fbpx
“الجنوبيون” ومخاوف الحرب الثالثة

 
المتبع للكثير من الآراء والأطروحات السياسية في اليمن وبالأخص تلك المبنية على العواطف، والأخرى التي تحاول خلق روح انهزامية لدى الجنوبيين الذين انتصروا في الحرب على الحوثيين والمخلوع صالح، يبدو انها أطروحات تحاول تنفيذ أجندة تتنافى والهدف الذي قاتل الجنوبيون من أجله.. وهو استقلال بلادهم، عن ابشع احتلال عرفته المعمورة.

منذ أشهر اتابع ما يكتبه بعض الساسة حول ” ان هزيمة الانقلابيين او حصول تسوية سياسية يعني ذلك اتحاد اليمن (ش) مرة أخرى على الجنوب”.

حقيقة لم يحدث قط، ان اختلف اليمنيون الشماليون حول الجنوب وثرواته ومقدراته التي يتقاسمونها منذ انتصارهم على “كفار الجنوب” كما زعموا في صيف 1994م.

حتى اليوم واليمن الشمالي الذي يشهد اقوى المعارك والمواجهات ” يبقى الجنوب” القاسم المشترك بين قوى صنعاء المتطرفة.

الرأي الانهزامي او حملة الإحباط التي تقوم بها بعض الاطراف السياسية وانجرت خلفها بعض الاقلام غير المدركة بالكارثة التي تسوقها للجنوب من خلال ما تكتبه.

منذ ثلاثة أشهر بدأت ألاحظ على بعض وسائل الإعلام، وهي تحاول تنفذ اجندة خبيثة بحق الجنوب، من خلال محاولة زرع الاحباط لدى السواد الأعظم.. الهدف من ذلك هو جعل الشعب في الجنوب يقبل باي مشروع حتى وان كان في ذلك تسليم عدن لأقرب محافظة يمنية كما يخطط لذلك.

يقول البعض ان الحكومة التي قد تشكل في صنعاء سواء “بالتسوية السياسية او بالحسم العسكري” سوف تجعل الجنوب متمردا ان هو اصر على الذهاب نحو الاستقلال.. وهذا أمر يثير مخاوف الكثيرين ان كانت دول التحالف أو بالأحرى “دول الخليج” تفكر بالتنصل او بالتخلي عن الحليف الوحيد والوفي لها، في مقارعة حلفاء إيران في اليمن.

لكن لنفترض، واتفق اليمنيون الشماليون في صنعاء، وباركت دول الخليج ذلك الاتفاق، وأجمعوا على بقاء الوحدة اليمنية ودعوا لقمع دعوات الاستقلال في الجنوب.. ماهي نتائج ذلك؟

قبل توقع النتائج، اعود لاستعرض ظهور الكفاح المسلح ، فالمقاومة الجنوبية لم تكن وليدة حرب العدوان الثاني على الجنوب في مارس (آذار) 2015م، بل هي وليدة حادثة ” اغتيال الشيخ سعيد بن حبريش في حضرموت وقصف مخيم العزاء في الضالع وغيرها من الحوادث الاجرامية التي طالت الشعب في الجنوب.

في الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) 2013م، قصف لواء موال للمخلوع صالح، مخيم عزاء في بلدة سناح التي تقع على شريط حدودي بين دولتي اليمن الشمالي واليمني الجنوبي، كان اهالي الضالع قد اقاموه للتضامن مع اهالي شهيد قتل برصاص اللواء ذاته , تلك الجريمة البشعة التي اثارت غضب الجنوبيين.

وعقب تلك الجريمة البشعة نفذ مقاومون جنوبيون عمليات نوعية ضد قوات الجيش التي يعدها الجنوبيون قوات احتلال.

في الـ31 ديسمبر (كانون الأول) 2013م، كتبت تقريرا تحت عنوان ” وأخيرا بات للجنوب حركة مقاومة مسلحة.. المقاومة الجنوبية تظهر إلى العلن لأول مرة منذ 1994م وتكبد الجيش اليمني خسائر في الارواح والعتاد”.

