fbpx
سُبل السلام للجنوبي والخليجي والامام

عبدالوهاب محمد الشيوحي  

 

                  اكثر ما زعزع اركان الدولة القاسمية في سابق الزمان  , كان طموحها  المجنون في ضم مناطق الجنوب الى حكمها , وعلى عبدالملك الحوثي ان يعود قليلا الى التاريخ ليرى الى اي مدى كان هذا الطموح مكلفا ومرهقا لسابقيه ,ولم يجنوا منه غير الخسران والخذلان ,  واليوم  من المؤكد ان الحوثي لن يكون بحكمة الامام اسماعيل القاسمي  ولا من تبعه من الائمة المشهود لهم بالدهاء , ولا سيكون ابو علي الحاكم في دهاء وجرأة وإقدام احمد ابن الحسن واخوه محمد وغيرهم من القادة  المشهود لهم بالحنكة العسكرية , وليست قبائل الحوثي التي تعودت على الفيد  كقبائل هؤلاء السلف التي وصل الامر ببعضها حد انها تحملت مؤونة ابنائها الذين التحقوا بجيش الامام الجرار الذي اعدوه لمهاجمة مناطق الجنوب بدأً  بيافع وانتهاءً بحضرموت .

        هذه دروس الماضي القريب وعلى الحوثي ان يقرءاها جيداً , كانت هذه الجيوش الجرارة تتكسر على حدود الجنوب , وحتى حين كانت تتمكن من دخول بعض مناطقه سرعان ما كان يثور عليهم ابناء تلك المناطق فيخرجونهم اذلاء مهزومين , وليس هذا الامر لمرة واحدة او اثنتين بل تكرر مرات عدة وفي فترات مختلفة وفي عهد ائمة مختلفين  , كل واحد منهم لم يتعظ من سابقه حتى انتهوا جميعا الى نفس النتيجة بشكل متكرر .

         وفي الوقت  الحاضر دروساً ايضاً  تكرس هذه الحقيقة وتدعمها بما يجعلها قاعدة ثابتة من الخطاء تجاهلها , فقد  رفع المخلوع شعار الوحدة او الموت وصمم على قهر ارادة الجنوبيين وتحالف لتحقيق هذا الامر مع الانس والجن , وتنازل عن الارض وعن الكرامة وعن السيادة فقط لأجل قهر الجنوبيين والتنكيل بهم , فكان ان وزع  الموت في كل الارجاء  , فيما ظل الجنوبيين خنجراً في خاصرته وضربوا عمق دولته وهيئوها للزوال العلني في طوفان العام 2011م , اتى بعده الاصلاحيين الذين ناصبوا الجنوبيين العداء المطلق وأخرجوهم من الملة وسخروا اموالهم وأبواقهم ومنابرهم وعلاقتهم لقهر الجنوبيين والتنكيل بهم , فَقُهروا في بيوتهم وانتُهكت حرماتهم ونُكل بهم بشكل غير مسبوق وانتهوا فارين عبر العالم وبقي الجنوبيين الذي استضعفوهم على ارضهم ثابتين على قضيتهم ومشروعهم .

           بل الحوثي نفسه اذا ما راجع مسيرته ( القرآنية ) فسيجد ان نجمه كان في سطوع عندما كان يعترف بعدالة قضية الجنوبيين وحقهم على ارضهم وبالتالي كسب ود الجنوبيين وتعاطفهم معه  , واستمر سطوع نجمه مع استمرار هذا الاعتراف وهذا الالتزام   , حتى وقع في خطيئة من سبقوه  فغفل نجمه وأفل , وله ان يسأل نفسه كيف كان سيكون حاله لو انه توقف عند حدود الجنوب ولم يجتازها ؟! وكيف انقلبت عليه الارض بمن عليها وما عليها بمجرد ان وطئت اقدامهم  ارض الجنوب  .

           اذاً فالجنوب هو الباب الذي على الحوثي ان يغلقه على نفسه تماما ليريح ويستريح , وعليه ان يدرك ان موقفه السابق من قضية الجنوب الذي كان يستخدمه كتقيه للوصول الى اهدافه هو الموقف الصحيح والآمن من هذه القضية وعليه العودة اليه كحقيقة وكواقع وليس من باب المخاتلة والتدليس .

