fbpx
اتجاهات تسييس منظومة الكهرباء في مناطق النزاع بالشرق الأوسط
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعة خاصة:

انتشرت في الآونة الأخيرة بإقليم الشرق الأوسط، لا سيما بمناطق النزاع المسلح، اتجاهات متفاوتة التأثير لتوظيف خدمات الكهرباء على الصعيدين السياسي والأمني. وتباينت التكتيكات التي استخدمتها الفواعل المختلفة في التوظيف الضاغط لخدمات الكهرباء، حيث تحركت الدول في هذا الصدد في مسارين رئيسيين: هما قطع الإمدادات عن بعض الأطراف بهدف ممارسة ضغوط سياسية أو اختبار نفوذها الإقليمي، وتأمين الطاقة الكهربائية للدول الصديقة المجاورة.

أما الفواعل المسلحة، مثل التنظيمات الإرهابية، فقد تبنت نموذجين أساسيين هما تأمين الكهرباء للسكان المحليين لغرض مالي بحت وليس إنسانيًّا بطبيعة الحال، واستهداف البنى التحتية للكهرباء بشكل متكرر في إطار معاركها المسلحة ضد القوات الحكومية.

وفي العموم، فقد أدت الظروفُ الأمنية المضطربة إلى نقص الخدمات العامة، لا سيما الكهرباء، وهو ما كان سببًا في اندلاع عددٍ من الاحتجاجات الواسعة بالمنطقة، لا سيما في العراق وليبيا. لكن رغم أن التكتيكات المستخدمة من قبل مختلف الفواعل قد تنجح في تحقيق بعض المكاسب المحدودة، إلا أنها في المقابل قد تفرض تداعيات سلبية عديدة، خاصة أن السكان المحليين هم الخاسر الأكبر الذين يُعانون باستمرار من نقص تأمين الطاقة اللازمة لمعيشتهم.

اتجاهات التسييس:

اتجه عدد من الفواعل بالإقليم إلى توظيف خدمات الكهرباء على الصعيدين السياسي والأمني لممارسة النفوذ والضغط المطلوب على خصومهم. فقد سعت الدول إلى استخدام هذه الآلية لتحقيق أهداف عديدة تتمثل في:

1- ممارسة النفوذ: تكشف مؤخرًا عقود توريد الكهرباء بين دول الجوار عن نجاح الدول المصدرة للكهرباء في اختبار نفوذها الاقتصادي والسياسي بأسواق الدول المستقبلة. فتحت بند مستحقاتها لدى الحكومة العراقية، أوقفت إيرانُ إمداداتها من الكهرباء البالغة 800 ميجاوات للعراق في نهاية شهر يوليو 2016. ولم تعاود إيران ضخ الكهرباء مجددًا للعراق إلا بعد إعلان الأخيرة منح ضمانات سيادية لوزارة الطاقة الإيرانية بقيمة 600 مليون دولار. وعلاوةً على ذلك سعت إيران منذ أكثر من سنتين إلى مد نفوذها بقطاع الكهرباء العراقي من خلال سعيها لتقديم خدمات الصيانة للمحطات الكهربائية العراقية، وتزويدها بالغاز الإيراني لسد النقص المحلي من الغاز.

ويبدو أن هذه الأزمة سوف تتصاعد في الفترة القادمة، لا سيما في ظل تردي خدمات الكهرباء المقدمة للمواطنين، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات مستمرة بعدة مدن، خاصة البصرة والنجف في يوليو 2015 جراء الانقطاعات الطويلة والمتكررة للتيار الكهربائي، حيث توجد فجوة كبيرة بين الطلب على الكهرباء الذي يصل إلى 21 ألف ميجاوات، والإمدادات الفعلية التي تبلغ 15 ألف ميجاوات.

وعلى خلفية تطبيع علاقاتها السياسية مع إسرائيل في يوليو 2016، تسعى تركيا ضمن حزمة من المساعدات الإنسانية والاقتصادية ستقدمها لقطاع غزة إلى حل أزمة الكهرباء المتفاقمة بالقطاع منذ سنوات عبر خيارات متاحة عديدة أقربها للتنفيذ توفير سفينة عائمة قبالة سواحل غزة لتوليد الطاقة، على أن تتحمل تكلفتها تركيا.