جاء ظهور المقاومة الجنوبية حينها نتيجة لقصف قوات اليمن الشمالي، المدنيين في الضالع واغتيال الشيخ بن حبريش في حضرموت وغيرها من الحوادث.. وهو ما دفع المقاومة الجنوبية التي تشكلت في ردفان الثورة إلى خوض معركة جديدة مع الاحتلال اليمني.

أشرت في التقرير ذاته إلى ان مقاومة جنوبية كانت قد تشكلت في أبين في العام 2007م، تزعمها العقيد سعيد الشحتور في بلدة المحفد بأبين، حيث قاد العقيد سعيد الشحتور مقاومة مسلحة لطرد التواجد الشمالي من أرض الجنوب، لكن تلك المقاومة لم تستمر نتيجة لإصرار الجنوبيين على النضال السلمي ليعود الشحتور إلى ساحات النضال السلمي إلى ان توفاه الأجل في الخارج وهو يتلقى العلاج، في مطلع سبتمبر (أيلول) 2013م، عقب ان كتب وصيته الشهيرة ” “ان وافتني المنية هنا في لبنان لا تمروا بجثماني بصنعاء بل اوصلوني الى مطار عدن مباشرة او مطار المكلا “.

وبالعودة إلى سؤال ما هي نتائج لو شن اليمنيون الشماليون عدوانا ثالثا على الجنوب ما الذي سيحصل؟

الجميع يعلم ان الجنوبيين قاتلوا تحت راية عرفها العالم اجمع، قاتل الجنوبيون من أجل قضية أكبر من شرعية الرئيس هادي.

قضية وطن دأب اليمنيون الشماليون على التنكيل بشبعه، ولكن الجنوبيين أرادوا ان يتصدوا لهذا الاحتلال تحت أي شعار ولون أتى، فالعدوان الأولى اتى بدعوى ان الجنوبين كفرة وخارجين عن الدين الإسلامي، فيما أتى العدوان الثاني بدعوى ان الجنوبيين متطرفين وإرهابيين.

الشيء الذي كان خافيا على الجنوبيين في العدوان الثاني هو ان الكثير ممن كانوا يعيشون في عدن ويمارسون اعمال التجارة وغيره تحولوا إلى فرق قناصة خلال الحرب، واي عدوان ثالث لا سمح الله وحصل، فالمارد الجنوبي لن يستثني أحد وسوف تطال النار الجميع وقد تسقط اليمني في أتون حرب جهوية لا تبقى ولا تذر.

فمن غير المعقول ان يرضى أبناء الجنوب بمشاريع تربطهم بصنعاء مهما كلفهم ذلك من ثمن، فالخليج لو دفع نصف ثرواته من أجل بقاء الوحدة لن يجد اي حليف شمالي مهما كان.

فإذا اراد الخليج استخدام ورقة الجنوب فزاعة لصنعاء، فتلك الورقة لن تدوم له وقد يذهب الجنوبيون للتحالف مع دول إقليمية تدعم استعادة حقهم المشروع، فهم كانوا دولة ذات سيادة فرط فيها الخليجيون من سابق، فتكرار ذلك قد يعود بنتائج وخيمة على دول الخليج والسعودية تحديداً.

فلا أعتقد أن مشاريع أخرى تتنافى والحليف القوى للخليج ان يتم تمريرها عليه، فالسعودية تحديدا لو دفعت ثلثي ثروتها لن تستطيع الحصول على حليف وفي في شمال اليمن، فالوقائع على الارض تؤكد ذلك..

الجنوب بات قويا أكثر من أي وقت مضى، وأعتقد ان أي محاولة لفرض مشاريع تتنافى والتضحيات التي قدمها الشهداء، فهي محاولة لإشعال فتيل حرب جهوية قد يتضرر منها الجميع بما في ذلك المحيط الاقليمي وقد نشهد دولة فاشلة على غرار الصومال ، وهذا لو حصل ستكون عواقبه وخيمة على مستقبل دول الخليج وبالأخص السعودية، فمستقبل الخليج مرتبط بالحليف العربي الوفي الذي اثبتت الحرب الأخيرة قوته وقربه من الخليج.

نأمل ان يعم السلام المعمورة وأن يحصل أبناء الجنوب على حقهم المشروع الذي قدموا من أجل انهارا من الدماء الزكية.