            هذه هي الحقيقة الأولى التي على الحوثي الأيمان الصادق بها وهي نقطة الانطلاق  في خارطة الطريق التي تكفل للحوثي اقامة دولته التي ينشدها , هذا فيما يخص الحوثي تجاه الجنوبيين ,  لكن الامر اليوم لم يعد يتعلق بالجنوبيين والحوثي فقط بل اصبحت دول الخليج العربي طرفا اساسيا في هذا الصراع  وعليه فأن على الحوثي ايضا ان يدرك ان دول الخليج العربي والسعودية على رأسها لن تسمح ببؤرة ايرانية في خاصرتها الجنوبية ناهيك عن ان تسمح بدولة متحكمة تناصبهم العداء وتمثل امتداد ويد قوية لألد اعدائهم في هذا العالم , وهذا بطبيعة الحال امراً عادلاً لهذه الدول وعلى الحوثي ان يدرك هذا الامر ويبني عليه . هاتان حقيقتان لابد للحوثي من الإيمان بهما ايمانا مطلقا والتعاطي معهم بشكل يكفل تحققهما ان كان يريد لدولته الهاشميه في الشمال ان تقوم ويستقر بها الحال .

 المرحلة الثانية من هذه الخطة تتعلق بموقف مزدوج للجنوبيين تجاه دول الخليج العربي وتجاه الحوثيين فلجهة الحوثي  فعلى الجنوبيين – وهم كذلك بالفعل – ان لا يتدخلوا في امر من سيحكم الشمال وان يعترفوا ايضا بأن الحوثي اصبح اليوم القوة الاساسية في الشمال وله حاضنة شعبية ودعم شعبي لا تخطئه العين , بل ان حاضنته الشعبية تجاوزت حدود طائفته لتصل الى الطائفة الشافعية السنية , وبصرف النظر عن عدالة مشروعه او امكانية تحققه فعليهم التعامل مع هذا الواقع وإقرار الحوثي على ما في يده والتعاطي ايجابيا معه وان يأمن جانبهم , ليس الجنوبيين من له الحق في تقييم مشروع الحوثي وعدالته او بطلانه , فهناك قوى اخرى في الشمال يمكنها ان تفعل ذلك ان ارادت وصدقت .

 وبالنسبة لموقف الجنوبيين من دول الخليج العربي فأن التأكيد على انه من الضرورة بمكان ان يؤسسوا مشروع دولتهم على اساس تحالف قوي مع هذه الدول يعد من نافلة القول , فأمن المنطقة واحد ومستقبلها واحد فعلى هذا الاساس من الوضوح والود تجاه الخليجين  يجب ان يمضي الجنوبيين في رسم مسار استعادة دولتهم .

 المرحلة الثالثة من خارطة الطريق تتعلق بموقف الخليجيين من الجنوبيين ومن الحوثيين  , فدول مجلس التعاون الخليجي عصب التحالف العربي واصله عليها ايضا ان تؤمن بحقيقتين – واحدة جهة الجنوب والاخرى جهة الشمال –  ان ارادت استقراراً  للمنطقة وأمنا دائما لدولها والاهم من ذلك هو بتر اليد الايرانية من المنطقة او أي يدا اخرى قد تمتد مستقبلا ,

على هذه الدول  الايمان بحقيقة ان الجنوبيين صار لديهم كل الحق في استعادة دولتهم على ارضهم بل اكثر من ذلك عليها دعم هذا المشروع بكل ما تملك من قوة فعودة دولة الجنوب هي احد العوامل الاساسية لأستقرار  المنطقة والمصلحة الخليجية من تحقق هذا الامر لا تحتاج لذكاء فهي ماثلة للعيان ,  الى جانب  ان هذا الامر حتمي  وهو سيتحقق ومن مصلحة هذه الدول ان يكون لها يدٍ في تحقيقه بدلا من تلعب دور مضاد في ذلك , سيؤدي الى علاقه متوترة في المستقبل مع هذا الدولة المهمة في المنطقة والمتحكمة  اضافة الى كون هذا الاقليم سيكون حليف قوي  للخليج العربي بطبيعة الحال اذا ما احسنوا التعاطي معه الان .

الامر الاخر الذي يلزم دول الخليج الايمان به  وخصوصا بعد تجربة حرب مريرة اثبتت للتحالف ان الطرف الاخر المناهض للحوثي في الشمال ليس صادقا ولا جادا بقدر  ما هو مسترزق يبتز دول الخليج دون ان يحقق  على ارض الواقع انتصارات تغير مسار الحرب , حتى وصل الامر بالتحالف الى تجنيد شباب جنوبيين للدفع بهم في معركة تحرير صنعاء بعد ان تحولت مقاومة الشمال وجيشها الى ثقوب سوداء تلتهم الموازنات الخليجية دون ان تحقق أي انجاز ,  بالإضافة الى الخذلان الاممي الذي تعرض له التحالف ممثل بالامم المتحدة والدول الكبرى الذين  تنكروا للقرار الاممي (   2216 )  , واصبحوا يتعاملون مع الحوثي كطرف يملك شرعية , ونتيجة لذلك فعلى دول  الخليج الاعتراف  بحق الحوثي في اقامته دولته التي ينشدها في الشمال طالما وهو سيقوم بما يلزمه لجهة عدم الخروج عن قيم المنطقة وضوابطها وان لا يمد يده لأياً  من اعداء هذه الدول , وطالما وهو قد استطاع ان يصبح القوة الاساسية شعبيا وعسكريا في الشمال , ومثلهم مثل الجنوبيين فهم لا يملكون الحق في تحديد من سيحكم الشمال طالما وهو سيلتزم بحسن الجوار وحفظ الامن لدول المنطقة .

الايمان بالحقائق سالفة الذكر  من قبل الاطراف الثلاثة الجنوبيين والحوثيين ودول مجلس التعاون هي الارضية الصلبة والمنطلق الاساس لحل مشاكل المنطقة المستعصية والمزمنة .

الانتقال الى المرحلة  العملية في هذه الخارطة يتم عن طريق  تحويل هذه الحقائق الى واقع على الارض يتمثل بدعم هذه الاطراف لهذا المشروع ,  فيفتح  الخليجيين الباب   لإعلان الجنوبيين دولتهم المستقلة في الجنوب ويدعمون نجاح هذا المشروع  , ويبارك الحوثي هذا الاعلان ويعترف به ,  بالمقابل يعترف الخليجيين والجنوبيين بدولة الحوثي في الشمال ويدعمونه في تحقيق الامن والاستقرار وتوقع الاطراف الثلاثة اتفاقيات تعاون مشترك اقتصادية وسياسية وأمنية  تكفل دعم الخليج للدول الوليدة جنوب الجزيرة دونما تحميل الخليج ما لا يطيق كإلزامهم بما هو فوق طاقتهم من الدعم او الاشتراط عليهم  بضم هذه الدولة الى مجلس التعاون الخليجي ,  بل علاقات ندية ومشرفة للجميع , ويتم بعد هذه الاتفاقيات  وكتتويج لها عقد اتفاقية  دفاع مشترك بين الاطراف الثلاثة بما يكفل تحقيق الطمأنينة التامة والدائمة  لهم تجاه متغيرات الاحداث في المنطقة , وبما يحول العلاقة من علاقة يشوبها الشك والريبة والقلق المستمر الى علاقات متينة تجعل المصير والمآل لهذه الدول مشترك بشكل يجعل من الصعب تغييره او اختراقه في المستقبل من أي طرف  .

 قد يتساءل احدهم ما مصير القوى الاخرى  في الشمال  كـ ( الشرعية ) والاصلاح ومن دار بفلكهم , لهؤلاء نقول ان هذه القوى سرعان ما ستبادر الى مبايعة الحوثي وإعلان الولاء والطاعة له  بعد ان تتوقف ينابيع الاموال التي تتدفق عليهم , هذا ان لم يكونوا قد بايعوه فعلا ً.

alshiwhi@hotmail.com