fbpx
هزيمة التحالف الانقلابي بدون حرب

 

د. عيدروس نصر ناصر

سؤال ظل يراودني طويلا وهو: هل يمكن للحكومة التي تقول أنها شرعية أن تهزم المشروع الانقلابي بدون حرب؟

للإجالة عاى هذا السؤال لا بد ممن الإقرار أن الطرف الانقلابي يتفوق بميزتين هامتين للأسف الشديد تفتقر إليهما السلطة الشرعية ومؤسساتها:  الميزة الأولى وتتمثل في القدرات الخارقة على المكر والدهاء والخداع والمراوغة واللعب على الأوراق والبدائل  المتنوعة التي يتقنها مهندس الانقلاب وزعيمه الأول الرئيس السابق علي عبد الله صالح وقدرته على صناعة المفاجآت وأرباك الطرف الآخر من خلال التظاهر بمظهر المتفوق في حين تفتقد (الشرعية) وأنصارها لهذه الميزة، أما الميزة الثانية فهي وجود تكتل عسكري قوي ويتميز بالفتوة والقدرة على المواجهة المبنية على عنصرين: عنصر الخبرة والمهارة القتاليتين اللتان تقدمهما القوات الموالية لصالح والتي استمر في بنائها ما يقارب ثلث قرن، وعنصر الفتوة والاستبسال والاستعداد للموت تنفيذاً لأوامر السيد التي تتميز بها مليشيات الحوثي، وهذان العنصران يكملان بعضهما في مواجهة كل إمكانية لدى القوات الموالية للرئيس هادي وقوات التحالف العربي ولذلك طال أمد المعركة العسكرية وتطاول زمن انتظار الحسم العسكري الذي مل المواطنون انتظاره من كثرة ما تحدث عنه أنصار الرئيس بينما تميل كفة المكاسب الميدانية لصالح الطرف الآخر.

ويتساءل البعض: كيف يمكن لشرعية تفتقر إلى المهارة السياسية والقدرة العسكرية أن تستعيد الإمساك بزمام المبادرة وإلحاق الهزيمة بالمشروع الانقلابي؟

الحقيقة أن لدى الشرعية الكثير من أدوات التفوق التي يمكن بها أن تهزم المشروع لانقلابي وبدون إطلاق رصاصة واحدة ولا إسالة قطرة دم واحدة، لكن للأسف الشديد هناك من لا يرغب في استثمار نقاط التفوق هذه، لأسباب يطول الحديث فيها أهمها الرغبة في الاستثمار في الحرب لتحقيق المزيد من العوائد المالية والفوائد المادية وأسباب أخرى سنتحدث عنها لاحقاً.

ما أقصده بنقاط التفوق أن لدى السلطة الشرعية أراضي تساوي ما يقارب ثلاثة أرباع أراضي اليمن قليلة السكان كثيرة الثروات والموارد، وهذه الميزة يمكن للحكومة الشرعية أن تتخذ منها مرتكزا للبدء ببناء الدولة على الأسس التي ما انفكوا يعدوننا يها، بغض النظر عن تحفظاتنا على الصيغة التي يطرحونها،  ومن ثم الشروع في البناء المؤسسي وتحويل الدولة من فكرة وأمنية إلى واقع ينمو ويتطور ويتجذر على الأرض.

في تناولة سابقة كان كاتب هذه السطور قد أشار إلى إن رسم خطة قصيرة المدى كجزء من خطة طويلة المدى للبدء بإعادة إعمار المناطق التي تسمى محررة، من خلال البدء بالبناء المؤسسي وتحسين الأوضاع الخدمية وتثبيت الأمن وتعزيز حضور الدولة على طريق رسم آفاق التنمية وفتح أبواب الاستثمار في المجالات الخدمية والإنتاجية، كل هذا كفيل بتحسين صورة الشرعية وجذب الناس في كل البلد إلى الالتفاف حولها والتصدي للانقلاب ومحاصرته وتركه حتى يذوي ويضمر ويموت بدون حرب وبأقل قدر من التكلفة المادية والبشرية.

يتباهى الانقلابيون بقدرتهم على حفظ التوازن في المناطق التي يسيطرون عليها، رغم كل المعاناة التي يعيشها المواطنون في تلك المناطق، بيد إن تلك المعاناة لا تساوي شيئا بالمقارنة مع معاناة أبناء المناطق المحررة التي ينقصها كل شيء من مياه الشرب إلى الخدمة الطبية الأولية ومن التموين الغذائي إلى الأمن والأمان ومن الكهرباء إلى الوقود ومن الوظيفة إلى ما يدل على وجود الدولة.

إن الانقلابيين محقون في ما يتباهون به، فهل تستطيع السلطة الشرعية أن تنافسهم في القيام بواجباتها، والكف عن التفكير الأخرق الذي يروجه بعض المستشارين المحنطين والحمقى، والقائل بأن تنمية مناطق الجنوب وتثبيت الأوضاع فيها سيدفع أبناءها إلى الانفصال، فالانفصال والتفكك والتشظي سيسير على قدم وساق بفعل السياسات الحمقاء التي تتبعها سلطة الشرعية في المناطق المحررة وليس بسبب قيامها بواجبها الأساسي تجاه مواطنين تدعي أنها تمثلهم، ومنهم الآلاف ممن قدموا فلذات أكبادهم من أجل أن تنتصر هذه الشرعية لكنها تأبى أن تنتصر لنفسها.

أيها السادة الشرعيون!

لم تستطيعوا هزيمة الانقلابيين بالحرب ولن تستطيعوا، ولم تستطيعوا إقناعهم بالتراجع عن مشروعهم بالحوار والمشاورات، لم تستطيعوا استثمار الانتصارات التي صنعتها لكم الجماهير وقدمتها لكم مجانا، ولا قدمتم أنفسكم أنكم مؤهلون لقيادة حارة شعبية في البساتين أو أبو حربة، فكيف ستبنون دولة على مساحة 570 ألف كم مربع؟

يمكنكم هزيمة المشروع الانقلابي فقط من خلال البدء ببناء الدولة القائمة بكل واجباتها التنفيذية والخدمية والقضائية والأمنية والقانونية في المناطق المحررة ومن خلال ذلك ستتحولون إلى قادة يلتف حولهم ملايين المواطنين في شمال البلد وجنوبه، أما التبجح بالشرعية ولعن الانقلاب فإنه لن يقدم قرص أسبرين لمريض ولا رغيف خبز لجائع في عدن أو في صنعاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*   من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك