fbpx
أعداء الرئيس!!*

دعيدروس نصر ناصر

خلال ما يقارب الشهرين الماضيين تلقيت عدداً من الرسائل عبر بريدي الإلكتروني، وعبر خدمتي فيس بوك ووتس أب من بعض الإعلاميين البعض منهم معروفون وكثيرون غير معروفين،  بعضهم مقربون علنا من مؤسسة رئاسة الجمهورية والبعض يحاولون التقرب من الرئيس من خلال اتهام كل من ينتقد مستوى أداء أجهزة الحكومة الشرعية بالولاء لعفاش أو البحث له عن اتهامات في العقود الثلاثة الماضية أو ما قبلها ويتهمني أصحاب هذه الرسائل بأنني معادي للرئيس هادي وأخدم الحوثيين وعفاش.

ولأنني أكره الحديث عن ذاتي فسأتجنب الدفاع عن نفسي أو الرد على كل ما قيل ويقال بشأن شخصي، لكنني أشير فقط إلى إنني لا أبحث ولم أبحث قط عن رضا أي رئيس ولا أسعى إلى إغضابه، وليس لي علاقة كراهية أو محبة مع أي من الزعماء السياسيين، السابقين أو الحاليين، بما في ذلك أولائك الزعماء التاريخيين الذين ما نزال نتناول سيرهم بإعجاب وتباهي رغم مرور عقود على غيابهم، وإن ما أكتبه هو محاولة لرفض الأخطاء وانتقادها والسعي نحو ترشيد الأداء السياسي والوطني للمؤسسات التي يفترض أنها تدير بلدا أنا أحد مواطنيه.

وفي هذه المقالة سأتناول نظرتي الفلسفية لمفهومي “أعداء” و”أصدقاء” الرئيس (أي رئيس)، هذين المفهومين المخاتلين الذين من خلالهما تتسلل كل مايكروبات الفساد وبكتيريات التعفن والانحراف وطفيليات الأوبئة وطحالب التفكك المجتمعي والتشظي والوطني.

من المؤسف أن بعض الزعماء السياسيين يبتهجون أيما ابتهاج عندما يجدون من يمتدحهم ويعدد محاسنهم أو حتى يصطنع لهم محاسن من عنده ليست موجودة فيهم، حتى لو كان هذا المداح بذيئا وتافها أو سفيها وذا سمعة سيئة في حين يمتعضون من كل انتقاد يكشف لهم نواقص أو أخطاء تتصل بمستوى أداء أجهزتهم والمؤسسات التي تقع تحت مسؤوليتهم المباشرة أو غير المباشرة.

في هذه المعمعة المتلاطمة التي تنتجها بيئة الحروب والصراعات السياسية (وغير السياسية) وما يرافقها من اختلاط للأوراق وتقلبات في المواقف وتنامي للظواهر الانتهازية السياسية وتفشي الارتزاق عن طريق التنقل بين مراكز الصراع السياسي والاستثمار في السياسة (بدلا من الاستثمار في الإنتاج الماي المثمر) وتختلط الأمور إلا على القائد السياسي الماهر الذي يمكن أن يميز بين خصومه الحقيقيين وخصومه المزيفين كما بين أنصاره الحققيين وأنصاره المزيفين.

ليس كل من امتدح رئيس الجمهورية (أي رئيس لأي جمهورية) محبا للرئيس وحريصا عليه فالكثير من المداحين قد يتملق الزعيم لمجرد نيل رضاه أو تمرير مصلحة معينة وفي الغالب طلبا للرزق، وفي العادة يستطيع هؤلاء أن يزينوا القبح ويصوروه للزعيم على إنه جمالا مبهرا وأن يجمِّلوا الأخطاء والخطايا ويقدموها على إنها حقا مشروعا لا تكسوه ذرة من غبار الشك.

أمثال هؤلاء هم أعداء ألداء للممدوح، رئيسا كان أم زعيما أم معارضا سياسيا، لا فرق بينهم وبين من يحاربون الزعيم في جبهات القتال، بل إن هؤلاء هم أشد خطرا، لأنهم يشبهون داء السرطان المتخفي الذي لا تتكشف أعراضه إلا بعد أن يكون قد استفحل وصار استئصاله والقضاء عليه مستحيلا،  كما تكمن خطورة هؤلاء في إنهم بما يفعلون يدفعون الزعيم الممدوح نحو مزيد من الأخطاء ومواصلة السير في الطريق الذي يصنع له المزيد من الخصوم  ويمنح الجبهة المعادية له نقاط قوة إضافية يمكن أن تصب في خانة تفوقهم عليه حتى وإن كانوا انقلابيين ومتمردين ومطلوبين للعدالة المحلية والدولية، وعندما يكون هؤلاء (المداحون) من السفهاء وأصحاب السمعة السيئة (والمتزلفون والمنافقون هم غالبا على هذه الشاكلة) فإن الضرر الذي يلحقونه بممدوحهم يتضاعف من خلال انسحاب الخيرين والمحترمين من صف زعيم يحرص على أن يكون أنصاره من هذا النوع من المداحين.

وبالمثل ليس كل من انتقد أداء المؤسسات التي يديرها هذا الزعيم السياسي أو ذاك هو عدو له ففي الغالب لا ينتقد أداءك ويرشدك إلى طريق الصواب إلا من كان ينطلق من حرصه على سلامة سياساتك وصوابية أفعالك، بل إن تاريخنا الحضاري يعلمنا أن إظهار العيوب يمثل هدية لصاحبها وقد عرف عن الخليفة عمر بن الخطاب قولته الشهيرة “رحم الله امرء أهدى إلي عيوبي”.

وللرئيس هادي يمكن القول: إن الكتاب والمثقفين الذين ينتقدون المستوى المتدني لقيام الأجهزة التابعة لك بوظائفها (وكاتب هذه السطور واحد منهم) ليس لديهم ما يطلبونه منك لأشخاصهم، ومعظم هؤلاء (وكاتب هذه السطور واحد منهم) يتمنون أن يروك وأنت تقود مؤسسات ناجحة في وظائفها متفوقة على مؤسسات خصومك في تنفيذ مهامها، خالية من عيوب ومفاسد سلفك، ملتصقة بالمواطنين الذين ينتظرون منك ومنها حل مشاكلهم وإخراجهم من دائرة العذاب الذي تسببه لهم هذه الأجهزة، فإذا كانت هذه التمنيات تمثل إساءة لك فنحن سنتوقف عنها، وسنتركك للناصحين الذين يكتبون لك ما يشعرك بالرضا عن نفسك وعن موظفي حكومتك ووزائك وعمن يمتدحونك ويقولون لك أن أخطاء من يديرون مؤسساتك تمثل مكاسب للشعب وإن هفوات موظفيك إنجازات عملاقة لشرعيتك، وإن تقصيرات وزرائك ومؤسساتهم تصنع نعيما للشعب يتمنى أن يدوم ، وينصحونك بمواصلة السير على هذا الطريق، وسنترك الأيام لتكشف لك ولنا وللجميع من  هم أعداءك الحقيقيون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.

منطقة المرفقات