fbpx
الجنوب لا يحتاج إلى مسكنات!!

 

الجنوب قدم الكثير، وضحى بالغالي والنفيس في سبيل إستعادة حقوقه المسلوبة ودولته المغيبة من عام 94م ، وأوجد معادلة كان العرب يحتاجونها من أجل الخروج من تحت وطأت الحكام المستبدين، فبعد ثورة الشعب الجنوبي جاءت ثورات الربيع العربي تباعا، ولكن سرعان ما تم وأدها في المهد والقضاء على رموزها الثوار وتم التنكيل بهم وادخالهم السجون أو الإبعاد القسري والترحيل خارج أوطانهم، ولكن ما زالت الثقافة الثورية تتوهج في نفوس الأحرار، وسوف يصلون إلى مبتغاهم وإن تداعت عليهم سياط الجلادين والطغاة.

 
وبقيت الثورة الجنوبية مشتعلة وسط عالمنا العربي الكبير برغم التضييق والملاحقة والتنكيل لكل المعارضين.
ما يعانيه الشعب الجنوبي هو الندرة في القيادات الوطنية المخلصة، التي تعرف للوطن معنى وقيمة حقيقية، وطيلة عقد من الزمن تناوبت على الجنوب قيادات متنوعة تصعد إلى الواجهة ونتوسم فيها خيرا، ولكن سرعان ما تذوب وتتلاشى ويخفت صوتها واشغلتها خلافاتها القديمة، وأضحت القضية من غير زعامات حقيقية يمكن الإلتفاف حولها والإلتصاق بها.
وقد شارك الجنوبيين في حوارات موفنبيك وكانت المطالب مرتفعة واستطاع المحاور الجنوبي من فرض رؤيته، ولكن كان يقابلها الطرف الآخر بنوع من السخرية والتعنت أو السكوت عنها من أجل إذابة الجليد وكسب الوقت وتهدأت الشارع الثائر، حتى جاء إنقلاب الحوثي على كل مخرجات الحوار والتفاوض وعطل الدستور وسيطر على مؤسسات الدولة، ونصب نفسه حاكما على صنعاء.
حتى كان موعدنا مع عاصفة الحزم التي غلبت الموازين وغيرت المعادلة، وتبدلت الخارطة السياسية والتحالفات سواء على الصعيد العربي أو الشأن اليمني، فتحول وهج الثورة الجنوبية السلمية إلى إعلان الكفاح والمقاومة، وحمل السلاح في وجه العدوان الظالم، والتف الجميع حول قيادات غالبيتها جديدة وشابة أوجدتها الأحداث والجبهات، فتحررت عدن ومحافظات الجنوب الست الأخرى بينما ظلت المحافظات الشمالية تراوح مكانها ومقسمة على نفسها بين عفاش والحوثي من جهة والشرعية والمقاومة من جهة أخرى إلى يومنا هذا.
وكنا نظن إن الموقف الذي قدمه أبناء الجنوب والفاتورة المرتفعة سوف يكون له تداعيات إيجابية على القضية وسوف نحصل على حقوقنا، فإذا بنا نصحى على حصار مطبق وإنعدام كل ضروريات الحياة، ومن يقف وراء ذلك هي تلك القوى التي ترفض إن يستقل الجنوب ولو حتى شكليا.
بالأمس استمعنا جميعا لكلمة الرئيس هادي في حواره عبر قناة الجزيرة، وقد وضع النقاط على الحروف وإن كانت لغته ركيكة فهذا لا يهمنا بل يهمنا لغته السياسية حيث أوضح هادي إنه مع دولة يمنية إتحادية بعد فشل الدولتين الشمالية والحنوبية ودولة الوحدة، فالأفضل هو الخيار الثالث دولة إتحادية كل إقليم يحكم نفسه بنفسه، أي إن هادي كان واضحا وصريحا في توجهاته نحو بناء الدول اليمنية الحديثة.
وبعده بساعة تقريبا كان لقاء مع المهندس حيدر العطاس عبر قناة الغد المشرق التابعة للشرعية، والمعروف بذكاءه السياسي والبراجماتي، حيث رحب الكثير من الجنوبيين بهذه المقابلة لإن المتحدث هو العطاس، ولكن لو تفحصناها بعقل وفكينا رموزها فهي ملغمة وخطيرة على مستقبل القضية، حيث دعى العطاس الجنوبيين إن يراعوا مصالح التحالف والشرعية، وهنا اعتبرها سقطة كبيرة من رجل محترف سياسيا مثل العطاس، فكيف يطلب من ضحية إن تراعي مصالح الآخرين دون وجود أي وعود حقيقية ومصارحة مع الشعب الجنوبي حول مصالحنا وحقوقنا الا إن نقدم تنازل قد يكون من ثوابت الثورة، والبعد عن التفكير بسقف التحرير والإستقلال!.

 
ومن هنا نتسائل لماذا نحن أدمنا مسكنات وتطييب خواطر، ولم نتعامل مع أي طرف كند قوي موجود على الساحة؟.
أظن إن تجويع الشعب وحصاره وتخديره كان لهذا السبب حتى يتم تمرير مشروع وطني يمني، على أساس الأقلمة بإعتبارها الحل الممكن تطبيقه في الوقت الحاضر، ويبدأ العمل به بعد إنهاك الساحة الجنوبية وترويض قياداتها واغداقهم بالمال والمكافئات وإغرائهم بالسلطة الشكلية، حتى ترضى بالحلول المعلبة والجاهزة.