fbpx
دروس من انقلاب تركيا!!

 

يعتبر الإنقلاب التركي من الأحداث المفصلية في تاريخ الأمة سواء الإسلامية أو العربية، أو حتى على مستوى كل قطر عربي منفردا !
حدث جلل غير اعتيادي اهتزت له أركان المعمورة، الإعلام العربي أنقسم على بعضه بين مؤيد وبين معارض، الأحزاب والنخب العربية هي الأخرى وجدت نفسها مقسمة وكل حزب ينطلق من خلفياته العقدية والأيديولوجية في تحديد موقفه، وإن كان يتعارض مع أدبياته السياسية والأخلاقية وشعاراته التي ينادي بها، الشعوب العربية وجدت نفسها منقسمة منذ اللحظات الأولى من إعلان الإنقلاب، وكان لشبكات التواصل الإجتماعي النصيب الأكبر والميدان الأبرز لتحديد موقف كل شخص من العملية الإنقلابية.

وكان للشعب الجنوبي مواقف متفاوتة ومتباينة، منهم من ناصر وأيد ومنهم من رفض من حيث المبدأ وانحيازا للديمقراطية وحرية الشعوب في تقرير مصيرها واختيار حكامها، وهي حالة مشابهة لما تمر به القضية الجنوبية، والتي كانت ضحية العسكر والجيوش والحكم الديكتاتوري المستبد، فلا يعقل أن ندعي استعادة حقوقنا وقمنا بثورة شعبية كبيرة وفي المقابل نقف مناصرين ومؤيدين لجماعة العسكر في اي بلد آخر كما فعل البعض منا!.

المتتبع لخارطة التأييد والترحيب في المنطقة ، يبدأ من الكيان الإسرائيلي الذي رحب وبقوة، وكانت القنوات الإعلامية التابعة له أول من نشر الخبر وسط ابتهاج كبير عم الشارع الاسرائيلي، وكذلك رأينا النظام السوري وإعلامه ومناصريه وهم يحتفلون في شوارع العاصمة دمشق، ويرفعون الاعلام ويحييون الجيش التركي المنقلب، والحال لا يختلف مع إيران والجماعات الشيعية وحزب الله والحوثة ونظام عفاش فكانوا من الأوائل الذين رحبوا بالإنقلاب وعبروا صراحة عن ارتياحهم عبر وسائل إعلامهم، ورأينا أيضا رجال إعلام السيسي وهم يتبادلون التهاني وفتحت برامج خاصة لتغطية الحدث حتى قال قائلهم إنه يوم مشهود وعظيم في تاريخ الأمة العربية!.

عندما نطرح سؤال ببراءة الأطفال ما هو سر إلتقاء كل هؤلاء ومناصرتهم للعملية الفاشلة، وهم ملل متعددة ونحل مختلفة وأحزاب متقاطعة؟! السبب بكل سهولة ويسهر هو العداء السافر للتجربة الديمقراطية الفريدة من نوعها، والتي تؤرق مضاجع الطغاة والمستبدين والخوف من انتقال التجربة التركية الى بلدانهم، وكذلك للبعد الأيديولوجي والخلفية الإسلامية لاردوغان وحزبه، وإن كان لا يدلي بها صراحة، ولكن العمل على الواقع يؤكد تدين الرجل وانتماءه لأمته ومجدها وتاريخها الأصيل.

ولكن الغرابة في الأمر، إن جميع الأحزاب التركية بمختلف انتماءاتهم وأطيافهم رفضوا الإنقلاب العسكري في ساعاته الأولى! واعلنوا تأييدهم الكامل للديمقراطية والحرية والوقوف ضد الإنقلابيين مهما كلفهم ذلك من ثمن، وهم على خلاف واسع وعميق مع حزب العدالة والتنمية الحاكم!، بينما لاحظنا في عالمنا العربي اغلب الأحزاب اليسارية والليبرالية وقفوا مناصرين ومشجعين للعسكر إلى آخر فصوله وكانوا ملكيين أكثر من الملك، وقوميين أكثر من قومية حزب الشعب الأتاتوركي وحزب الحركة القومية، وعلمانيين أكبر من علمانية حزب الشعب الجمهوري، وحتى اصيب بعضهم بحالة نفسية سيئة بعد إن أيقنوا فشل العملية.
ولكن وعلى الرغم من ذلك كانت هناك نخب وأحزاب وطنية مخلصة وصادقة في تعاطيها وقراءتها للأحداث في المنطقة والخوف من سقوط تركيا أقوى البلدان المسلمة السنية في حضن الصهيونية مجددا ودخول فرق الموت الشيعية اليها وبث الرعب والإرهاب بداخلها، وتحويلها الى حالة مشابهة للعراق وسوريا، ويكون المستفيد من سقوط اردوغان مشروع إيران وحلفاؤه في المنطقة ومنها خصمنا اللدود الحوثي وعفاش.

وأخيرا ننبه بعض إخواننا من أبناء الجنوب وخاصة من الذين يدعون الثورية أن يربعوا بأنفسهم عن القضية الجنوبية وعدم إقحامها في كل الأحداث التي تحصل في المنطقة، وإن استرداد الوطن لا يكون على حساب العداء والخصومة مع الشعوب الأخرى، فبعض النخب الجنوبية أوقعتنا كثيرا في شراكها وما زال البعض يهرول وراءها بدون وعي أو مخاوف من مآلات الأمور.
الجنوب يجب ان ينحى جانبا ويكون على مسافة واحدة من الجميع ولا نتدخل في شؤون الدول الأخرى ونسجل على أنفسنا نقاط سوداء قد لا تخدمنا مستقبلا، ونكون أمام وضع جنوبي مفرغ من كل التضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجنوبي طيلة عقد من الزمن.

 

محمد بن زايد الكلدي