fbpx
غفوة أحيت وطني!

فهد البرشاء
غفوتُ على أصوات المدافع ولعلعة الرصاص، ومشاهد الدمار والدماء والأشلاء،وصراخ الأطفال ونوح الثكلى وأنين الأرامل،غفوت بعد أن فاضت دموعي أنهاراً وجعلت من وجنتيّ أخاديد،ولم أدر أن غفوتي (ستحيي) وطني وستحقق حلمي وأمنيتي..

أخذت بي الأحلام سابحة في عالم ليس كعالمنا،ووطنٍ شتان بينه وبينه وطني،حتى أني ما عدت أدري أوطني هو؟ أم غيره! فلا صحراء غفرٌ، ولا أرض بور، مبانيه سامقة، طُرقه معبدة، شوارعه مسفلتةٌ،أشجارة مُخضرة، قطوفه دانية، هوائه لم عليل نقي لم تخالطة رائحة الدم أو أنفاس الموت..

ما أن تمر بأزقت مدنه وشوارعه حتى تستقبلك بشاشة رجالات الأمن وعسسه،وسماحة وجوههم ودماثة أخلاقهم ونُبل طباعهم،ووقار لِحاهم، كلهم ينشدون رضاك وخدمتك،وكلهم يتهافتون لمساعدتك، فلا تشعر بضيق الزحام، ولا برذالة البعض، ولا بدونية المرتزقة،يمدون أيديهم ليقبلونك ويرحبون بك وليس ليبتزوك أو يهددوك،بنادقهم (مُنكسة) لايعرفونها إلا في وجه الأعادي واللصوص ليحموك بها ويذودون عنك، كلماتهم أرق من النسيم وأعذب، ليسوا بحِداد الألسن أو بذيئي الأخلاق..

أما عن الطب وملائكتهُ فهم للرحمة والرأفة أقرب، فلا تسمع لهم إلا همسا، يطوفون حولك بوجوه باسمة راضية ضاحكة، وأكف حانية ناعمة رحيمه، يذرفون الدمع أن أصابك الما أو نصبٌ، جل همهم هو أن تتعافى ويبرأ جسدك، لا يبحثون عن مال أو عن تجارة أو عن أرباح، أينما ثقفوك طببوا جراحك، ليسوا كالآخرين يأبو ذلك إلا في عياداتهم وبمبالغ خيالية باهضة تقصم ظهرك وتزيدك عناءك ومرضك..

حتى صُناع القرار جل همهم هو أن يرتقي الوطن ويزدهر وينمو ويسمو، لاتهمهم المناصب ولاتعنيهم الكراسي، ولم تلههم الريالات الهزيلة البائسة، لايتسابقون على الفيد ولايسعون لتناصف كعكة الفساد والسلب والنهب، يقودون سفينة الوطن نحو بر الأمان، ويتقدمون الصفوف بصدورهم العارية، ويتقاسمون الهم والوجع والألم مع كل الشعب..

يلتفحون سماءنا الحارقة،ويفترشون أرضنا الجدب البور، لايعرفون ترف الحياة ونعيمها، ولاينامون في الفنادق المكيفة، ولايأكلون من الموائد الدسمة، لايتقتلون بأسم الوطنية الكاذبة، ولايقذفون بعضهم بصفة الخيانة والعمالة،كلهم في خندق الدفاع سوء،وكلهم يحملون مشعل الثورة والتحرر والإنعتاق، ويرفعون رأيات السلام والأمن والأمان..

يعتبرون مناصبهم مغارم وليست مغانم، وتكليف وليس تشريفا،لايتمسكون بها حد العبادة وحد الجنون، يؤمنون أن الشباب هم صُناع الغد المشرق، وبُناة المستقبل، وحُماة الحاضر ودروع الوطن الحصينة وقلاعها المتينة..

لاينامون حتى تنام الرعية، ولايستكينون حتى تحوم أرواحهم في أزقة وشوارع وطنهم وبعد أن تطمئن قلوبهم أن الكل ينعم بالأمن والأمان والسعادة، دوما يسعون لأن يجد المواطن ظالته وغايته ومبتغاه وتتوفر له سُبل الحياة ومتطلباتها وضرورياتها ولوازمها..

لله درهم في عهدهم لم يذرف الموطن دمعة الم، ولم يجتر نهدة وجع،بل لم تهدر قطرة دم واحدة، ولم تزهق روح واحدة، ولم تتناشر أشلاء، أو تُدك منازل، أو تُرفع مظالم، فالشعب في رغيد ونعيم وسعادة وراحة وترف..

الأصنام أدركت أنها أصنام وأنه ولى زمن عبادة اللآت وعزة ومناة  فتركوا الرجال تعمل بصمتٍ، وأفسحوا المجال لمن هم أجدر وأقدر وأحق بالزعامة والسيادة والريادة، كلهم باتوا على قلب رجل واحدة، وكلمة سوء، لم تعد تفرقهم المشاكل والأحقاد والضغائن والثارات..

غفوة.. وأي غفوة نسجت خيوط وطني، وخطت أبحدياته، ورسمت صورته، وغيرت معالم التاريخ فغدا أجمل وطن..

(همسة)..
ذلك حلمي الذي راودني..فإن كانت على الأحلام ضريبة فلترحل الأحلام ولتوأد في مهدها..