fbpx
مكتبة القمندان في حوطة لحج …”صرحٌ من خيال فهوى ” !
شارك الخبر

بقلم  شيماء باسيد

عدتً من مكتبة القمندان في حوطة لحج مغرب يوم السبت الماضي السادس من أغسطس 2016م . مكثتُ لا أدري كم من الوقت ربما ساعات أو أقل حساب الزمن في مواقف كهذه يتوقف أو ربما لا أكترث به شخصيا ..ساعتين ربما ..!
النصف الساعة الأولى من الزيارة كنت في حالة ذهول شديد والنصف الاخر قضيته في الإستماع لقصة الأسرة التي سكنت المبنى بعد أن تم تدمير منزلهم في الحرب الأخيرة , ماتبقى من الوقت قضيته في شرب كأس ماء بارد تكرم مشكورا باحضاره رب الأسرة , بدأ لي ساعاتها أهم كأس ماء سأشربه في حياتي – أشده مرارة ربما ! وكيف لا يكون كذلك حين يخنقك الموت في حضرة رواد الحياة : توفيق الحكيم ..طه حسين ..العقاد ..نجيب محفوظ – جبران خليل جبران -تولستوي – تشيخوف – برناردشو – ديكنز – شتاينبيك – همنغواي – الاعمال الكاملة لمحمود درويش – المقالح – البردوني- الزبيري – صلاح عبدالصبور – احمد رامي – الفيتوري – البياتي – السياب – نازك الملائكة – مي زيادة – صلاح جاهين – نزار قباني – واخرون .

لتصوير هذه الدواوين استلزمني وقت كافي لتنظيفها من التراب ..تذكرت اقتباس الممثل الاسمراني احمد زكي من فيلمه ( اضحك الصورة تطلع حلوة) : أن سر الصورة الحلوة هو الابتسامة الصافية الحلوة النابعة من القلب قبل الوجه ..لذلك حرصت أن تبدو الكتب هذه في صورة مبتسمة لعدسة كايمراتي … مبتسمة من الداخل رغم كل الجراح .

تنقلت هنا وهناك لأجد أهم الأعمال الشعرية لأدباء وشعراء يمنيين .أشعار عبدالله هادي سبيت مثلا ..أعمال مهمة جدا لرواد ومبدعين في الأدب اليمني ( الشعر – القصة – الرواية) …روايات وأعمال عالمية قيمة مترجمة … كتب في الفكر الدين الفلسفة التاريخ علم النفس والاجتماع كتب في التربية والقانون والسياسة كتب عن تاريخ لحج ..مؤلفات للقمندان بقلمه وأخرى مما كُتب عنه أهمها كتاب عن مهرجان القمندان كنت أبحث عنه منذ زمن …وحاجات كثيرة لو كتبت عنها لأيام لن أنتهي ..!
للأسف لم استطع ان استعير ضالتي من الكتب كون لا جهة حكومية ترعى المكتبة حاليا سوى تلك الاسرة التي سكنت المبنى بسبب ظروف الحرب , ومؤلم جدا أن تكن بحاجة لكتب ومراجع من أجل دراسة او انجاز عمل ما وهي موجودة في مدينتك ولا تستطيع استعارتها للقراءة والإطلاع .
امرأة عجوز من أفراد الأسرة لم تبخل علي بسرد التفاصيل .. قصص بقية الأسر التي سكنت الطابق العلوي من المكان وقاعة الثقافة , تألمت وبشدة حين تنحصر خيارات البسطاء في الحياة بين امرين ( احلاهما مُر ) بل أشد . حين وجهت لي تلك المرأة سؤالا عميقا جدا وبمنتهى الواقعية : لو فقدت اسرتك في الحرب منزلها وكل ماتملك فيه هل ستبقون نياما في الشارع أم ستلجاؤون لأقرب مبنى يحمي كرامتكم وحياتكم كأسرة ..عندما تكون ظروفكم المادية لا تسمح باستئجار مكان اخر ..؟!
صمت بحسرة ..هي معظلة وألم حقيقي حقا ومأساة لن تنتهي إلا بتكاتف مجتمعي حول قضايا كهذه ..والدفع بالسلطة للتحرك في هذا الجانب . لازلت اؤمن أن يكن للمجتمع قوة الدفع في الحياة وأن أي سلطة تأتي وتذهب – في حالة بلادنا لاتذهب بسهولة- لكنها تلك السلطة عليها أن تكن موجودة من أجل العامة لا لشيء اخر ..حين يقف المجتمع متفرجا ولا مباليا بكل مايحدث , مالعمل !! اذن وكيف يستحق الحياة الكريمة من لا ينهض بشجاعة ويدافع عنها ,,يطالب بها أو على الأقل يُحسن شروطها المتاحة حاليا ؟!.

فهمتُ من تلك الأسرة انه تم استغلالهم كغيرهم الكثير من قبل من يتلاعبون بأوجاع الناس وماسيهم فهناك من أخذ منهم وثائق وملفات لإعادة الاعمار أو لتوزيع الاغاثة وهناك من يتسول بقصص هؤلاء عند التجار والمغتربين وللأسف شخصيات من أبناء الحوطة , فتح ملف كهذا لن يشكل صدمة لأحد لأننا جميعا اعتدنا هنا في لحج أن نُداهن ونكذب ونتملق لشخصيات كهذه ونحن نعرف مدى السوء الذي تمارسه وتختفيه تحت رداء نصرة الانسانية والدفاع عن حقوق الناس وكسب الشهرة .

