fbpx
محمد عبدالسلام تاجر السجاد الإيراني الذي يحيك البراغماتية الحوثية
شارك الخبر

يافع نيوز – العرب اللندنية:

شخصية أحاطت نفسها بالكثير من الغموض وخصوصاً بعد أن ظهر متحدثاً باسم الجماعة الحوثية في الحرب الرابعة (2007) التي اندلعت بين الدولة اليمنية والمتمردين في محافظة صعدة أقصى شمال اليمن والتي أتت استمرارا لثلاث حروب سابقة وحربين لاحقتين بين يونيو 2004 وفبراير 2010.

ارتبط اسم الناطق الرسمي للحوثيين ورئيس وفدهم التفاوضي بالشخصية المبهمة التي دار حولها الكثير من الجدل في الوسط الإعلامي اليمني، حيث ظل من يعرّف نفسه بمحمد عبدالسلام شخصية هلامية لا تظهر إلا من خلال التصريحات الصوتية التي يعبّر فيها عن مواقف جماعته، ويفسر العديد من المتابعين لسيرته سرّ تعمده بأن لا يكشف عن شخصيته الحقيقية على خلاف قيادات الجماعة الآخرين لعدة أسباب أبرزها رغبته في أن يتمتع بحرية الحركة. الأمر الثاني أن يحافظ على مصالح عائلته التي لم يكن لها دور يذكر في تلك الفترة، فقد كان والده عضوا في لجنة الوساطة الثالثة التي شكلها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح لإقناع الحوثيين بإنهاء تمردهم على سلطات الدولة.

استفاد محمد عبدالسلام بالفعل من العمل تحت اسم مستعار وإخفاء هويته الحقيقية، حيث أفلت من عدة عمليات اعتقال تعرض لها وأطلق سراحه من دون أن تعرف الأجهزة الأمنية أنه الناطق الرسمي باسم الجماعة التي تخوض حربا شرسة ضد الدولة في محافظة صعدة.

بين الاعتقال والتمثيل

في العام 2009 اعتقل عبدالسلام صلاح فليتة نجل أحد كبار علماء الزيدية في صعدة مرة أخرى قبل أن يتم الإفراج عنه في أبريل من نفس العام بأمر من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي استجاب لضغوط مارستها شخصيات اجتماعية كبيرة في محافظة صعدة كانت حتى ذلك الوقت تعلن ولاءها الظاهر للدولة في حربها مع المتمردين الحوثيين، وعلى رأسها تاجر السلاح الشهير فارس مناع الذي عينه الحوثيون لاحقا محافظا لمحافظة صعدة.

في نوفمبر من السنة ذاتها، وبعد إطلاقه بشهور قليلة عاد الجدل مجددا حول عبدالسلام بعد أن أعلن المتحدث الإعلامي الرسمي بوزارة الداخلية السعودية، اللواء منصور التركي عن مقتل الناطق الإعلامي للحوثيين وثلاثة من معاونيه في غارات جوية على مسقط رأسه في قرية “القلعة” في جبل رازح. وذكرت صحيفة الرياض السعودية أن طائرات سعودية شنت غارات مستهدفة المركز القيادي والإعلامي للحوثيين، الذي يديره المتحدث الإعلامي للمتمردين محمد عبدالسلام، الذي يكنّى بـ”أبو ياسر”، ما أدى إلى مقتله مع ثلاثة من معاونيه.

لم يردّ عبدالسلام مباشرة على أخبار مقتله لكنه ظهر بعد ذلك بساعات في اتصال هاتفي مع قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، وتشير الكثير من الوقائع في هذا السياق إلى أن دوائر استخباراتية سعودية ويمنية كانت تعلم أن محمد عبدالسلام هو ذاته عبدالسلام فليتة الذي أطلق الرئيس السابق سراحه قبيل استهدافه من قبل الطائرات الحربية السعودية.

ولد عبدالسلام صلاح أحمد عبدالله فليتة في قرية القلعة بمديرية رازح في محافظة صعدة، في بيت والده العالم والشاعر الذي هاجر إلى صعدة وأصبح أحد أكبر علمائها وواحدا من أبرز مراجع الزيدية المعاصرين، وقد ساهمت نشأة عبدالسلام في تكوينه الثقافي والفكري القائم على فكرة “المظلومية” التي تعتقد أن هناك حقا إلهيا تم سلبه من آل البيت “الهاشميين” الذين فقدوا سلطتهم في حكم اليمن في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962 إثر ثورة عارمة قادها عدد من ضباط الجيش اليمني آنذاك.

