fbpx
كم نحن بحاجة إلى ميثاق وطني جنوبي!

 

بعد الأزمات والحروب التي تقع في أي بلد من بلدان العالم، فإنه بمجرد أن تتوقف هذه الحرب وتسكن أصوات المدافع ويعود الهدوء ولو بشكل نسبي لذلك البلد، فإنه يتداعي العقلاء وأصحاب الفكر والنخب وصانعي القرار ورجال الدين المعتبرين والسياسيين والإعلاميبن لصياغة معاهدة وإتفاقية وقانون أخلاقي يعمل على تماسك المجتمع ويحمي جميع المواطنين ويحافظ على الإنتصارات التي تحققت ، ويساعد على إنتشال البلد من الوقوع في الفوضى والجريمة المنظمة، وهو ما يعرف ( بالميثاق الوطني ).

والميثاق يسبق القوانين والمؤسسات والدستور نفسه، لأن البلاد تمر بمرحلة إستثنائية غاية في التعقيد، ولعل الوضع الجنوبي يحتاج لمثل هذا الميثاق في وقتنا الحاضر لما يمر به من إعادة ترتيب وضعه بعد إندحار الحوثي وعفاش من كل محافظاته، يتضمن الميثاق مبادئ عامة وتحديد مسارات العمل الوطني، وترتيب المبادئ السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والإعلامية
، ولا بد من تحديث وتطوير الأنظمة والقوانين والتشريعات وإنتهاج الشفافية في القرارات وتفعيل دور المحاكم والقضاء، إن الميثاق الوطني الجنوبي إذا تم إقراره وإعتماده نكون بذلك خطونا خطوة كبيرة إلى الأمام في تفعيل العمل الوطني وإشراك كل أبناءه بعيدا عن الإقصاء والتهميش، حتى يشعر الجميع بالوطنية الحقة، بعيدا عن الغلاة الذين يريدون تفتيش النوايا وما تخفي الصدور.
إن القضية الجنوبية ومنذ ظهورها كانت تعاني وما زالت من ضعف ووهن في شقها السياسي والبناء المجتمعي، وطيلة تسع سنوات لم نشاهد مبادرة وطنية حقا تدعو إلى جمع الكلمة وتوحيد الجهود وتعزيز للعلاقات وتقديم المصلحة العامة عن المصالح الشخصية، بل إن البعض سعى إلى تجميد العمل الجامع وتعطيل أي مبادرة تجمع الشتات الجنوبي الهش، وتكفير وتخوين كل من يفكر إن يقدم مبادرة لإنقاذ الموقف، لذلك فمن باب أولى وخاصة بعد التطورات الجديدة على الساحة الجنوبية والمنطقة بشكل عام، وبعد تدمير لكل المؤسسات بفعل الحرب الظالمة، لا بد من وجود عقد إجتماعي يكون بمثابة الدستور المؤقت لحماية مكتسبات الثورة الجنوبية، والتأكيد على وحدة الجنوب أرضا وإنسانا بحدودها الجغرافية ما قبل وحدة 90م كأمر واقع أحدثتها الحرب بعيدا عن المزايدات التي ما زال البعض يفكر بالعودة إلى أحضان صنعاء! وتعزيز مبدأ المواطنة بين جميع أفراد الشعب ويكون الجميع متساوون أمام القانون بالحقوق والواجبات، والإقرار بالتنوع الفكري والحريات العامة والتعدد الحزبي، وإعتبار ديننا الوسطي المكون الأساسي لهوية الشعب، وحماية كافة الحقوق الدينية والسياسية والإجتماعية لكل فئات الشعب، وتجريم الإرهاب بكل أنواعه ومن يقف خلفه ومن يموله، وعدم الخلط بينه وبين المقاومة المشروعة والكفاح المسلح ضد المحتلين في بعض بلداننا العربية،
إن هذه الأسس والثوابت كفيلة ببناء دولة جنوبية حقيقية في المستقبل، وتقوي من الروابط وتعزز من علاقات المجتمع ببعضه ويأمن المواطن على نفسه وأهله وماله، أما إذا أنتهج الجنوب طريقة العسكرة لكل مفاصل الحياة والتضييق على الناس في تحركاتهم ومعتقداتهم وإلقاء القبض عليهم وسط الشوارع من غير ذنب وجعل الساحة الجنوبية مفتوحة لتصفيات حسابات إقليمية وداخلية تتلاعب فيها الدول الكبرى وأصحاب النفوذ، من غير وجود مرجعية جنوبية ترتب للعلاقات والمصالح المشتركة مع دول العالم والإقليم فإننا سوف نصحى على واقع مرير وضياع لكل التضحيات التي قدمها شعبنا الجنوبي عبر تأريخ نضاله، ولو ظهرنا بهذا المظهر الحضاري والوعي الثوري والفهم السياسي المسؤول، فإن العالم جدير بإحترام إرادة الشعوب الحرة.

محمد بن زايد الكلدي