هناك وقفتُ على أطلال ..ليست أطلال مكتبة قمندانية عريقة ..بل على اطلال لحج الحبيبة , هل على الكاتب أن يكون مفرط اليأس أم الواقعية ..أم يتأرجح بين هذه وتلك , يبيع للعامة البسطاء الوهم والأمل الكاذب أم يصدمهم بيأس وإحباط ليسو هم عنه ببعيدين . الأمر ليس صعبا ولا غامضا بالنسبة لي لطالما امنت ايمان راسخ لن يتزحزح قيد أنملة أن القلم عليه أن يكون مزعجا للظلام الى أن ينقشع ويغمر النور الجميع . وان لم تكتب الاقلام بفكر واعي ومصداقية شديدة من أجل لحج في الوقت الحالي فلها أن تصمت للأبد ..

تعلمتُ ألا اداهن أحد ولا أخاف مطلقا سوى من شيء واحد فقط هو أن أعيش حياة لا أنتصر فيها لمبادئي وأخلاقي وسأصدقكم القول كثيرا هنا حين سأقول لكم بكل صراحة أن لحج الانتصار لها وبها بكل كتاباتي هو أول وأهم تلك المبادىء , ومن يعرفني عن قرب يدرك أني لست بحاجة لكتابة كلمات كهذه سوى أنها أتت من دواعي انفجار الألم بداخلي جراء زيارتي للمكتبة ..وللأسف لازلت عاجزة عن التعامل مع الألم بنضج ووعي فحين يتعلق الأمر بقضايا وهموم مجتمعي يبقى الألم عالقا في طيات الروح ينهشها بهدوء كل لحظة ولا استطيع التخلص منه بسهولة .

عن الكتب هناك جزء منها يبدو لي مفقودا والباقي الموجود مهمل ومتروك للريح والأتربة لم تبخل المرأة في الحديث معي عن كل الشخصيات والجهات التي زارتهم مابعد الحرب وشددت عليهم بالبقاء في الوقت الحالي والحرص على المحافظة على الكتب . الاسرة تعيش اوضاع سيئة داخل المبنى وليس من المنصف لهم وللإرث الثقافي هذا ان يبقى بالجوار يتشارك المبنى مع قصص المعاناة تلك ..فكيف ترمي السلطة في لحج وجهات الاختصاص الادبية والثقافية المسؤولية الكبيرة هذه على عاتق أسر فقيرة منكوبة تصارع ظروف الحياة الصعبة كل يوم .

لكنها اضافت ايضا ان هناك من حاول اخذ مقتنيات المكتبة دون ان تكون له صلة بالأمر وهي امانة لا مانع لديهم بتسليمها للجهات الحكومية المختصة او الخروج من المكان في حالة تعويضهم عما فات وتوفير مكان مناسب لهم للعيش .
وجه نظر تبدو لي الان صائبة في حين ان الكثير ممن بسطوا على المرافق والمباني الحكومية وحتى القصور الاثرية دون وجه حق ودون ان تكون منازلهم تدمرت بالحرب لكنه هو الاستغلال بعينه لحالة الانفلات الامني المرعبة التي عصفت بعاصمة المحافظة مدينة الحوطة ماقبل الحرب ومابعدها .
ماذا تريدون أن أكتب هذا المساء …قلبي ينزف بصمت ..وقلمي غاضب وساخط من الجميع هنا في لحج ..من السلطة ..من اتحاد الادباء والكتاب .. من مكتب الثقافة ..من النخبة المثقفة بالتحديد أي كانت وتحت أي مسمى ..من كل الجروبات والمنتديات في العالم الافتراضي والواتس آب .. الكل ينتقد الوضع ..دون أي تحرك مسئول للتغيير ..عار على تلك النخبة أن تكن مثقفة وصامتة ومتخاذلة عن نصرة هذا الارث الانساني القيم تحت مسمى ( القمندان) الاسم الذي سيبقى للأبد مدعاة للفخر والاحترام ..!

حين تكون لحجيا وإنسانا طيبا ولك موهبة الكتابة ..فتيقن أنك الان في عداد الموتى الأحياء ..نجاحاتك الشخصية لا تعني شيئا مادمت محاط بفشل المحيط , قلمك سيكتظ الان بحبر أسود لن يجرؤ أحد أن يطلب منك أن تكتب بألوان قوس قزح , ولربما لا يهتم أحد بما تكتبه من البداية ..فاكتب بصمت او بضجيج .. لايهم !

….بالنسبة لي في خضم الاحباط واليأس جراء هذه الزيارة سأكتب كثيرا عما وجدته هناك ولن أفقد الأمل فالكتابة في حد ذاتها ( فعل حياة) والتوقف عنها بالنسبة لي تحديدا هو الموت بعينه وفي أبشع صوره ..
تخيلوا وفوق كل ذلك تأتيك جهات وتهدد بتفجير المكان بأكثر من عبوة ناسفة كونه مكان للكفر والفسق والفجور ( ثلاث كلمات كافية لتصيبني بالقشعريرة لساعات بل لأيام ) ..لولا أن قام أحد القاطنين بالمبنى بإخراج كتب اسلامية للتأكيد أن المكتبة تحتوي قسم يضم أيضا أهم الكتب والمراجع الاسلامية …للأسف وسأؤكد لكم أنه من هدد بالتفجير لعله لم يقرأ كتاب واحد في حياته والصدمة أنه حتى لا يجيد الكتابة ..!
مقهورة جدا من بعد تلك الزيارة لا أشعر بشيء حولي ..وقضيت ليلة كاملة لا أرغب بالحديث مع أحد فقط شعرت لساعات أني بحاجة لكتابة شيء مفخخ سينفجر في وجهي قبل الجميع ..ولعله كان كذلك !

أخبار ذات صله