fbpx
جديد المشهد اليمني

منذ أن باشرت الأمانة العامة للأمم المتحدة وساطتها الحميدة على خط الأزمة اليمنية كان واضحاً أن تلك الوساطة تتناسب تماماً مع الوظيفة الجوهرية للأمين العام للأمم المتحدة، واستتباعاً لذلك وظيفة جهاز الأمانة العامة التابع لإدارته، بمن فيهم ممثلو الأمين العام الموفدون للتوسط في تقريب وجهات النظر بين “الأطراف المتنازعة”، وقد تعمدت وضع عبارة الأطراف المتنازعة بين مزدوجين لتوضيح الدلالة المفاهيمية لتعابير الأمانة العامة وموفديها الدوليين، ومن هنا كان واضحاً أن الموفد الأول في الشأن اليمني جمال بن عمر لا يختلف في سعيه الحميد عن التالي له إسماعيل ولد الشيخ، فهما يتوليان وظيفة أممية ويترجمان رؤية الأمانة العامة ومنهجها في التعامل مع الملفات الساخنة.

ولمزيد من تحديد معنى ذلك المنهج لابد من الإشارة إلى أن جهاز الأمين العام ليس المعني ولا المخول بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وخاصة تلك المتعلقة بالبند السابع الذي يمنح الأعضاء الدائمين في المجلس الحق في استخدام القوة القاهرة لتنفيذ مثل تلك القرارات، وهو ما ينطبق ضمناً على الإشكال اليمني، استناداً إلى القرار الأممي المجير على البند السابع برقم 2216، لكن قرارات البند السابع تبقى معلقة في ظل غياب الإرادة والرغبة، بل والمصلحة الجيوسياسية الآنية لأحد أو بعض الأعضاء الدائمين في المجلس. وقد درجت العادة على أن تنفرد الولايات المتحدة بتفعيل قرارات البند السابع، طالما جاءت تلك القرارات وفق الرؤية الأمريكية المرفوعة على حراب الأولويات المطلقة في القراءة الأمريكية للمشهد المحتدم هنا وهناك، ومن هنا نستطيع استيعاب المسافة الإجرائية الفاصلة بين موجبات العمل الحقيقي لجهاز الأمانة العامة، بمقابل الفعل المتاح للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، والمخولين حصراً بتفعيل قراراتهم إن شاءوا ذلك.

خلال المرحلة التي تلت التوقيع على المبادرة الخليجية والتوافق على مقتضياتها التفصيلية سعت الأمانة العامة عبر موفدها جمال بن عمر لتحقيق نجاح على خط التسوية، ولم تفلح في ذلك، وبعد “عاصفة الحزم” تابعت الأمانة العامة عبر موفدها الجديد ولد الشيخ محاولة تحقيق نجاح استحالي ولم تصل إلى شيء، وعلى الذين يتوهمون أن بوسع جهود الموفدين الأميين تحقيق اختراق جدار الأزمة التخلي عن هذا الوهم، فقد ثبت وعلى مدى عقود من الأزمات الدولية الفادحة أن الجهود الأممية خارج البند السابع لا يمكنها حلحلة المشاكل المستعصية، ولا يمكن لعرابي توزيع حسن النوايا إرغام أمراء الحرب على الانصياع للإرادة الدولية المسطورة بمداد الأماني والآمال.

هذا ما حدث في الكويت مؤخراً، وما سبق قبل ذلك في صنعاء، والشاهد أن فرقاء الثنائية الإجرائية المخاتلة ينكشفون الآن أمام الحلفاء العرب والعالم برمته، فلا التحالف الحوثصالحي الانقلابي المتخلف قادر على الارتقاء لمعنى وجوهر العملية السياسية العاقلة والحكيمة، ولا الشرعية القابعة في متاهات الإدارة بالأماني قادرة على إيقاف التخلي الحر عن جوهر قوتها ورصيدها الأخلاقي والمعنوي، وهكذا ينفسح المشهد التراجيدي على متوالية أكثر سقماً وبؤساً على كافة المستويات.

 

الخليج