2- تقويض الخصوم: على مدار السنوات الماضية اعتادت السلطات الإسرائيلية على قطع إمدادات الكهرباء عن كلٍّ من الضفة الغربية وقطاع غزة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك في إطار تصاعد حدة الصراع مع حركة “حماس” تحديدًا، حيث تسعى إلى استخدم هذه الآلية لفرض ضغوط متزايدة على الأخيرة.

3- وقف التعاون: أدى تصاعد حدة الصراع بين تركيا ونظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011 إلى قيام سوريا بوقف وارداتها من الطاقة الكهربائية من تركيا، والتي زودتها في عام 2011 بنحو 1170.6 جيجاوات ساعة من الكهرباء، أي ما يُعادل 20% من احتياجات سوريا وقتها.

4- تعاون إقليمي: اتجهت بعض دول الإقليم لتأمين الطاقة الكهربائية للدول المجاورة كمدخل هام لاستقرارها. ففي هذا السياق بدأت الشركة العامة الليبية للكهرباء منذ أوائل يناير 2016 في استيراد الطاقة الكهربائية من الشركة التونسية للكهرباء من خلال محطة أبو كماش بغرب البلاد، وكذلك من الشركة المصرية للكهرباء عبر الخط الرابط بين السلوم وطبرق، وذلك لتغطية عجز إنتاج الطاقة الكهربائية في ليبيا. كما أُبرم اتفاق مبدئي في عام 2014 يقضي بتزويد إثيوبيا لليمن بالكهرباء عبر جيبوتي عن طريق البحر الأحمر مستقبلا.

فضلا عن ذلك، بدأ الفاعلون من غير الدول في تبني تلك الآلية أيضًا وذلك لتحقيق الهدفين التاليين:

1- تهديد البنية التحتية: تبنت التنظيمات الإرهابية بالعراق وسوريا خاصة تكتيكات عسكرية تستهدف تدمير البنى التحتية للطاقة والكهرباء، كى تسبب للحكومات في خسائر اقتصادية، وتخلق ضغوطًا شعبية واسعة. وفي هذا الصدد، قصف مسلحون يُعتقد بانتمائهم لتنظيم “داعش”، في يناير 2016، محطة الكهرباء الرئيسية في بنغازي شرق ليبيا، والتي تزود أجزاء كبيرة من شرق ليبيا بالكهرباء بقدرات تبلغ 910 ميجاوات. وفي غضون أبريل 2016، تبنى تنظيم “داعش” أيضًا هجومًا على محطة كهرباء تشرين الحرارية الواقعة شرق دمشق. كما تسببت هجمات الحوثيين المتكررة، لا سيما في عام 2015، في خروج محطة مأرب الغازية عن الخدمة، بما أدى إلى انقطاعات متكررة للكهرباء بالمحافظة.

2- مصدر تمويل: اعتمدت بعض التنظيمات الإرهابية، مثل “داعش”، على رسوم الخدمات كالكهرباء والمياه وغيرها باعتبارها أحد مصادر دخولها. وفي هذا الإطار، وكما تشير التقديرات، فرض “داعش” رسومًا على خدمات الكهرباء للأسر بـ2.5 دولار شهريًّا. وبلغ مجموع ما تلقاه التنظيم من حصيلة رسوم الكهرباء والمياه معًا حوالي 60 مليون دولار في عام 2015 حسب بعض التقديرات. فيما تشير اتجاهات عديدة إلى أن التنظيم يتلقى أموالا من قبل النظام السوري نظير التزويد بالكهرباء والوقود.

وفي النهاية، يُمكن القول إن ضغوط اتجاهات تسييس خدمات الكهرباء سوف تؤدي دون شك إلى مزيدٍ من تدهور القطاع، خاصة أن خسائره الإجمالية تتزايد تدريجيًّا، حيث بلغت في العراق وسوريا، على سبيل المثال، حتى الآن نحو 3 مليارات دولار و3.75 مليارات دولار على التوالي، وهو ما سوف يساهم في تعميق حدة الأزمة الإنسانية والمعيشية في دول النزاع.

 

وحدة الدراسات الاقتصادية

المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية – القاهرة

 

أخبار ذات صله