fbpx
عن أفكار كيري والطرف الثالث

ما كاد وزيرا خارجيتي السعودية والولايات المتحدة ينهيان مؤتمرهما الصحفي في جدة حتى بدأت حملة غير مفهومة على ما جاء على لسان جون كيري ودُشنت حملة تحليلات سطحية لما طرحه، وكان أغلب التركيز على ما سمّاه (الطرف الثالث) الذي اقترح أن يتولى مهمة استلام الصواريخ طويلة المدى ومنصّاتها والأسلحة الثقيلة من الحوثيين، وفزع ممثلو “الشرعية” المقيمة في الرياض من الاعتقاد بأنهم سيفقدون الامتياز الحصري لتمثيل الشعب اليمني، وكذا أقلام “سلطة الأمر الواقع” في صنعاء كتبت اعتراضاتها لأنها نصّبت نفسها معبّرة عن من تسميهم بـ”القوى الوطنية” بينما هي تفرض سطوتها في العاصمة بالقوة المسلّحة عليها دون تكليف ولا قناعة شعبية.

ما قاله كيري هو تأكيد للقرار ٢٢١٦ الذي قبلت به كل “الأطراف” اليمنية ولم يكن الخلاف إلا حول تراتبية تنفيذ بنوده، فبينما كانت السلطة “الشرعية” تصر على الالتزام بتسلسل التنفيذ حسبما جاء في نصوصه، كانت سلطة “الأمر الواقع” متشبثة بوجوب انعكاس ما يجري على الأرض – خصوصاً في شمال اليمن – على تغيير التسلسل الرقمي. هذا الأمر هو الذي أفشل اجتماع بييل في سويسرا ولقاءات “قصر بيان” بالكويت.

ممثلو المجتمع الدولي والإقليم اتفقوا في جدة – حسب كلمات الوزيرين الجبير وكيري – على أهمية بذل أقصى الجهود لوقف الحرب بداية بعد أن أصبحت كلفتها الإنسانية ترتفع مع كل صباح يمر ثقيلاً دامياً وحاملاً لأحزان اليمنيين دون التوصل إلى اتفاق يضع حداً لها، ومن ثم الانتقال إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.

في ٢٦ أغسطس ٢٠١٦ أوضح السفير الأمريكي، في مقابلة صحفية نُشر نصها باللغة الإنجليزية في موقع السفارة الإلكتروني، النقطة الحاسمة والفاصلة للتوصل إلى تسوية توقف الحرب وهي (اتفقت الأطراف – يَقصد المجتمعين في جدة – على مسارين أمني وسياسي متلازمين يؤمنان الأهداف المعلنة للحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين)، واعتبر ذلك (فرصة للسلام ونهاية معاناة الشعب اليمني)، وقال (تبقى على الأطراف مناقشة التفاصيل). كما أشار إلى أن هذه المقاربة تلبي مطالب الطرفين وأنه لم يعد لديهما سبب لعدم وقف القتال والتوجه نحو السلام)، وشرح أن ليس على الطرفين استكمال أي من هذه الخطوات حتى يكون هناك اتفاق شامل عليها جميعاً وأن المجتمع الدولي سيكون ضامناً له.

هنا يجب أن أوضّح أمرين:

الأول: أن (الطرف الثالث) الذي اقترحه المجتمعون في جده له مهمة عسكرية محدّدة وليس من المعقول أن تناط مسؤوليتها بشخصيات سياسية مهما بلغت حيدتها، وأرى ألا تقتصر تشكيلته على اليمنيين فقط لأن الشكوك وانعدام الثقة بلغت حدوداً يصعب معها ضمان قدرتها على تنفيذ مهمتها، كما أن جزءاً أصيلاً ومهماً من المسألة هو التحقق أيضاً من ضمان عدم الاعتداء على أراضي المملكة العربية السعودية وهنا من الممكن الاستعانة بخبراء عسكريين من دول مجلس التعاون والمغرب العربي للمساعدة في إنجاز هذا العمل.

الثاني: أن (الطرف الثالث) الذي أشار إليه كيري يختلف عن فكرة (الطرف الثالث) التي تم الحديث عنها قبل أشهر وأثارت حينها غباراً من الشكوك والمخاوف لدى الطرفين، ولم يتم تناولها بهدوء وبعيداً عن التجريح الشخصي، بل تم التعريض بأغلب الذين تم الإعلان عنهم، والأمر هنا مثار استغراب لأن التهمة الرئيسية التي ألصقت بهؤلاء هي ارتباطهم بالرئيس السابق أو أنهم من أسر هاشمية، والأمران مردود عليهما بأن أغلب من يمثلون قيادة “الشرعية” المقيمة في “موفينبيك الرياض” كانوا أكثر قرباً له واستفادة من شبكة مصالحه وحاربوا معه وقاتلوا دفاعاً عنه بل وكان الكثير منهم ضيوفاً دائمين في المسيرات والحشود وخطباء أمامها رغم أنها كانت تمثل النقيض لثورة الشباب وحشود ساحات التغيير التي دعت لسقوط علي عبد الله صالح، كما أن التعرّض لفئة اجتماعية يمنية أصيلة فيه ظلم لا يجب السماح بممارسته.

لقد أتاح التفاهم الأمريكي مع دول مجلس التعاون فرصة ثمينة لأطراف الحرب الداخلية ولم يعد هناك ما يبرّر لسلطة “الأمر الواقع” في صنعاء عدم التعامل الإيجابي مع ما جاء فيه، لوضع ترتيبات عساها توقف سيل الدماء والدمار والأحقاد، وعلى كل الأطراف اليمنية أن تعي حجم ما تسبّبت به بعنادها وصلفها وابتعادها عن روح المسؤولية الأخلاقية والوطنية طيلة ١٨ شهراً، وأن تتذكر أعداد الضحايا من اليمنيين ومعاناتهم وتزايد أحزانهم فالعالم لن يبقى منشغلاً بهم ولا مهتماً بحاضرهم ولا حريصاً على مستقبلهم.

*وكيل وزارة الخارجية اليمنية سابقاً