fbpx
إبحثوا عن الوطن في قلوبكم وضمائركم

 

الوطن هو القلب الذي تحمله بين جوانحك، هو الذكريات التي تعيش في مخيلتك، هو أول شهقات الوجود وآخر نظرات الحياة، وكلمة الوداع قبل الرحيل منها، الوطن هو بستان الحياة الناضر وربيع العمر الجميل، وزهور الأحلام وأشحار الآمال، هو الأب الحاني والأم الحنون هو الغيثارة التي تعزف لنا أجمل الألحان وأرق الكلمات، وتشدو لنا أعذاب الأصوات، الوطن هو ذرة تراب وقطرة ماء امتزجتا فشكلتا إنسان يسير على ظهر هذه البسيطة.
الوطن ليس مجرد علم يرفرف أو نشيد يشدو، أو قصرا يعمر، أو كتاب في التاريخ والجغرافيا يدرس، او شعارات ترفع وعبارات تردد، بل هو ذلك الشعور بالإنتماء إلى المكان تهفو إليه القلوب وتهواه الأفئدة، وتنخر لذكراه المشاعر، هو الإحساس بالأمان والإستقرار.
متى استشعر كل منا هذا الشعور الجامح بمفهوم الوطنية الواسع لعشنا جميعا في هناء وسرور، ولقبل كلمنا بصاحبه.
فالإنتماء للوطن لا يحتاج شهادة من أحد أو تزكية من حزب معين أو جماعة فلانية، ومقدار الحب لا يأتي عبر رفع الأصوات والإدعاء الكاذب والكلام الفاحش والخلاف العابر كما يتوهم البعض.
هنا نتحدث عن الجنوب من باب الوطنية هل نرى اليوم أمامنا شيء تحقق على الواقع نحو استعادة دولتنا الضائعة، ؟ هل يشعر المواطنين بالمواطنة؟ والرضا عن بعضهم ويعفون عن زلاتهم، ويساعدون على استتباب الأمن ومساعدة رجال الجيش والمقاومة للكشف عن الجريمة ونشر ثقافة التسامح والتصالح بين أبناء الوطن الواحد؟ إذا تحققت هذه الأشياء فنحن نسير في الطريق الصحيح وسوف نصل إلى هدفنا ولو طال بنا الطريق، وإذا كان هناك خلل مجتمعي وتمايز طبقي واختلاف قبلي، وانتشار الجريمة وعدم الإنصياع للقانون والنظام والتحايل عليه، ومحاكمة الناس بدون قضاء ولا نظام ولا قانون، فنحن ما زلنا بعيدين كل البعد عن استعادة الوطن، ونحتاج إلى الكثير من المراجعات والتقييم للعمل وتصحيح للأخطاء المتراكة التي خلفها لنا النظام السلالي العائلي والطائفي بعد عام 90م.
إن الجنوب يمر بمرحلة حرجة جدا وخاصة بعد عاصفة الحزم ودخول الخليج على الخط اليمني ومحاولة السيطرة على القرار وكل المقدرات وإحتواء كل القضايا الهامة وفي القلب منها القضية الجنوبية، فهل يدرك الخليجيون إن ورقة الجنوب تخدم مشروعهم ويمكن من خلالها إحتواء المشروع الحوثي ووقف التمدد الإيراني؟ وتكون الجنوب هي محطة الإنطلاق نحو تحرير الشمال من أيدي الإنقلابيين، ولكن إذا ظل الخليج يتعامل مع الجنوبيين وفق علاقات مصلحية مؤقتة ويحلم إن يسقط صنعاء ويبدد حكم عفاش والحوثي من خلال إعتماده على قيادات ونخب عسكرية وسياسية كانت تابعة لعفاش ونظامه طيلة ثلاثة عقود، فهذا إنتحار سياسي جماعي للمشروع الخليجي ودوله.
ومن خلال متابعتنا للواقع الجنوبي فإننا نشعر بالقلق الشديد على ضياع القضية الجنوبية وتفكيك اللحمة الوطنية والنسيج الإجتماعي المتماسك الذي كان طيلة ما يقرب من عقد من الزمن كتلة واحدة صلبة تنظر إلى هدفها الواحد الذي خرجت الجماهير من أجله وقدم الشعب الألاف بين شهيد وجريح وأسير، وتحويل الصراع في الساحة الجنوبية لمكافحة الإرهاب والدواعش فقط، فسوف يضيع معها المشروع الخليجي في التصدي لتمدد الإيراني إذا ظلت تعاند وتعتمد على شخصيات معروفة في تاريخها وولاءها للمخلوع عفاش. فقد يضيع حلم الجميع وتتبخر معه كل الإنتصارات التي تحققت، ومن تابع بالأمس تلك الجموع التي خرجت للساحات في صنعاء وهي تهتف لعفاش وللحوثي يخرج بإنطباع وقناعة إن الشمال بتكوينه القبلي والعرقي والديني يصعب من السيطرة عليه او تقويض حكم عفاش، الا بعملية عسكرية كبيرة تكون مكلفة للطرفين وهذا ما يتحاشاه التحالف العربي.
لذلك فإن هناك أوارق بديلة يمكن إن يعتمد عليها التحالف إن أراد ذلك وسبق وتحدثنا عنها وهي ورقة دعم الجنوب وإقامة مؤسسات دولة حقيقية وتدريب جيش جنوبي من منظور وطني يراعي التكوينة الجنوبية، ونحن لا نطلب من الأشقاء فوق طاقتهم أو شيء يهدد أمنهم القومي، وكي نثبت لهم حسن النية فإننا نرضى بمرحلة إنتقالية حتى يتم السيطرة على الشمال ويكون تحت المنظومة الخليجية والعربية، وبعدها يمكن للتحالف إن يقدم للجنوبيين مكافئة على هذا الموقف وهي اعلان دولته المستقلة، وضمها الى مجلس التعاون إلى جوار دولة الشمال، وتكونا دولتين من النسيج الخليجي والجزيرة العربية بعيدا عن تدخلات الشرق والغرب في شؤوننا الداخلية ويكون اليمن الحديقة الخلفية بشماله وجنوبه للجزيرة والخليج لم يعد يشكل خطرا عليهم عسكريا أو فكريا أو الوقوع تحت وصاية أي دولة من خارج نسيجنا العربي .