fbpx
مكانة الصيام وفضله
شارك الخبر

معنى الصيام:

الصيامُ لغةً هو: الإمساكُ، يقالُ: صام الإنسان إذا سكت وامتنعَ عن الكلام، قال الله – تعالى – إخبارًا عن مريم – رضي الله عنها -: ﴿ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾ [مريم: 26]؛ أي: نذرتُ إمساكًا عن الكلام، وكان مشروعًا في شريعتهم لا في شريعتنا.

ويقال: صام النهار، إذا قام قائم الظهيرة ووقفَ سيرُ الشمسِ في نظر الناظر، ويقال: صامت الخيل، إذا وقفت؛ قال النابغة:

والمعنى أنه قسَّم الخيلَ إلى ثلاثة أقسامٍ؛ خيل واقفة ساكنة ليست في قتال، فهي مُستغنى عنها لكثرة الخيل عندهم، وأخرى غير صائمة، فهي تحتَ العَجاجِ في الحرب والقتال، وقسم ثالث تَعلكُ اللُّجما، يعني قد أُسرجَت وأُلجمت وأُعدَّتْ للحربِ، فهي مُهَيَّأةٌ للقِتال.

والصيامُ شرعًا هو: التعبُّدُ لله تعالى بالإمساكِ عنِ المُفطراتِ من طلوعِ الفجرِ الصادقِ إلى غروب الشمس.

مكانة الصيام وفضله:

أولاً – مكانة صيام رمضان:

صيام رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه العِظام؛ فعن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان))؛ متفق عليه، وفي لفظ لمسلم: ((وصيام رمضان، والحج))، فقال رجل: الحج، وصيام رمضان، قال: لا، ((صيام رمضان والحج))، هكذا سمعته من رسول الله – صلى الله عليه وسلم[1].

ثانيًا – فضل رمضان وصيامه:

لِصيام رمضان فضائل كثيرة نُوجِزها فيما يلي:

الفضيلة الأولى: أن من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غَفر الله له ما تقدم من ذنبه؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبِه))؛ متفق عليه[2].

والمراد بالإيمان: التصديق بوجوب صومه، والاعتقاد بحق فرضيته، وبالاحتساب: طلب الثواب من الله – تعالى – قال الخطابي – رحمه الله – في معنى الاحتساب: هو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه، طيبةً نفسه بذلك، غير مُستثقِل لصيامه، ولا مستطيل لأيامه؛ اهـ [3]، فهنيئًا لمن فرح برمضان، واستقبله بالبشر والسرور، سعيدًا بلُقياه، فَرِحًا بعطاء ربه فيه، فصامه كما أحب الله وَفْق شريعة الله، وحفظ فيه سمعه وبصرَه ولسانه وجوارحه عما حرَّم الله، هنيئًا له بمغفرة الذنوب، ورضا علام الغيوب.

الفضيلة الثانية: ما خصَّ الله به شهر رمضان من أنه إذا دخل فُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، وغُلقت أبواب جهنم فلم يُفتَح منها باب، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين))؛ مُتَّفق عليه[4].

وذلك علامةً لدخول هذا الشهر الكريم يُدرِكها أهل السماء، ويَستشعِرها أهل الأرض المؤمنون بخبر الصادق المصدوق، وفي هذا تعظيم لهذا الشهر، وإشعار بمكانته وحرمته، وفيه إيذان بكثرة الأعمال الصالحة فيه، وترغيب للعاملين بطاعة الله – تعالى – وإشعار بقلة المعاصي من أهل الإيمان؛ ولهذا تَكثُر الطاعات في هذا الشهر وتقلُّ المُنكَرات، ويُقبِل المؤمنون على ربهم، وفي علم المؤمنين بذلك تحفيز لهم وتشجيع على فعل الطاعات وترك المُنكَرات، ورفع لهِمَمهم، ودعوة لهم إلى تعظيم هذا الشهر الكريم كما عظَّمه الله – تعالى – بهذه الخصائص التي لا تَكون في غيره.

