fbpx
الجذر الرئيسي للمشكلة

د. عيدروس نصر ناصر
هناك مشكلة هي الجذر الرئيسي للصراع في اليمن منذ العام 2012م لا يرغب الطرفان المتصارعان في الاعتراف بها لكنها تعبر عن نفسها بوضوح وجلاء لا يقبلان الالتباس، رغم كل التجاهل والتعتيم الذي تتعرض له، تلك هي مشلكة منصب رئيس الجمهورية.
المشكلة مركبة، وهذا الجذر لا يلغي الكثير من المعطيات والحيثيات المتصلة بصراع النخب السياسية عبر تاريخ الجمهورية العربية اليمنية ثم الجمهورية اليمنية، ومنها ما تعرض له الدكتور يس سعيد نعمان في إحدى آخر تناولاته عندما تحدث عن تفرد قلة من السياسيين في مصادرة حق الشعب في اختياراته السياسية وتحديد معالم مستقبله، لكن مشكلة التفرد هي الطابع الطاغي على كل الأنظمة العربية ومعظم أنظمة الحكم في البلدان النامية، أما مشكلة اليمن الجديدة فهي تكمن في أن اليمنيين تورطوا برئيس لم يكن يراد له أن يغدو رئيسا فعليا بل أراده الكثير، من مراكز القوى في صنعاء، أن يكون مجرد موظف لديها ، وإن بدرجة رئيس جمهورية، والمشكلة العصية على الحل هي أن الرئيس شرعي وانتخب في استفتاء شعبي خاضه الشماليون وحدهم عندما قاطع الجنوبيون الاستفتاء لأسباب تتعلق بالقضية الجنوبية وما تواجهه من تجاهل وتعتيم وإهمال وتشويه.
الرئيس عبد ربه منصور هادي لم يأت من البيوتات السياسية التقليدية في صنعاء ومحيطها، بل لم يأت من الوسط السياسي الشمالي بمراكزه المعروفة، كصنعاء أو تعز أو ذمار أو عمران أو صعدة أو حتى الحديدة أو إب ولا حتى من برط أو حراز، بل جاء من الجنوب ومن محافظة أبين، محافظة الرؤساء الجنوبيين الذين لم يكن أحد منهم محل رضا النخب السياسية والعسكرية والقبلية والدينية والمالية الشمالية المتنفذة، ولهذا ظنه الكثيرون مجرد موظف مؤقت يمرر لهم ما يملونه عليه ولا يحق له إبداء الرأي في أي قضية تقع في صلب صلاحياته، وقد عانى الرئيس هادي من هذا التعامل طوال سنوات ما قبل الانقلاب فكان لا يعين موظفا من تيار صالح إلا ويعين مقابله موظفا أو أكثر من الطرف الآخر، ويتذكر الجميع كيف جرت عملية هيكلة القوات المسلحة والأمن التي لم تكن سوى عملية إعادة توزيع المناصب والرتب العسكرية والأمنية بين أنصار الطرفين، بل لم يستطع الرئيس بناء جهاز حماية رئاسية موالي له وقد قال لي أثناء مقابلته في رمضان الماضي في الرياض أنه حتى حراسته كانوا يأتمرون بأوامر غيره وأن كثيرين منهم أول من غدر به إلا القلة القليلة من أقاربه وأنصاره ممن دافعوا عنه ونجحوا في تهريبه في مارس 2015م.
المشكلة أن الرئيس ليس شماليا ولذلك لا أمل في الوصول إلى توافق بين الطرفين المتصارعين على الساحة الشمالية إلا بالمجيء برئيس شمالي يرضى عنه الطرفان وهو أمر ممكن ومتيسر الحصول، بيد إن هذا لا يمكن أن يتم إلا على حساب شرعية الرئيس هادي الذي لم يسمح له بإنها فترته الانتقالية وتسليم السلطة لرئيس منتخب ولو شكليا.
كل المتصارعين يتجنبون الحديث عن هذه القضية، وحتى قوات التحالف والدول الداعمة للشرعية تتجنب تناول هذه القضية التي هي جذر الصراع منذ العام 2012م، وقد لاحظنا كيف كانت كل وسائل الإعلام المناصرة لطرفي الصراع تختلف في كل شيء إلا في موضوع الرئيس هادي والقضية الجنوبية، فقد كان كل غضبهم وتعليقاتهم ومقالات كتابهم وعناوين وافتتاحيات صحفهم ومواقعهم الإلكترونية تعج بالشتم والاتهام للرئيس هادي وتصب عليه لعنات السياسيين والمثقفين والكتاب بالحق وبالباطل حتى يوم إعلان عاصفة الحزم التي عصفت بالكثيرين وحولت مواقفهم 180 درجة ليتحولوا إلى مؤيدين للرئيس هادي ومناصرين للعاصفة وللتحالف العربي وحربه على الانقلابيين وكل ما تلا ذلك من تحول في المواقف مما لا يحتاج إلى الشرح والتفصيل.
لست من المولعين بتقديم الوصفات الجاهزة، لكنني أرى أن مشكلة المتصارعين على السلطة مع الرئيس هادي هي امتداد للقضية الجنوبية ولن تحل إلا بحل القضية الجنوبية، وأتصور أنه في ظل كل هذا الخذلان الذي عومل به الرئيس هادي حتى من قبل العسكريين والسياسيين الذين يدعون تأييدهم له ولشرعيته وهم يتسامرون مع عفاش حتى آخر ساعات الليل ويتمنون أن لا تحسم المعركة عسكريا حتى لا تنقطع أرزاقهم، أعتقد أن على الرئيس هادي أن يتقدم بحل لطرفي الصراع وللشركاء الإقليميين والدوليين يتضمن:
1. الاتفاق على إلغاء اتفاقيتي 22 مايو 1990م و30 نوفمبر 1989م والعودة إلى وضع ما قبل 22 مايو في دولتين جارتين متعاونتين ومتشاركتين في الكثير من المصالح، والاعتراف بأن تجربة الوحدة قد فشلت ليس فقط لأسباب ذاتية تتعلق بالحرب والرغبة في الاستحواذ وأنانيات حكام الشمال وما عاناه الجنوب ما آلام بسبب الوحدة الفاشلة بسبب بل ولأسباب موضوعية يمكن تناولها بالتفصيل في وقفات لاحقة.
2. منح الشماليين حق انتخاب رئيس شمالي يتوافق عليه المتصارعون ويتحمل مسؤولية فترة انتقالية حتى إعادة ترتيب الأوضاع في الشمال وعقد مؤتمر مصالحة وطنية وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
3. استمرار الرئيس هادي رئيسا انتقاليا للجنوب حتى إعادة ترتيب أوضاع مؤسسة الحكم في الجنوب وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وقيام السلطة الوطنية الجنوبية الجديدة.
4. يتم عقد مؤتمر مصالحة وطنية جنوبية بإشراف الرئيس هادي وبقية القادة الجنوبيين لطي ملفات الصراعات الجنوبية ـ الجنوبية والتأسيس لمرحلة جديدة من التعايش تقوم على التعددية السياسيية والنظام اللامركزي واقتصاد السوق والفصل بين السلطات وكل متطلبات الحكم الديمقراطي.
5. دعم دول التحالف للدولتين الشقيقتين من حيث إعادة الإعمار وفتح باب الاستثمارات في المجالات التنموية والخدماتية الضرورية، وإعادة تأهيل مؤسستي الحكم في الدولتين، أو إقامة مشروع مارشال عربي لإعادة إعمار اليمن بدولتيه الجديدتين.
إن هذا لا يأتي من باب التمنيات وأضغاث الأحلام، فالكل يعلم أن عودة الرئيس هادي إلى صنعاء قد صارت مستحيلة فلا هو قادر على العمل مع كل من تآمر عليه وخذله وقتل أهله وحاصره ومن تخلى عنه وتشفى به وهاجمه ثم عاد ليؤازره لغاية في نفس يعقوب ولا كل هؤلاء قابلون بعودة الرئيس للمارسة صلاحياته الدستورية بينما يعلم الجميع أن ثقافة الإخوة في الشمال تسمح لهم بالمناورة في التنازع ثم التصالح وعقد الصفقات وتقديم التنازلات لبعضهم وسيكون من السهل عليهم حفاظا على ما تبقى من البنية التحتية وحفاظا على أرواح المواطنين أن يقوموا بصفقة تخصهم لن يكون الرئيس هادي أو الجنوب طرفا فيها.
وبغير هذا ستستمر الحرب إلى ما لا نهاية فلا تجار الحروب سيشبعون ولا الانقلابيون يقبلون بالتخلي عن ما يعتقدونها مكاسب سياسية ولا قوى الحداثة والمدنية يمكن أن تقبل بأن تديرها المليشيات والجماعات المسلحة سواء كانت تحت اسم اللجان الثورية أو تحت اسم الجيش العائلي الذي تنقل قادته عشسرات المرات بين تأييد الشرعية وتأييد الانقلاب ولم يستقروا على حال حتى هذه اللحظة
والله من وراء القصد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة مركز شمسان للدراسات والإعلام على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك