fbpx
حق ابن هادي !

احمد محمود السلامي

في الجنوب كان يطلق على الرشوة عبارة ساخرة : (حق ابن هادي) وكانت الرشوة محدودة جدا جدا في بعض المرافق التي تتعامل مع الناس بشكل مباشر ولكنها لم تصل إلى أدنى مستويات الظاهرة الاجتماعية الساحقة الماحقة كما هو حاصل الآن ، بسبب صرامة تنفيذ القوانين والأحكام ضد من يثبت تورطه في قضية رشوة أو تزوير أو سرقة ممتلكات مؤسسات الدولة حتى وإن صغر حجمها كانت تعد جريمة لا تغتفر .. كثير منا يذكر قصة عسكري التموين الذي اخذ صفيحة سمن (تنكة) من احدى معسكرات القوات المسلحة في الجنوب وضُبط وتم إعدامه بعد محاكمة عسكرية بتهمة الخيانة العظمى .. اما خلال الـ 26 سنة الماضية  أسلحة الجيش ومستلزماته وأغذيته تباع  في المحلات وعلى الأرصفة دون اي خوف بل أن بعض قادة الجيش تحولوا إلى تجار ومقاولين وفاسدين من الدرجة الأولى ! لم يبدأوا بصفيحة سمن مثل صاحبنا (الله يرحمه) بل بدأوا بما هو أغلى وأثقل وأكبر مما نتصور .

عبارة “حق ابن هادي” شاعت في الجنوب عندما ذكرها الشاعر البردوني في قصيدته التي ألقاها في إحدى أمسياته الشعرية  في عدن  بعنوان  “إلا أنا وبلادي ” حيث قال : أو لأنّي زعمت أن لديهم        لي حقوقاً ، من قبل حق (ابن هادي) .. ولما سألوه .. من يكون ابن هادي ؟ ضحك ضحكته المميزة وحكى لهم إن وفد انجليزي أراد المرور من الحديدة إلى صنعاء للقاء الإمام فرفض هادي شيخ القبيلة السماح لهم ولم يقبل الرشوة منهم .. فدلهم احدهم إلى ابن الشيخ هادي الذي قبل الرشوة وسمح لهم بالمرور ! وهكذا كنيت الرشوة بهذا الاسم الذي تم تجاوزه بجدارة .

عام تسعين هرولوا الجنوبيون إلى صنعاء وهناك وجدوا فيض الغمامة وكل شيء حسن من منازل وقصور ومناصب ومال وفير وألقاب لا تعد ولا تحصى ، وكان عليهم اولاً الانخراط في أكاديمية الفساد لتعلّم نظرياته وفنونه وتطبيقاته ومعظمهم تخرج بامتياز من مرتبة بلا شرف  ، واستطاعوا ان يتجاوزوا حق ابن هادي هم وإخوتهم الشماليين المخضرمين ، تلك الأكاديمية العتيقة هي سبب دوامة الويلات والحروب التي تمر بها اليمن حتى الان .

كثير من الناس الشرفاء والعقلاء يشعرون أن المستقبل لن يكون طيباً في ظل تصارع مخرجات أكاديمية الفساد على السلطة ـ كل الأطراف  تحت مشاريع مغلفة بورق السلوفان كتبت عليها شعارات رنانة لمغالطة الشعب المنهك الفقير المغلوب على أمره ، فوطنٌ يتحكم فيه الفاسدون لن يتعافى ابداً .