الفضيلة الثالثة: ما خص الله به شهر رمضان من تصفيد الشياطين جميعًا أو مرَدَتهم بالسلاسل والأغلال تعظيمًا لهذا الشهر الكريم، وليَمتنِعوا من إيذاء المؤمنين وإغوائهم، فلا يَخلصوا إلى ما كانوا يَخلصون إليه في غير رمضان، ولا يَصِلوا إلى ما يريدون من عباد الله من الإضلال عن الحقِّ، والتثبيط عن الخير، وهذا من معونة الله لعباده المؤمنين أنْ حبَس عنهم عدوهم الذي يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير؛ ولذلك تَجِد عند الناس من الرغبة في الخير والعزوف عن الشر في هذا الشهر أكثر مما يكون في غيره من الشهور.

وفي تصفيد الشياطين في رمضان إشارة إلى رفعِ عُذرِ المكلَّف، كأنه يقال له: قد كُفَّت عنك الشياطين فلا تتعلَّلْ بهم في ترْك الطاعة ولا فِعل المعصية، فما بقي إلا هواك ونفْسك الأمارة بالسوء، فلتكن قويًّا عليها تكبَح جماحها، وتأطرها على الحق أطرًا، وليعلم المسلم أنه كلما حافظ على صيامه والتزم بآدابه كان تأثير الشياطين عليه أقلَّ وبُعدهم عنه أكبر، وإذا كان صيامه مجرَّد عادة، لم يُحافظ عليه عما يَجرحه، ولم يلتزم بآدابه كان تأثيرها عليه بحسب بُعدِه عن الصيام الحقيقي.

الفضيلة الرابعة: أن الله – تعالى – خص رمضان بليلة شريفة هي أشرف الليالي وأفضلها، وهي ليلة القدر، ولهذه الليلة فضائل كثيرة، منها: أن الله – تعالى – أنزل فيها القرآن الكريم، ومنها: أن ثواب العمل يُضاعَف فيها إلى ثواب ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ومنها: أن من قام هذه الليلة غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه[5].

الفضيلة الخامسة: أن من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبه؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه))؛ متفق عليه[6].

ثالثًا – فضل الصيام عمومًا:

للصيام فضائل كثيرة نُوجِزها فيما يلي:

الفضيلة الأولى: أن الله – تعالى – اختصه من بين الأعمال بإضافته إلى نفسه الشريفة إضافة تشريف، وفي هذا مزيَّة عظيمة ليست لغيره من الأعمال؛ كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به))؛ متفق عليه[7]، وفي رواية لمسلم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كل عمل ابن آدم يُضاعَف، الحسنة عشرُ أمثالها إلى سبعمائة ضِعف، قال الله – عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدَع شهوته وطعامه من أجلي)).

الفضيلة الثانية: أن الله – تعالى – وعد أن يجزي الصائمين جزاءً من عنده غير محصور ولا معدود، وأكرم الأكرمين إذا وعد أنه يتولى الجزاء بنفسِه اقتضى ذلك سعة العَطاء، وخروجه عن إحصاء العادِّين وحساب الحاسبين، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به))؛ متفق عليه[8]، وفي رواية لمسلم: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((كل عمل ابن آدم يُضاعَف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله – عز وجل -: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به))، وما هنا مُوافِق لقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، والمعنى: أن الصابرين يؤجَرون بلا عدد، وإنما يُصبُّ عليهم الثواب صبًّا بلا حساب، والصوم يجمع أنواع الصبر كلها.

الفضيلة الثالثة: أن الصيام جُنَّة، والمعنى: أنه وقاية لصاحبه من النار، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والصيام جُنة))؛ متفق عليه[9]، وقد جاء مُصرَّحًا بأنه جُنَّة من النار في رواية أحمد والترمذي لهذا الحديث بلفظ: ((والصوم جُنَّة من النار))[10].

الفضيلة الرابعة: أن خُلوف فم الصائم أطيَب عند الله من ريح المسك، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((والذي نفس محمد بيده لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))؛ متفق عليه[11]، والخُلوف – بضم الخاء -: تغيُّر رائحة الفم، وهذا يدل على محبة الله – تعالى – لأثر هذه العبادة العظيمة، وإن كان مَكروهًا عند الناس.

