وتميل سياسة بريطانيا الخارجية تجاه الشرق الأوسط إلى بناء شراكات ثنائية للتعامل مع قضايا المنطقة كل على حدة مقارنة بالاتحاد الأوروبي الذي  يبني على عمل مع المؤسسات التي تضم العديد من الدول مثل الجامعة العربية.

لكن هل تتغير بوصلة القوة البريطانية العسكرية، وعضويتها الدائمة في مجلس الأمن والثقل الكبير اقتصاديا وسياسيا، تجاه العالم العربي، ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي؟

ويقول الباحث في معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في واشنطن، كيفن أفروك لـ”سكاي نيوز عربية” إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيبقي على علاقاتها الحتمية مع بعض الدول العربية في مجالي التجارة والدفاع، خاصة مع دول الخليج، إذ تقدر استثمارات بريطانيا في منطقة الشرق الأوسط بنحو 18 مليار دولار سنويا.

لكن الدور البريطاني في عملية السلام في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيتأثر إذ أن هذا الدور كان مرتبطا بالأساس بعضويتها في الاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر المانحين للسلطة الفلسطينية.

وبحسب أفروك فإن بريطانيا لم تعد تمتلك أوراق تأثير في هذا الصدد، فبريطانيا ستنشغل خلال السنوات المقبلة بإعادة رسم اتفاقاتها الاقتصادية والتجارية مع جميع الدول ومن بينهم إسرائيل، ما سيجعلها في موقف ضعيف خشية فشلها في الخروج من مرحلة عدم اليقين الاقتصادي التي تتمثل في إعادة ترتيب اتفاقات التجارة ثنائيا مع كل دولة على حدة.

وتصب خطوة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في خانة انعزالها أكثر عن محيطها الخارجي واهتمامها فقط بالتهديدات المباشرة التي تمثل خطرا عليها.

وروج الداعون للخروج من الاتحاد الأوروبي كثيرا في خطاباتهم لعهد جديد لا تقحم فيه بريطانيا نفسها في قضايا أوروبية لا تمثل تهديدا مباشرا عليها.

وفي هذا السياق يقول ريتشارد روبنستين، أستاذ السياسة الدولية في جامعة جورج ميسون في واشنطن إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أنها ستركز فقط على قضيتي الإرهاب واللاجئين باعتبارهما الأكثر إلحاحا في تهديدها، ومن ثم سيشهد دور بريطانيا انحسارا كبيرا في المجتمع الدولي إذ سيركز على الأمن والتجارة دون قضايا حقوق الانسان والسلام العالمي.

وعادة ما شكلت بريطانيا تحالفات عسكرية ضمن حلف الناتو آو مع فرنسا والولايات المتحدة في عملياتها العسكرية في الشرق الأوسط، إذ لم يكن الاتحاد الأوروبي مكانا مناسبا للتحالف العسكري مع اختلاف مصالح دوله إزاء ذلك. وهنا يقول روبنستين إن علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة وفرنسا وحلف الناتو ستفرض عليها البقاء حليفا عسكريا مستعدا للمشاركة في أي خطوات مستقبلية في الشرق الأوسط.

ويظهر أن العامل الاقتصادي سيكون الشغل الشاغل للدبلوماسية البريطانية في السنوات المقبلة، إذ ينتظر أن تكون أجندتها متخمة بالاجتماعات، من أجل اعادة صياغة علاقات بريطانيا الاقتصادية والتجارية، والتركيز على بناء العلاقات التجارية مع الدول الغنية في الشرق الأوسط، ولا سيما دول الخليج، في حين أن العلاقات مع دول شمال أفريقيا جنوب المتوسط، يمكن آن تتراجع بشكل كبير، فلم تعد بريطانيا ملزمة بهذه العلاقة التي تشغل الاتحاد الأوروبي بشكل أكبر مع تنامي تهديدات الهجرة غير الشرعية.

وستنشغل بريطانيا بإعادة التفاوض على علاقاتها التجارية مع عدد من الدول مثل المغرب ومصر والجزائر وتونس وستقيم المنفعة الاقتصادية مع كل منها على حدة دون الدخول في اتفاقات جامعة كما هو الحال مع الاتحاد الأوروبي.

فعلى سبيل المثال، تونس، ثاني أكبر مصدر لزيت الزيتون في العالم سعت كثيرا لتحسين فرص الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، لكن ضغوطا من اليونان وإسبانيا وإيطاليا، المنتجين الرئيسيين، عرقلت وصول تونس إلى الأسواق الأوروبية. لكن بريطانيا يمكنها أن تفتح بابا كبيرا للشراكة مع تونس في هذا الإطار فليست بعد ملزمة بتوازنات الاتحاد الأوروبي.