fbpx
وردة على ضريح البردوني
شعر: د عيدروس نصر ناصر

“إلى روح فقيد الفكر والأدب الأستاذ

الشاعر المفكر الأستاذ / عبدالله البردوني

عليه رحمة الله، في الذكرى 17 لرحيله”

 

قيل جاء مجلجلاً قيل ولّى

قيل عنه اختفى وقيل تجلّى

ثم قيل انتهى وقيل أتانا

يصنع المنتهى لنا مستهلاَّ

“قيل كان الردى لديهِ حصاناً

يمتطيهِ برقاً ويبريهِ” نصلا(1)

* * *

إنَّ ذاك الذي أتى من دمانا

يتحدَّى عواصف العمر بذلا

صار للمبصرين خير دليلٍ

ما دليلٌ إلاّ ومنه استدلاّ

ينسج الصبح للحيارى رغيفاً

للمساكين يفرش الروح ظلاّ

يصرع الظلم والظلام ويمضي

حالماً أن يفيض في الأرض عدلا
يملأ الأغنيات روحاً ونبضاً

ويفوق الجميع طهراً ونبلا

حاملاً روحهُ على الكف رمحاً

ناثراً قلبهُ وروداً وفلاّ

يمنح الأمسيات نفح الروابي

ينتقي للصباح طعماً وشكلا

فمضى في مدارب الشعر طوداً

يزدري فرقةً ويجمع شملا

لم يلن للصعاب يوماً قناةً

وبرغم الكفاف لم يبد بخلا

لم يمل نحو ثروةٍ واتساخٍ

وارتضى بالحياةِ بؤساً وعدلا

كان فوق الهبات أعلى شموخاً

رغم أن الهبات أغرى وأسلى

حيثما القتل بالريالات يبدو

من صليل السيوف أمضى وأملى”

“يشتري مصرع النفوس ويمضي

مثلما يشتري حزاماً ونعلا”

* * *

إن ذاك الذي لنا كان وعداً

وأتانا يقول للزيف كلاّ

أورق الحبر زنبقاً في يديه

أنبتت كل قمَّةٍ منهُ حقلا

للعصافير بيرقٌ في دماهُ

والندى باسمهِ على الفجر دلاّ

العناقيد تملأ الكأس شعراً

من صداهُ وتجعل البيد حبلى

ما توارى عن المعارك يوماً

وعن الأهل والحمى ما تخلّى

كلّنا كان في المعارك جزءاً

منه وهو الذي لنا كان كلاّ

في الميادين أصلنا كان فرعاً

منه وهو الذي لنا كان أصلا

* * *

أيها الراحل الذي جاء يوماً

مستميتاً يقول للزيف كلاّ

ما تواريت يا رفيق القوافي

كيف تنزاح يا نهاراً مطلاّ

إن تباهى غيابك المرّ عنا

أو تعالى، حضورك الآن أعلى

قد ملأت العيون ضوءاً جميلاً

وملأت الحقول كرماً ونخلا
أنت ما زلت شعلةً في دمانا

تتلظّى وتجعل القول فعلا

في المعلاّ وفي الحديدة تأتي

شفقاً رائعاً وبحراً وطلاّ

في المخا في شبام في كلِّ شبرٍ

من تراب البلاد تمتدُّ سهلا

في عروق الجبال في كلِّ نبتٍ

من شعير الحدا ونخل المكلّا[1]

كم أماتوك قبل هذا مراراً

ثم أدهشتهم حضوراً وفعلا

فيك أنت الذي سيبلي الدواهي

إنما أنت فيك ما ليس يبلى

أنت من يجعل المدى مهرجاناً

سرمدياً ويجعل الدهر طفلا

ويحيل الزمان فينا ربيعاً

قرمزياً وموكباً لن يملاّ

من نداك العبير ينساب ثراَّ
من أغانيك يهطل البِشْرُ هطلا

يا خلوداً على جناح القوافي

يا رحيقاً أشهى مذاقاً وأحلى

جيزان ـ المعبوج سبتمبر 1999م



[1]  المخا شبام ، الحدا، المكلا  أسماء مناطق في اليمن