fbpx
خواطر عن القات*

بقلم/د. عيدروس نصر ناصر

لست من محبي القات ولا من متعاطييه، وحتى عندما كنت أتناول بعض وريقاته  قبل ما يقارب عقدين من  الزمن لم يكن ذلك إلا من باب مجاملة ضيوفي أو مستضيفيي وقد مرت سنواتٌ كنت أعتقد فيها أن  القات ملهم للمواهب ومحفز للإبداع ، وفي الحقيقة كنت أمسك الورق والقلم واستحضر المراجع وأسهر إلى ما بعد منتصف الليل وأحيانا حتى ما بعد صلاة الفجر، وأكتب بحثا من ثلاثين أو أربعين صفحة معززا بالمراجع والمصادر، لكنني عندما كنت أراجع النص في اليوم التالي أكتشف أنني كنت أقول كلاما لا يقوله عاقل فأعيد صياغة النص من جديد مستغرقا أربعة أو خمسة أيام لمراجعة ما أنتجه القات ولو كتبته بدون قات لاستغرقت نصف وربما ثلث وقت الكتابة والمراجعة مع القات.

عندما حرمت القات في العام 1997م توقعت أنني لن أكتب حرفا واحد، لكنني اكتشفت العكس فقد أصدرت ثلاثة عشرا كتابا ولدي أكثر من عشرة كتب مخطوطة فضلا عن مئات المقالات وعشرات البحوث والدراسات وعشرات القصائد والقصص القصيرة والنصوص المسرحية، بالاعتماد على العقل الحقيقي غير المصطنع وغير المكيف.

وحينما انتقلت للعيش في صنعاء بعد انتخابات 2003م كانت أصعب اللحظات هي تلك التي أحضر فيها المجالس والمنتديات (وما أكثرها) دون أن أشارك في مضغ القات، كانت الصعوبة تكمن في ما أعانيه من امتحانات كبيرة لأقنع مضيفي أو زائريي بأنني لا أتعاطى القات، لأن من لا يتعاطى القات في اليمن، وفي صنعاء على وجه الخصوص كمن يصفع صنم اللات في عصر ما قبل الإسلام، لكنني والحمد لله نجحت في امتحان تحريم القات الذي ما زلت متمسك بنتائجه حتى اليوم.

لا أخفي تأييدي لقرار السلطة المحلية في عدن بمنع تعاطي القات عدا يومي الخميس والجمعة بل إنني موافق على منعه حتى الخميس والجمعة لكن لدي عدة مخاوف كنت أتمنى لو طرحت السلطات في عدن هذه القضية لاستطلاعات الرأي العام حولها، لكن يبدو أنني سأقولها بعد فوات الأوان من باب تلافي النتائج بدلا من تلافي الأسباب.

  1. أتمنى أن تكون السلطات في محافظة عدن قد أخذت في الاعتبار أنها بجانب العبء الكبير الذي تتحمله في مجال مكافحة الإرهاب ووضبط الأوضاع الأمنية قد أضافت عبئا كبيرا على رجالاتها، وهو ما يتطلب مجهودات وأمكانيات بشرية ومادية وتقنية أتمنى أن تكون السلطات قد سعت لتوفيرها.
  2. أتمنى أن تكون السلطة المحلية قد درست ردود أفعال المولعين بالقات وهم كثر للأسف ومنهم مثقفون وسياسيون ووجها اجتماعيون، وأدعو هؤلاء إلى التفاعل الإيجابي مع القرار وتدريب أنفسهم على العيش بدون قات فالعالم كله يعمل ويبدع وينتج بدون قات، ووحدهم اليمنيون ومعهم بعض الشعوب الأفريقية يعتقدون أنهم لا يعيشون إلا بالقات في حين هو السبب في الكثير من مشاكل اليمن المتفاقمة وعلى رأسها التخلف والفساد وتدني الإنتاجية وتأخر التعليم وضعف أداء الخدمات وعدم فاعلية المرافق  . . . . وغير ذلك.
  3. ومع تقديري للظروف الصعبة والشائكة التي تعمل في ظلها السلطات المحلية الجديدة في عدن فإنني أرجو أن تكون قد درست وضع البدائل التي يمكن أن يشغل بها المولعون أوقات فراغهم حتى يتعودوا على قضاء وقت “التخزينة” بدون قات، والبدائل يمكن أن تتمثل بالتشجيع على السياحة الداخلية وتوسيع دائرة الاستراحات والمكتبات العامة وملاعب الأطفال والحدائق العامة والمسرح والسينما والصالات الغنائية، أعرف أن هناك من سيبتسم سخرية من شخص يفكر بالمسرح والسينماء وصالات الغناء في زمن تشكل التفجيرات والسيارات المفخخة الصورة الطاغية على المشهد، لكنني أؤمن أن هذا الوضع الشاذ هو وضع مؤقت وسيختفي بنجاح الخطة الأمنية وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية وتعاون المواطنين في كشف كل من تحوم حولهم الشبهة في التعامل مع الإرهاب، وعموما هي دعوة للمستثمرين للتوسع في بناء المنشآت السياحة ودور الراحة والحدائق العامة لتحويل قرار منع القات من قرار موسمي إلى قانون دائم يسري في عدن أولا للانتقال إلى بقية المناطق، وهي تجربة ليست الأولى فقد سبق تطبيق هذه التجربة خلال عقد ونصف منذ 1/1/ 1976م حتى 22 /5/1990م وسارت التجربة بنجاح نشأ معها جيل كامل كان يعتبر تعاطي القات ظاهرة مميزة للمرتبطين بالحبل السري للتخلف.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*    من صفحة الكاتب على شبكة التواصل الاجتماعي فيس بوك.