fbpx
عدن تدفع الثمن

د عيدروس نصر ناصر
ليس هذا العنوان اقتباسا لكتاب الباحث والروائي المتميز الكاتب محمد عباس الضالعي، لكنه إقرار بأمر واقع يتجلى كل يوم على أرض الواقع، يؤكده ما تتعرض له عدن من حرب متواصلة تعددت وسائلها واختلفت أدواتها لكن هدفها الوحيد هو إفراغ عدن من مدنيتها ومن روحها العصرية ومن ثقافتها ومن هويتها المتميزة، بل ومن سكانها إن أمكن.
في نهاية العام 1990م كنت في مكتب الفقيد الكاتب عبد الواسع قاسم، رئيس تحرير مجلة “قضايا العصر”، التي كانت تصدر عن اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، ويومها قال لي أن عدن تتجه نحو التصحير الفكري والتجفيف والثقافي والمدني، بسبب سحب مؤسساتها ومفكريها ومثقفيها ونخبها السياسية إلى صنعاء وتحويلها إلى عاصمة محافظة لا تختلف عن عاصمة محافظة المحويت أو ريمة أو المهرة.
لكن الحرب على عدن التي بدأت في العام 1990م ما وتزال متواصلة وقد اكتسبت في السنوات الأخيرة أشكالا أكثر فجاجة ووسائل أكثر بشاعة ووحشية وبهائمية.
الحرب بعد 1994م اتخذت وجوها أكثر قبحا فجرى تدمير المنظومة الإدارية والقانونية والقضائية والتقاليد المدنية المتوارثة منذ مئات السنين واستبدل كل هذا بالهمجية والعنجهية والتفاخر الأرعن بالمظاهر المسلحة، وصرنا نرى المتطاولين يتمشون بالأسلحة النارية في قلب المدينة، ونسمع عن الاعتداء المسلح على هذه المنشأة أو هذا الموظف، واغتصاب هذه الأرضية أو ذلك المبنى دون أن تحرك الحكومات المتعاقبة ساكنا، وصار رجال الأمن والقضاء (إلا من رحم ربي) مجرد أدوات بيد الغزاة، كان هذا عندما كان في البلاد حكومة تزعم أنهاا تدير شؤون الوطن، ولسنا بحاجة إلى تناول ما تعرض له قطاع الخدمات التربوية والتعليمية والطبية من تدمير متعمد، وكل ذلك توج بالحرب الإجرامية الثانية في العام 2015م والتي ألحقت من الدمار بعدن ما لم تعرفه طوال كل تاريخها، هذه الحرب التي لم يقم بها الحوثيون وحدهم بل انظم إليهم رجال الجيش والأمن والعسس والجواسيس المتنكرين الذين مكثوا 25 عاما في عدن يرتعون من خيراتها ويقطنون مساكنها ويعيشون بين أهلها لكنهم غدروا بها عندما أمرهم سادتهم بذلك.
ما تشهده اليوم عدن من تخريب للخدمات، وتعطيل الكهرباء وقطع المياه وإيقاف المطار وتعطيل نشاط الميناء وإيقاف نشاط المصفاة، مضافا إلى التفجيرات الإرهابية وأعمال الاغتيال وقصف المنشآت ونهب الأسلحة والاعتداء على رجال المقاومة وقيادات الأمن والقضاء ، كل هذا ليس سوى استمرار للحرب على عدن يشترك فيه رجالات المخلوع، وأنصار الحوثي ومؤيدو الشرعية من الأنصار المزيفين بما في ذلك وزراء ونواب وزراء ومديري مؤسسات في عدن نفسها ويصاحبهم في ذلك جوقة واسعة من الكتبة والإعلاميين والمفذلكين ومرتزقة الكلمة وضاربي دفوف الطغيان بما فيهم بعض ممن يدعون مناصرة الشرعية لكن مناصرتهم للشرعية ليست سوى استثمار للتأييد الدولي للشرعية لتمرير مصالحهم وتحقيق مآربهم السياسية والعسكرية وقبل هذا وبعده الاستثمارية والتجارية.
لا أستطيع أن أفهم لماذا ما يزال مطار عدن مغلقا رغم مرور عام على تحرير عدن، ولا لماذا تقطع الكهرباء على عدن رغم وجود الحكومة بما فيها وزير الكهرباء في عدن، ولا لماذا توقف نشاط المصفاة رغم إن إنتاج محافظات الجنوب يستدعي أكثر من مصفاة للتكرير وتوزيع النفط، ولا لماذا يتعطل نشاط ميناء عدن مع استمرار مينأي الحديدة والمخا رغم إعلان الحرب على الجماعة الانقلابية التي تسيطر عليهما، إلا إذا كان في صفوف الحكومة الشرعية من يكافئ المناطق المحررة بهذه الطريقة ويريد أن يقول لبقية المناطق إنكم عندما تتحررون من الانقلاب ستكونون مثل عدن؟
من الواضح أن ما تعانيه عدن من اختلالات أمنية وجرائم القتل وانتشار الأسلحة ثم تدمير الخدمات وتعطيل مال تبقى منها وتعطيل الحياة الاقتصادية، ليس سوى بفعل فاعل وهو كما تؤكد العديد من المصادر يأتي بتوجيهات مراكز عليا في سلطة الشرعية حتى لا تستعيد عدن موقعها وسمعتها واسمها ومدنيتها ولإجبار الناس على التخلي عن مناصرة السلطة المحلية الجديدة في عدن خصوصا وأن قادتها يعلنون جهارا تأييدهم للثورة الجنوبية ورفضهم الولاء لمراكز القوى التي اجتاحت الجنوب مرتين في العام 1994م وفي العام 2015م.
يا هؤلاء تصارعوا كما تشاؤون واختلفوا واقتتلوا إن شئتم لكن لا تعاقبوا المواطنين الأبرياء ولا تمعنوا في تعذيبهم وتجريعهم مرارات اختلافاتكم اليوم مثلما جرعتموهم حنظل اتفاقاتكم طوال ربع قرن من الزمان.
برقية:
لو كنت في موقع رئيس الوزراء الدكتور بن دغر لتقدمت باستقالتي إلى رئيس الجمهورية ونائبه الذين كلفوني بهذه المهمة واستولوا على كل مقومات القيام بها، لكن من يعلم فقد يكون مجيء بن دغر إلى عدن هو جزء من الإمعان في تعذيب أبناء عدن ومعاقبتهم لانتصارهم على الغزاة الانقلابيين.