عمل عبدالسلام فليتة في محكمة استئناف محافظة صعدة قبل أن يتحول لتجارة السجّاد الإيراني فيما يبدو أنه ولع مبكر بالثقافة الإيرانية التي انحاز لها لاحقا. وعلى الرغم من سعي الكثير من أقران عبدالسلام للظهور بمظهر المتسامحين والمندمجين في المجتمع اليمني الجديد الذي تخلّق بعد العام 1962، إلا أن نارا مستعرة كانت تصطلي تحت الرماد، حيث لم يغفر الكثير من “الهاشميين” المنتمين للمذهب الزيدي في أقصى شمال اليمن للثورة التي سلبتهم ما يعتقدون أنه حقهم الإلهي في الحكم.

وكما أخفى محمد عبدالسلام الغضب العارم في صدره على الدولة اليمنية أخفى كذلك اسمه الحقيقي “عبدالسلام صلاح فليتة” حيث لم يكشف عن شخصيته الحقيقية ويظهر في لقاء تلفزيوني مصور إلا في سبتمبر 2012 من خلال مقابلة مصورة بثّتها قناة المسيرة الحوثية الوليدة التي أشرف هو على تأسيسها في الفترة التي كانت فيها الجماعة الحوثية تبتهج ببسط نفوذها خارج إطار محافظة صعدة لتتمدد في معظم المحافظات المجاورة.

تحدث عبدالسلام في أوّل حوار تلفزيوني له وعلامات الزهوّ بادية على محيّاه، حيث رفض الحديث عن نزع سلاح الحوثيين قائلاً إن حمل السلاح ثقافة بين اليمنيين وإنه رغم انتشاره في محافظة صعدة إلا أن الجرائم لا تحدث، مضيفاً أن “الثقافة القرآنية” تحث على امتلاك السلاح.

خطاب عبدالسلام يوضح مواقف جماعته التي كشفت تطورات الأحداث أنه كان يقصد خلافها. فقد نفى تدخل الحوثيين في إدارة محافظة صعدة قبل أن يسيطروا عليها لاحقا وبشكل كليّ، كما نفى في تعليقه على المعارك التي يخوضها مسلحو جماعته في مركز “دماج ” السلفي وجود أيّ نية لديهم في “استئصال” السلفيين من بلدة دماج بصعدة، وهو الأمر الذي تم بعد ذلك بالفعل.

قال عبدالسلام أيضا في ظهوره الأول إن جماعته تدعم مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وهو الحوار الذي انقلبت عليه الجماعة ورفضت التوقيع على مخرجاته، كما تحدث عن رغبة الحوثيين في العمل السياسي باعتباره جزءا من ثقافتهم، لكن أضاف أن الظروف الحالية غير مهيأة لتشكيل حزب سياسي، وهو مالم يتم حتى بعد أن سيطرت الجماعة على معظم مناطق اليمن، ولم يخل حديثه كالعادة من نفي أيّ صلة تربط جماعته بإيران واصفا الحديث في هذه العلاقة بأنها مجرد مزاعم كاذبة.

أخطاء جسيمة للبراغماتي الحوثي

يتهم عبدالسلام بأنه قائد جناح البراغماتية في الجماعة الحوثية حيث يفضل أن يتم الانحناء للعواصف على أن يقف في وجهها كما هو منهج جماعته الراديكالي المعلن القائم على تحدي العالم والتعامل مع الأحداث من منطلق عقائدي صرف.

وعلى الرغم من أن الناطق باسم الحوثيين ينطلق من ذات المبادئ العقائدية والفكرية للجماعة الحوثية إلا أنه لا يمكن وصفه بأنه ينتمي لجناح الحمائم الذي لا وجود له في الجماعة، غير أنه يختلف فقط في الوسائل التي يمكن أن توصل الحوثيين لغاياتهم.

وفي واحدة مما توصف بأنها أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها، طار محمد عبدالسلام بصفته وزير خارجية الظل وراسم السياسة الخارجية للجماعة إلى طهران في مارس 2015 مصطحبا عددا كبيرا من المسؤولين في الدولة المختطفة، بعد فترة وجيزة من سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء ومعظم محافظات اليمن، وعلى الرغم من نفيه المتكرر لوجود أيّ علاقة تربط جماعته بإيران فقد بدا متعطشا لإخراج العلاقات الخفية التي تربط الحوثيين بألد أعداء المنطقة إلى العلن، معتمدا على تحليلات غير دقيقة لردة فعل دول الجوار المحتملة وخصوصا المملكة العربية السعودية.

وبنفس حالة الزهوّ التي ظهر بها في أول لقاء تلفزيوني له، أعلن المتحدث باسم الحوثيين عن التوقيع على اتفاق شراكة اقتصادية مع إيران وصفت بأنها أشبه ما تكون بتسليم اليمن لإيران.

