fbpx
عن اللجان الشعبية*

د عيدروس نصر ناصر

لن أتناول هنا الكثير مما قيل ويقال عن اللجان الشعبية وعن متبنيها وداعمها الأول الوزير محمد ناصر أحمد ولا ما قيل عن موقفها في معسكر العند وجبل حديد والهجوم على قصر المعاشيق، ولا ما يشاع عن فرض أفرادها أتاوات وبطريقة إجبارية على التجار والباعة وملاك المركبات وغيرهم، فكل هذا متروك للتاريخ ليقول فيه كلمته، أما ما أريد تناوله فهو يتصل بطبيعة تركيب هذه اللجان وتبعيتها وحضورها ودورها وأفق عملها المستقبلي.

اللجان الشعبية هي صيغة أبينية صرفة نشأت وتوسعت في ظروف الحرب مع جماعة ما يسمى بـ”أنصار الشريعة” التي سلمها المخلوع أبين في العام 2011م عقابا للرئيس هادي وسعيا منه لخلط الأوراق وإرباك المشهد العام كما هي عادته.

لقد اكتسبت اللجان الشعبية خبرات لا يمكن الاستهانة بها وقدمت العديد من الشهداء في مواجهة الإرهاب بشقيه (الحوافش والدواعش) هؤلاء الشهداء لا نملك إلا الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ولزملائهم من الجرحى نسأل الله الشفاء العاجل، لكن لا يمكن نكران أنها تعرضت للكثير من الامتحانات القاسية التي لم تخرج منها بنجاحات ملموسة.

إن اللجان الشعبية هي صيغة مليشياوية غير مرتبطة مؤسسيا إلا بقيادتها التي لا أحد يعلم من يوجهها ولا ما هي السياسات التي تحكم نشاطها ولا مصادر تمويلها ولا المعايير التي تضبط عملها وترسم لها ما هو مشروع و ما هو ممنوع في نشاطها.

كما إن اللجان الشعبية التي تقتصر في وجودها على ثلاث أو أربع مديريات في محافظة أبين ويكاد حضورها ينعدم في سبع الى ست مديريات في أبين نفسها (دعك من بقية محافظات البلد)، لا أحد يعلم ما هي معايير الالتحاق بها ولا شروط الانتماء اليها ولا من يعين أو يقيل قادتها.

وبغض النظر عن كل هذا فإن الكثير من أبناء أبين يتحدثون عن ظهور موسمي لهذه اللجان وغالبا بعيد الانتصارات وغياب شبه كامل لها في اللحظات العصيبة، لكن هذا قد لا يكون أهم ما في الأمر.

إن المهم اليوم وفي ظل الأجواء التي تعيشها أبين هو مكانة اللجان الشعبية في المستجدات التي شهدتها وتشهدها المحافظة، وهنا يمكن القول أن اللجان الشعبية ومع كل التقدير والاحترام لما هو إيجابي من أدوارها، تقف أمام مفترق طريقين لا ثالث لهما.

الطريق الأول: أن تكون جزءا من المنظومة الأمنية والدفاعية التي يجري الإعداد لبنائها في محافظات الجنوب، وهذا بالتالي يقتضي على اللجان الشعبية حصر أفرادها وأسلحتها وما لديها من أملاك عينية أو نقدية والذهاب إلى وزارة الدفاع أو الداخلية (أو أي جهاز أمني) لدمجها، ماليا وإداريا وتنظيميا وتدريبا وتأهيلا ضمن هيكل الوزراة ، وسيكون على وزراة الدفاع (أو أي جهاز أو وزارة أخرى سيلحق بها الأفراد والقادة) مهمة اعتماد هذه القوة ودمجها في الحياة المؤسسية المرتقب إرساؤها.

والطريق الثاني هو اختيار السلوك المليشياوي، وفي هذه الحالة وبغض النظر عن نقاء ونزاهة قياداتها أو عكسهما، فإن طريقها سيكون محفوفا بالكثير من المزالق فكل مليشيا مهما بدأت وطنية وفدائية فمجرد كونها فوق الدولة أو خارج جهاز ونظام الدولة فهذا وحده كفيل بنقلها من مؤسسة شعبية وطنية محترمة إلى عصابة كبيرة أو مجموعة من العصابات التي ستنتقل عاجلا أو آجلا إلى الاصطدام بالجميع ومع الجميع، وفي الأخير فإن هذا المسلك سيؤدي إلى ارتفاع كلفة التعامل مع هذه اللجان وقد يفتح الأبواب لنيران كثيرة لم يكن أحد يحسب حسابها، خصوصا وقد بدأت ترتفع هذه الأيام الأصوات الشاكية من سلوك بعض المنتميين إلى اللجان الشعبية والمتذمرة من بعض الممارسات التعسفية لهذه اللجان تجاه مواطنين أبرياء ليسوا طرفا في أي صراع.

لا يمكن الإبقاء على مليشيا خارجة عن الأنظمة والقوانين والحياة المؤسسية حتى لو كان المنتمون إليها مجموعة من الطاهرين الأنقياء الخاليين من أي عيب من العيوب البشرية، وسيكون من مصلحة قيادات وأفراد هذه التشكيلة التحاقهم بمؤسسة حكومية تمنحهم حقوقهم وترعاهم عند العجز وتحميهم وأسرهم من تقلبات الزمن وقبل هذا تحميهم من سيئات أعمالهم ومن شرور ذواتهم التي لا يمكن الادعاء بأنهم معصومون منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك