fbpx
دُكاك

عبد الخالق الحود

جاء يدقّ الباب الحديدي بكلّ ما أوتي من قوّة، بطرقات من لا ينتظر جواباً. وبكلّ ما وسعه من حول، يسعى لإحداث أكبر كمّ من الإزعاج والفوضى.
أسمع طرقات متتالية ضجيجها يشقّ رأسي، وبالطبع آخر ما يمكنني فعله هو إيقاف طرقات زائر الفجر العنيد.
في اليوم التالي: وباعتقادي، ساعتها أنّني ربّما غفوت أو ربما خرّ جسمي المنهك دون إذني بفعل ساعات السهاد وأرق إجباري طويل، فرضته سيول العرق المنسابة من جسدي، كمجالد مسجون في غياهب جبّ طوله سبعون ذراعاً. حرارة الجوّ في عدن توحي إليك وكأن المدينة تقع خلف مكيّف الهواء الخاصّ بالكرة الأرضية مباشرة، وانقطاع الكهرباء لساعات “طويييييييلة” عن المدينة الساحلية يكفي ليشعرك بأنّك إن صبرت على ما أنت فيه، فذلك، بالتأكيد، أجره كبير عند الله، يضعه في ميزان حسناتك.
عموماً، وأنا بين المنزلتين ، حضر. وهذه المرّة، شاركني الغرفة، وهو في ذهني وتصوّري مارد من الجنّ، يهمّ أن يفتك بي، وبالطبع آخر ما يمكنني فعله استخدام قدمي المقيّدتين أو الصراخ بلساني المعقود بإحكام داخل فمي، وسلاحي الوحيد حينها للنجاة هو الزحف وطلب المساعدة “همهمة” ممّن يمرّون أمام بابي المغلق. تصرّفات لا تجدي، بالطبع، ولن تخلّصني مطلقاً من بين يدي عدوّي القوي المطبق على رقبتي، ولكن مكرمة نجلي “حمودي” (6 سنوات) توقظني وتخلّصني من هذا الدكاك الفظيع الذي لا ينسى.
والدُكاك، بضمّ الدال، في لهجة أهل عدن هو الكابوس، يأتيك أثناء النوم، نتيجة امتناع “المخزّن” عن تناول القات بعد تعوّد طويل على مضغ أوراقه.

صالح
مثلاً دكاك
حيّ لا زال ماثلًا للعيان
وغيره في الجناح
المقابل
كثيرون

القرين الكسول

حارني أمر الدكاك، فسألت رجل دين حداثي عنه، فأجابني بقوله: يُعتقد أن الدكاك أو الكوابيس المفجعة التي تنتاب من يمتنع عن تناول القات، بعد فترة تعوّد طويلة، هي ردّة فعل “القرين” المصاحب لكلّ إنسان، بحسب الآيات والأحاديث. فالقرين يعتاد مع صاحبه على تناول القات، وحين يحرمه منه صاحبه “المخزّن” يلجأ القرين لتخويف ومعاقبة صاحبه بهذه الكوابيس والأحلام المفزعة، كي يجبره على تدبّر أمره غداة استيقاظه.
حقائق

إنتهى كلام الشيخ الذي لا نستطيع تأييده أو ردّه باعتبار أن الأبحاث العلمية لم تتوصل، حتّى اليوم، إلى حقائق دامغة بشأن الأحلام، عدى معلومة لافتة لطبيب ياباني قال: إن الحلم، مهما كان طويلاً وأحداثه ممتدّة ومتشعّبة وفي مخيّلتنا تدوم ساعات، هي في حقيقة الأمر ثوان فقط. فالعالم الياباني يجزم بأن أيّ حلم، مهما بدا طويلًا، لا يستمرّ لأكثر من 6 ثوان فقط .
وأنا أقلّب مفردات الشيخ وتفسيره وأقول لنفسي: هذا القرين الذي يعتمد عليّ يوميّاً، لسنين أقوم على راحته، وأنا من يصرف على مزاجه و”مولعته” أيضاً، لم يستطع أن يردّ لكلينا الجميل، ويتحمّل يوماً تكاليف شراء القات أو الصبر في أسوأ الأحوال، وبدلاً من شكري يجازيني جزاء “سمنار”.
ما جعلني أكتب هذه المقدّمة الطويلة وجه الشبه بين الدكاك وبعض السياسيّين في اليمن، فصالح مثلاً دكاك حيّ لا زال ماثلًا للعيان، وغيره في الجناح المقابل كثيرون.
لا يريدون أن يكونوا إلّا حكّاماً إلى الأبد، وأسياداً ما حيي الناس في هذه الرقعة من الأرض، التي بَعُدَ بينها وبين السعادة بعد المشرقين، ولا تُذكر معها إلّا مقرونة بكان الدالّة على الماضي، أو الإسم الموصول “الذي كان سعيداً”، دون تعريفنا بذلك الزمن الذي كان فيه اليمن سعيداً.