الفضيلة الخامسة: أن للصائم فرحتين؛ الأولى: أنه إذا أفطر فَرِح بفِطره، والثانية: أنه إذا لقي ربه فجزاه وأثابه فرح بصومه في الدنيا، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فَرِح، وإذا لقي ربه فَرِح بصومه))؛ متفق عليه[12]، وفي رواية لمسلم: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فِطره، وفرحة عند لقاء ربه))، وفي رواية له أيضًا: ((إذا لقي الله فجزاه فَرح)).

الفضيلة السادسة: بشارة الصائم بدخول الجنة، وذلك أنه إذا لقي الله يوم القيامة فجازاه الله – تعالى – بصيامه فرح بذلك كما تقدم في الحديث، وفي الإخبار بفرحه وسعادته يوم القيامة بشارة له بدخول الجنة؛ لأن من فرح يوم القيامة لا يَشقى أبدًا.

الفضيلة السابعة: أن الصيام لا يُعادله شيء من الأعمال في ثوابه؛ فقد ثبَت من حديث أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – قال: أتيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلتُ: مُرني بعمل يدخلني الجنة، قال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا عِدلَ له))، ثم أتيته الثانية، فقال: ((عليك بالصيام))؛ رواه أحمد والنَّسائي، وصحَّحه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حجر[13].

*الشيخ عبدالرحمن بن فهد الودعان الدوسري


[1] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((بُني الإسلام على خمس)) 1: 12 (8)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العِظام 1: 45 (16).

[2] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان (1: 22) (38)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 1: 523 (760).

[3] يُنظَر: فتح الباري 4: 115، وعمدة القاري 10: 274، وقال العيني: (عمدة القاري 1: 234): فإن قيل: كل من اللفظين وَهُمَا: ((إيمانًا)) و ((احتسابًا)) يُغني عن الآخر؛ إذ المؤمن لا يكون إلاَّ محتسبًا، والمحتسب لا يكون إلاَّ مؤمنًا، فهل لغير التأكيد فيه فائدة أم لا؟ الجواب: المصدِّق لشيء ربما لا يفعله مخلصًا بل للرياء ونحوه، والمُخلِص في الفعل ربما لا يكون مصدقًا بثوابه وبكونه طاعة مأمورًا به سببًا للمغفرة ونحوه، أو الفائدة هو التأكيد ونعمت الفائدة؛ اهـ.

[4] رواه البخاري في كتاب بَدءِ الخَلق، باب صفة إبليس وجنوده 3: 1194 (3103)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان 2: 758 (1079).

[5] سيأتي – إن شاء الله تعالى – مزيد كلام وبيان عن هذه الليلة الشريفة في الفصل الثامن (ثانيًا).

[6] رواه البخاري في كتاب الإيمان، باب تطوع قيام رمضان من الإيمان 1: 22 (37)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقَصرها، باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 1: 523 (759).

[7] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شُتِم 2: 673 (1805)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2: 806 (1151).

[8] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شُتم 2: 673 (1805)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2: 806 (1151).

[9] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شُتم 2: 673 (1805)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2: 806 (1151).

[10] رواه أحمد 2: 414، والترمذي في كتاب الصوم، باب ما جاء في فضل الصوم 3: 136 (764)، وقال: حديث حسن غريب؛ اهـ، وقد جاء هذا المعنى من حديث جماعة من الصحابة – رضي الله عنهم – أشهرها حديث عثمان بن أبي العاص، رواه أحمد 4: 21، 22، 217، والنسائي (2230) وابن ماجه (1639)، وصححه ابن خزيمة 3: 193 (1891) (2125).

[11] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شُتم 2: 673 (1805)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2: 806 (1151).

[12] رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شُتم 2: 673 (1805)، ومسلم في كتاب الصيام، باب فضل الصيام 2: 806 (1151).

[13] رواه أحمد 5: 249، والنسائي 4: 165، وصحَّحه ابن خزيمة 3: 194، وابن حبان 8: 211، والحاكم 1: 582، وقال الحافظ: (فتح الباري 4: 104): رواه النسائي بسند صحيح.

أخبار ذات صله