوطني أو التكتل الوطني أو أي تسمية يمكن إطلاقها على المكون السياسي الذي تحدثنا عنه فإن أي عمل تحالفي عريض يجب أن يجمع بين قضيتين قد تبدوان متعارضتين في شكلهما لكنهما متكاملتين في الجوهر والمضمون، وهما: من ناحية توحيد كل الطاقات والقوى السياسية في إطار تحالفي وطني عريض لتحقيق الأهداف المشتركة بين جميع الجنوبيين، ومن ناحية أخرى حفاظ كل مكون من المكونات المنتمية إلى هذا العمل التحالفي العريض على حقها في التميز التنظيمي والسياسي والفكري الذي لا يتعارض بالضرورة مع ما ينشأ من التزام عليها تجاه هذا العمل المشترك مع القوى السياسية الداخلة في التحالف الوطني العريض.
إن هذه الصيغة هي الأقرب إلى قابلية التعاطي وتحقيق نجاح ملموس في توحيد الموقف السياسي الجنوبي وتمثيل الجنوبيين في الملتقيات والمنابر المحلية والإقليمية والدولية، وبدون ائتلاف عريض يضم كل (أو غالبية) مكونات العمل السياسي الجنوبي سيظل التفكك هو سيد الموقف والتنازع والاختلاف (المصطنع في معظم الحالات) هو المسيطر على كل المشهد السياسي الجنوبي، وهو ما يحرم القضية الجنوبية من ممكنات كثيرة لا يستدعي التوصل إليها إلا قليلا من التنازل والتفكير بأفق أوسع ومنهاج أكثر عملية وإيجابية.