fbpx
لماذا على الجنوب الاستعداد لمعركة جديدة وأخيرة مع الشمال..؟

كتب / اديب السيد:

 

لطالما كنا، ولا نزال دعاة سلام وجوار، وتحت شعار ” السلم خيارنا ” خاصة في الجنوب، الذي واجه ابناءه بصدورهم العارية رصاصات الاسلحة المتنوعة، على مدى ما يقارب عقد من الزمن، والسلم هو ما نتمناه دوماً، ونسأل الله ان يجنب الجميع الحروب والفتن والدماء .

لكن وبكل أسف، أقول ان هناك حرب تلوح في الأفق، وعلى الجنوب الاستعداد لها، وهي حرب جديدة مع الشمال، وربما تكون الأخيرة، والطريق للإعتراف الدولي بقضية الجنوب، وحقه في تقرير مصيره، أو استعادة استقلال دولته .

أجزم أن معركة جديدة قادمة، بين الجنوب والشمال، وتحت هذا العنوان ” جنوب – شمال “، قد يصنفها المجتمع الدولي ” حرب أهلية “، لكنها في الحقيقة هي معركة بين ( الحق والباطل ) بين ( الاستقلال والوحدة ).

لا أقول ذلك بناء على توقعات او تخمينات، بل أقولها جازماً، بناءً على معطيات عديدة، باتت تجعل من الحرب القادمة حقيقة واقعة لا محالة.

هناك معطيات تؤكد ذلك، منها معيطات سياسية محلية وخارجية، وكذا معطيات ميدانية وتطورات تحدث بتوالي ضمن سلسلة المتغيرات التي تشهدها اليمن .

وهذه الحرب، لن تكون اختيارية، بل ستكون إجبارية، مثلها مثل حرب 2015، التي بدأتها مليشيات الغزو والعدوان ” الحوثيين والمخلوع ” على الجنوب، وانتهت بنتائج لم يتوقعوها، ولم تخطر ببالهم، بعد تدخل التحالف العربي لتغيير واقع معادلة القوة، وميزان المعركة، التي أرادت منها إيران السيطرة على عدن ومضيق باب المندب، فانتكست وإلى الأبد.

اليوم، وبعد التغيرات التأريخية التي حدثت، وافرزتها عاصفتي الحزم والامل، بات الواقع يحكي عن نفسه، لكن لا يزال هناك ارتباطات بحاجة الى انفكاكها لتتكون صورة واضحة لدى الداخل والخارج، فيما يخص ( الجنوب والاستقلال – والشمال والوحدة ).

ومن المعروف ان الجنوب إلى الان، لا يمتلك أي قرار دولي، او وثيقة حديثه، تؤكد على حقه في تقرير مصيره او استعادة دولته، نتيجة التغييب المتعمد الذي عانى منه طويلاً، ولولا تداخل الأحداث وما افرزته التطورات في اليمن شمالا وجنوباً، لظل الجنوب واقعا تحت الاحتلال دون أن يساعده احد على الخروج منه، وهو ما تحقق في الجنوب ميدانيا، لكن لا تزال هناك أمور كثيرة بحاجة الى الانجاز كي يتحقق استقلال الجنوب، منها مصير الجنوب ( الاقتصادي – والإداري ).

ولكي يكون هناك مدخلا، من اجل مناقشة قضية الجنوب، وتصعيدها في المحافل الدولية، لن يكون هذا المدخل إلا بحرب جديدة تحت عنوان ( شمال – جنوب )، وذلك وفقا لما جبل عليه المجتمع الدولي في التدخل لحل القضايا الدولية، وخاصة بعد ان بات الجنوب نوعا ما، يملك معسكرات واسلحة، القت بها اليه عاصفة الحزم، كون الجنوب هو العمق الاستراتيجي لدول الجوار وخاصة الخليج، وممر الملاحة الدولية.

ان تجهيز الجنوب اليوم، لجيشه، وإعادة بناء مؤسساته، هو خيار إجباري رماه القدر للجنوب، رغم التعطيل المستمر من قبل قوى الشمال، منعا لذلك، من خلال التفجيرات والعمليات الارهابية، والاغتيالات، وغيرها، لكن يبدو ان مسيرة الجنوب نحو جاهزيته مستمرة، وهي التي ستصادف امامها حرباً ضروسا مع الشمال، لإثبات الوجود بحق الجنوب في أن يكون دولة يثق بها الجوار والمجتمع الدولي، او العودة الى حضيرة باب اليمن.

وأعتقد، ان دول التحالف العربي، تدرك ذلك جيداً، لهذا فهي تسارع في تكوين جيش جنوبي، تحت اسم ” الشرعية “، حتى إذا لم يتمكن التحالف من التدخل لمنع الشمال عن اجتياح الجنوب مرة أخرى، سيكون الجنوب قادرا على منع ذلك، وهو ما يصب في مصلحة دول التحالف، خاصة دول الخليج، والتي ستضغط على المجتمع الدولي، لفتح ملف ” الجنوب ” نتيجة الحرب القائمة، مما سيدخل الجنوب وقضيته في المحافل الدولية، تحت عنوان ” ايقاف الحرب بين الشمال والجنوب ” والعودة للسلام، وهي العناوين المتاحة لدى الامم المتحدة والمجتمع الدولي في كل مراحل التأريخ.