أكد عبدالسلام في تصريحات إعلامية أنه تم “التوقيع على إطار تفاهم للشراكة الاقتصادية الشاملة بين الجمهورية اليمنية والجمهورية الإسلامية الإيرانية شمل الاحتياجات الأساسية في مجال الكهرباء والنفط والتبادل التجاري والاقتصادي وتعزيز التعاون الثنائي والاستفادة من الخبرات والإمكانيات الإيرانية في مختلف المجالات”.

أبرم الحوثيون ووفقا للاتفاق المثير للشبهات مع إيران، اتفاقية في مجال النقل الجوي تسمح للطيران الإيراني وطيران الخطوط الجوية اليمنية بتسيير 14 رحلة أسبوعيا في كل اتجاه لكل شركة. وهو ما اعتبر بأنه تسيير لجسر جوي بين البلدين، وذكرت وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، أن هذه الرحلات الجوية ستفتح الأسواق اليمنية أمام الصادرات الإيرانية، كما تم الحديث عن تسليم إدارة الموانئ اليمنية الاستراتيجية لشركات إيرانية، ويقول مراقبون إن خطأ البراغماتي العتيد هذا كان الشرارة التي اأشعلت “عاصفة الحزم” وسرّعــت باتخاذ دول الخليج قرارها بالتدخل العسكري في اليمن.

كمن طلب منه أن يصلح الخطأ الفادح الذي ارتكبه وبعد أن تسببت العمليات العسكرية للتحالف العربي في إضعاف القدرات العسكرية للحوثيين وإنهاكهم عسكريا واقتصاديا وعزلهم سياسيا، قام محمد عبدالسلام بذات الدور الذي قام به في إفساد العلاقة مع السعودية ولكن بشكل عكسي، حيث سعى لفتح قنوات اتصال مع “الشقيقة الكبرى” أسفرت في نهاية المطاف عن زيارته على رأس وفد حوثي رفيع إلى العاصمة السعودية الرياض والاتفاق على التهدئة على الشريط الحدودي، شكر عبدالسلام السعودية بشكل غير مسبوق وقال إن كل ما حدث كان مجرد سوء فهم وأدلى بتصريحات مثيرة للجدل غيّر فيها موقف الحوثيين المعلن بشكل جذري من السعودية التي كانت حتى أيام خلت العدو الأول للحوثيين، كما دأب عبدالسلام على الإدلاء بتصريحات انحنائية لوسائل إعلام سعودية نهارا، ليظهر مقاتلا وعنيدا في لقاء آخر مع القنوات الإيرانية في مساء نفس اليوم.

محاولة إنقاذ مستقبل الحوثيين

قرر الحوثيون أن ينحنوا لعاصفة الحزم أخيرا أو فريق منهم يتزعمه محمد عبدالسلام الذي سعى لبناء استراتيجيته في التعامل مع مخاوف الإقليم على تحييد دول التحالف العربي حتى تتمكن جماعته من الاستفراد بخصومها الداخليين الذين لم يخفف يوما من لهجته العدوانية تجاههم وتصلبه الذي بدا واضحا في كل جولات الحوار التي عقدت بإشراف الأمم المتحدة بين الحكومة الشرعية والانقلابيين، غير أن أقصى ما قدمه بصفته رئيسا للوفد الحوثي المفاوض أو المناور -وفقا لمراقبين- في جولات المشاورات التي احتضنتها سويسرا ومؤخرا الكويت هو عودة الحكومة الشرعية إلى اليمن على قاعدة القبول بسياسة الأمر الواقع التي كرسها الانقلابيون على الأرض من خلال تجريف مؤسسات الدولة والجيش والأمن وتغيير التركيبة الداخلية للدولة.

انطلاقا من نهج الحوثيين الصدامي لم ترق براغماتية عبدالسلام للكثير من المؤثرين في الجماعة، وتسربت سريعا أنباء الخلاف الحاد الذي تشهده أروقة وكواليس الجماعة الحوثية على إثر التصريحات التي أطلقها الناطق الرسمي باسم الجماعة ورئيس وفدها التفاوضي والذي تحدث في مقابلات مع وسائل إعلام سعودية عن التقارب بين السعودية والحوثيين والتي شابها البعض من سوء التفاهم على حد قوله، إضافة إلى هجومه على النظام الإيراني.

وقالت المصادر إن التيار الراديكالي المرتبط بالمؤسسات الثورية في النظام الإيراني بات يضغط باتجاه الإطاحة بعبدالسلام وتعيين حمزة الحوثي بديلا عنه، حيث بات محمد عبدالسلام يتهم علنا من قبل إعلاميين حوثيين بأنه مهندس التقارب بين الحوثيين والنظام السعودي انطلاقا من تزعمه للتيار السياسي البراغماتي في الجماعة والذي يرى أنه لا بد من التخلص من الشعارات الحادة والمواقف المتصلبة تجاه المحيط والمجتمع الدولي من أجل تحقيق أهداف الجماعة بقدر أقل من الخسائر.

 

أخبار ذات صله