fbpx
أين تكمن قوة الدولة..؟

قوة الدولة ليست في امتلاك مائة مدرعة ومائة طقم وثلاثين نقطة، فهذه أدوات جزئية لقوة وزارة الداخلية ، وليست قوة الدولة في وجود جهاز أمني قوي، بدون اقتصاد وقضاء ومؤسسات تعليمية وتربوية وخدمية..
قوة الدولة ينبع من وجود خلفية سياسية ومدنية تتخذ القرار في غرفة واحدة ، وفق عمل شوروي مؤسسي، وفي وجود قضاء مستقل وتفعيل دور النيابة، والفصل بين السلطات، وإيجاد مناخ اقتصادي حر، يستطيع الناس ان يعملوا فيه، ويطفئوا لهب الجوع والفقر والحاجة…
قوة الدولة في ذلك الوئام بين الشعب وقيادته، وفي ذلك الخيط بين القائد وشعبه، وفي تلك الإرادة الشعبية التي يعبر عنها القائد بقراره، وفي ذلك الارتياح الذي يبديه الشعب حين يرى حزم الدولة وسلطانه…
بشخطة قلم تم تأميم أموال وبيوت وأراضي، في سطو على الحقوق وفرض أمر واقع بقوة الحديد والسيف، وبلغة التخويف والتخوين، والكل تعلم أن هذه ليست قوة دولة وإنما ممارسة همجية وانحياز وبقوة لمعسكر ماركسي تم لعنه والكفر به بعد سنوات…
تخلصنا من النجمة الحمراء، ثم عشنا نظاما تهجم على الحقوق العامة، وبنى أمن بلا أمن، وقضاء بلا عدل، وبنوك بلا اقتصاد، وغذى هوامير كبيرة وعديدة سلطها على البشر، وجعلها الوسيطة لتسويغ جهالاته، ومزالغه، وانتهى به الأمر محروق ومخلوع، وشعب مهجر ومقسوم ومقتول، وصراع مذهبي ومناطقي، ومشاكل يهيم فيها البيد، وتعجز عن حلها فنادق الكويت ، وقصور جنيف، ومطابخ عمان ودبي …..
سقطت جميع الأنظمة العربية البعثية والماركسية الأمنية، ولا زالت القوى الملكية صامدة ليس لأنها قوية وذات مكنة مؤسسية، ولكن لأن هناك ملفين تم الانتهاء من الحسم فيهما، ملف القيادة والسلطة، وملف الاقتصاد والمال، فالوفرة المالية ساعدت في طول زمن هذه المماليك، وعدم الطمع في الحكم والقيادة، خفف من النزاع الداخلي ، وجعل الكل يتوجه الى عالم البناء والتطوير وأثبتت أن العقلية العربية الحديثة يتوأم معها التوجه الملكي أفضل من الديمقراطي…
يحدثني زميلي السوري عن الواقع الأمني لحزب البعث العربي، وكيف أن الرجل كان يخاف من ظله، وها نحن اليوم نرى كيف تهاوى، وسقط بسبب السياسية الأمنية المخيفة….
يجب أن نعترف بأمرين أولهما إننا في سلم دول العالم الثالث، وهذا المستوى لا يمكن الحديث فيه عن مفهوم دولة، وإنما نتحدث عن مليشيات قوية تمثل الدولة، تقوى وتضعف، تنمو وتنهار، وفق معطيات داخلية ودولية..
ثانيهما نحن في مرحلة انتقالية حرجة وصعبة، لا نمتلك أفق سياسي واضح، وما بعد مفاوضات الكويت ليس كما قبله، سواء نجحت المفاوضات أو فشلت، فالأفق معتم، تتجاذبه قوى خارجية وداخلية، بعضها تمتلك مشروع والأخرى تمتلك شغب وفوضى ومكايدة..
د.عبد المجيد العمري