fbpx
ماذا بعد «داعش»؟
شارك الخبر

وحيد عبد المجيد

لم يكن متصوراً أن تستمر سيطرة تنظيم «داعش» على الأراضي التي احتلها في سوريا والعراق لفترة طويلة. لكن تراجعه وخسارته مساحات متزايدة من هذه الأراضي جاء أسرع مما كان متوقعاً. فقد خسر خلال النصف الأول من العام الجاري أكثر من نصف المناطق التي سيطر عليها بين عامي 2013 و2015. لكن هذا لا يعني نهاية الإرهاب، الذي سيبقى إلى أن يمكن تجفيف منابعه الفكرية والاجتماعية. فقد استمر الإرهاب بعد تقهقر تنظيم «القاعدة» الذي لم يمضِ على مقتل زعيمه عامان حتى كان تنظيم آخر أكثر عنفاً وتوحشاً قد تصدر ساحة العمل الإرهابي في العالم.

كما أن صعود «داعش» إلى الصدارة لم يقضِ على «القاعدة»، بل أدى إلى صراع بينهما امتد من سوريا والعراق إلى مناطق عدة توجد ركائز للإرهاب فيها. فبعد أن انكفأ تنظيم «القاعدة» وفقد أبرز قادته، ثم بدا كما لو أنه يتوارى عقب صعود «داعش»، تمكّن من ترميم بعض التصدعات التي أصابته. كما استفاد من تركيز عمليات مواجهة الإرهاب خلال السنوات الثلاث الأخيرة على «داعش»، وبدأ في خوض معارك ثأرية ضده في عدد من المناطق التي يوجد بها أنصار لكل منهما، وهي تمتد من أفغانستان وباكستان شرقاً إلى المغرب العربي والساحل الأفريقي غرباً.
وتفيد متابعة الصراع بين التنظيمين خلال الشهور الأخيرة أن «القاعدة» استعاد جزءاً من دوره على حساب «داعش»، وأصبح أكثر قدرة على المناورة، كما حدث في إعلان فرعه في سوريا الذي حمل اسم «جبهة النصرة» الانفصال تنظيمياً عنه. وهذه خطوة تكتيكية تهدف إلى محاولة حماية الفرع السوري من هجمات قد تطوله مستقبلاً.

ومع ذلك، لا تتوفر مؤشرات كافية تدعم السيناريو الذي يتوقعه بعض المراقبين لما بعد «داعش»، وهو تصدر «القاعدة» ساحة الإرهاب العالمي مُجدداً. ويستند هذا الاحتمال إلى أن الإرهاب سيعود إلى مرحلة ما قبل «داعش»، أي تنفيذ عمليات في كل مكان يستطيع أن يضرب فيه، بعد فشل استراتيجية السيطرة على الأرض.

فالدرس الأساسي الذي يُرجح أن يستخلصه الإرهابيون من تجربة «داعش» هو التخلي عن هدف الإمساك بالأرض تجنباً لاستهداف المقاتلين الذين يسيطرون عليها كما يحدث الآن في سوريا والعراق.

وهناك ما يدل على أن «داعش» بدأ في الإعداد لهذا التحول بالفعل، الأمر الذي قد يؤدي إلى احتدام التنافس بين التنظيمين، سواء في تنفيذ عمليات إرهابية، أو في كسب ولاء منظمات محلية، أو في زرع خلايا وبؤر كلما توفرت بيئة مناسبة لذلك.

وفي كل الأحوال، يظل هذا التنافس مرتبطاً بما بقي لدى «القاعدة» من قدرات فعلية يصعب تقديرها، وأخرى كامنة ومرتبطة بالآثار المحتملة لفقدان «داعش» جاذبيته التي أتاحت له قدرة واسعة على التجنيد.

لكن بخلاف احتمال عودة «القاعدة» إلى الصدارة، يوجد احتمالان آخران قد يكون أي منهما أرجح. أولهما أن يحافظ «داعش» على موقعه في صدارة الإرهاب العالمي، لكن من دون ما سمّاه «دولة إسلامية»، لأن هزيمته تعني إسقاط شعاره الأثير «الدولة باقية وتتمدد». والثاني أن ينشأ تنظيم جديد يضم عدداً كبيراً من مسلحي «داعش»، ويستقطب معظم أنصاره، وربما يخترق تنظيم «القاعدة» أيضاً.

وسواء بقى «داعش» أو نشأ تنظيم جديد، فالمحصلة أن الإرهاب سيعود إلى أصله الذي بدأ به وهو الضرب في أي مكان، وأنه قد يكون في عودته هذه أكثر إزعاجاً للعالم. وفي الحالتين، يبدو أن خزان «داعش» البشري، سيظل كبيراً.

وفضلاً عن هذا الخزان البشري، تمكن «داعش» من تطوير قدرات تقنية عالية في مجال استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وقد أعلنت شركة «تويتر» في فبراير الماضي أنها أغلقت نحو 125 ألف حساب في إطار حملة «مقاومة المضمون الإرهابي»، وأن لمعظم هذه الحسابات علاقة بتنظيم «داعش». وهذا دليل جديد على أنه لدى «داعش» قدرات تواصلية كبيرة تتيح له مواصلة عمليات الدعاية والتجنيد وإصدار التكليفات من أي مكان حتى ولو كان مغارة في بطن جبل، أو مقهى في مدينة أو بلدة.

لذلك ربما يكون الجواب الأرجح على سؤال ما بعد «داعش»؟ هو أن هذا التنظيم سيظل مؤثراً رغم هزيمته، سواء استمر بما سيبقى من عناصر وأخذ شكلاً آخر، أو أُنشئ تنظيم جديد معتمداً على خزانه البشري وقدراته التقنية.

أخبار ذات صله