fbpx
عن أسعد غرامة.. ماذا أقول؟

اليوم سأستجدي كلماتي واحرفي وكل معاجم اللغة أن تسعفني بفيض كلماتها كي تخط مشاعري على صدر صفحات الزمان حجم ذلك الوجع والالم والأنين، وأن اتجاوز معها كل الحدود والسدود وجغرافيا الكلام المستهلك المبتذل، بل وأن اجبرها على أن تترجم تلك المشاعر بين جوانحي وتسكبها حبرا على اوراقي..

فمصابي اليوم جلل، وخطبي عظيم، ووجعنا يلتهم تلك السعادة الزائفة التي نرسمها مذ أن ترجل الفرسان عن جواد الحياة في رحلة مع الاقدار ومشيئة الله، ففي الماضي القريب طوى (حوس) رحلته ولم تطو سيرته، ولحق بركبه (عيدروس) ليؤكد لنا القدر انه قد خطف منا خير (البشر)، بل ويخبرنا أن الحزن سيمكث إلى أجل غير مسمى، وأن له كرّة أخرى ليسلبنا شيء من فرحة نصنعها من العدم..

اليوم حُق لك أيها الحزن أن تحل بنا، وأن تسكن جوانحنا، وأن تستبد بذواتنا، وتسبل مدامعنا، أتدري لماذا ؟ لان من ترجل عنا فارسٌ لايشق له غبار، وضرغام تهابه الاسود والاشرار، ترجل ( أسعد غرامه) ولحق بركب الأخيار في افضل ايام الله وشهوره، ولكن لم يُبكنا دمعا، بل ابكانا دماً والما ووجعا، وانتزع برحيله من بين ثنايا أرواحنا لتسبقه صوب المقابر وهي تبكي بصمت قاتلٍ وحسرةٍ وقهر..

حاولت أن ابكيك دمعٌ مالحاً، ونشيجا قاتل، وأنين ممزقاً، لكنني عجزت عن ذلك، فما كان من مشاعري إلا أن نثرت على اوراقي معاناتي وبؤسي وشقائي وانيني أحرفا ملئت الدنيا ضجيجا وصراخاً ونوح..

اليوم ستبكيك مدينتك بشوارعها وازقتها وهوائها ونسائمها وحتى حبات المطر المتساقطة واوراق الشجر، ستبكيك ساحات النزال وميادين الحرب والوغى، وجبهات القتال، والرصاصات التي وجهتها يوما إلى صدور الاعداء..

الحزن اليوم أيها الراحل كان له طعمٌ آخر، والوجع ايضا كان له مذاق مُر جداً، حتى الدمعات حين تنساب، تنساب من أعماق، أعماقنا المسحوقة والمفجوعة، فتنحدر على وجنتينا لتحفر خندق الالم الذي أبى إلا أن يربض هنا..

أتدري أيها الراحل لم يدر بخلد الوجع يوماً أنه سيفجعنا فيك، ويجبرنا أن ننوح كالثكلى ونصرخ كالاطفال، فهنيئا لك أيها الحزن، اليوم حُق لك أن ترقص طربا وتنتشي فرحا وتحلق سعادة وسرور، لان من ترجل عن حياتنا ( أسعد)، وأي (أسعد)، من تهابه رصاصاته وذخيرته إن أخطأت اهدافها..

صبراً أيتها القلوب (المكلومة) والأفئدة الموجوعة والعيون الباكية والمدينة المفجوعة، صبرا (ذويه) وعشيرته ومحبيه، فلستم وحدكم من تبكونه ومن ستبكونه، بل كل شيء ما زال من هول الصدمة في (سُكر) وهذيان..

اليوم هوى ( ركن ) مدينتنا الثالث ( وسُجي) تحت الثرى، وأعلم أن رحيله هو الضياع بعينه والخوف بكيانه وجوارحه، لن يبكيك قلمي فقد جف حبره، ولن يبكيك دمعي فقد جفته مآقيه، بل سيبكيك قلبي الذي آلمته برحيلك..

سأكتفي أيها الراحل بما قلت، فأنا لا اجد الكلمات التي تعبر عن مايعتلج بين جوانحي، ولكن عزائي أنك رحلت في أفضل الأيام وأفضل الشهور، وشتان أن يجتمع الجمال والالم ولكن رحيلك جمعهما..