المعيطات الواقعة، تشير على ان هناك حرب قادمة ستبدأ فور اعلان التحالف العربي، إنتهاء عملياته العسكرية في اليمن، سواء باتفاق سياسي مع المليشيات، او بعودة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي الى صنعاء. ويمكن لي إيجازها من وجهة نظري كالاتي:

*معطيات سياسية:

1- أن اهم قضية في اليمن ” القضية الجنوبية” مغيبة تماما عن مشاورات إنهاء الحرب الجارية منذ عام ونيف، رغم ان هذه الحرب كان الجنوب نقطة ارتكازها وتدخل عاصفة الحزم.
2- ان الجنوب بقضيته إلى اليوم، لا يمتلك (وثيقة دولية او قرارات أممية) تؤكد على تلك القضية وحلها، وكل ما جرى هو محاولات اختزال قضية الجنوب في تصريحات اعلامية او ادراجها كملحق ضمن وثائق ” حوار موفمبيك صنعاء “، وتغييبها من قرارات مجلس الامن الصادرة مؤخرا عن اليمن.
3- أن المشاورات التي تجري في الكويت، هي مشاورات لإيقاف الحرب، بين طرفي ” الشرعية والانقلاب ” أما الجنوب فهو طرف ثالث لم يتم اشراكه بتلك المشاورات نتيجة لتعقيد الموقف بين الطرفين السابقين ” الشرعية والانقلاب “، رغم ان الجنوب بات يسيطر على رقعته الجغرافية ورقما لا يمكن تجاوزه .
4- انه فور انتهاء حرب ” الشرعية والانقلابيين ” بأي شكل كان، سيكون المجتمع الدولي أمام معضلة أخرى تتمثل بـ” القضية الجنوبية” بعد ان افرزت حرب 2015 واقعا جديدا في الجنوب بسيطرة الجنوبيين على ارضهم.
5- لن تكون هناك طريقه للتصعيد الدولي لقضية الجنوب، ما لم تكن هناك حرب، كي يتدخل المجتمع الدولي فيها، ويبحث عن حلول لها، وهذا هو المعتاد لدى مجلس الامن والامم المتحدة وكل المجتمع الدولي .

 

*معطيات محلية:
ومن المعطيات المحلية، التي تؤكد قدوم حرب ( جنوبية – شمالية )، قد تكون المدخل الرئيسي، للفصل بين ( الدولتين ) خاصة بعد ان باتت هناك توازنات نسبية بين ( الشمال والجنوب ) من حيث ( القوة العسكرية والقدرة ) اضافة الى ( وجود القيادة العسكرية والإدارية والسياسية )، وتمّسك كل طرف في حدوده الفاصلة التي كانت قائمة حتى عام ( 1990م).

ويمكن إيجاز تلك المعطيات كالاتي:

1- استمرار تعالي التوجه والخطاب الشمالي تجاه الجنوب، واعتباره قرية ملحقه بالشمال، وذلك للاستئثار بالثروات الجنوبية، ونهبها لصالح حاشية من الطامعين.

2- فقدان الشمال، لآخر اوراقه التي كانت يحتفظ بها لضرب الجنوب، وهي ( حضرموت ) حيث باتت حضرموت تحت ايادي ابناءها وقوات جنوبية وعربية، وهو الأمر الذي خلط اوراق الشمال وقواه واصابهم بهستيريا ستجعلهم يشنون حربا جديدة لمحاولة احتلال الجنوب.

3- إصرار الجنوبيين على حقهم في استعادة استقلال دولتهم، وثباتهم في الحرب الاخيرة، وصنعهم النصر، يؤكد ذلك.

4- خذلان الشمال لدول التحالف العربي، وعدم اخلاصهم في تحرير محافظاتهم، كان بسبب شعورهم ان الجنوب ينتصر وان سيحقق سيطرته على ارضه وجغرافيته، وهو ما جعل الشمال أمام ورطة تاريخية، وبات امام خيارين احلاهما مر ” إما قتال الشمال للشمال والدخول في حرب لا نهاية لها، وذهاب الجنوب لبناء نفسه واعلان استقلاله – أو الوقوف مع مليشيات الحوثي والمخلوع بطرق مبطنة لاجتياح الجنوب، وهو الخيار الذي اضر التحالف العربي، وجعل من الجنوب يد التحالف العربي في هزيمة المليشيات الشمالية، وهو ما يقود حاليا لذهاب الجنوب الى استكمال استقلال دولته ” .

5- ما افرزته عاصفة الحزم، وما ظهر وانكشف جليا في الشمال، جعل الشمال امام خيار وحيد للاصطفاف بكل فصائلهم واحزابهم، لخوض حرب جديدة ضد الجنوب، تحت يافطة ” الحفاظ على الوحدة ” وهو ما تؤكده اليوم تواصلات قوى الشمال حتى التي يظهر انها متصارعة، ومنها حشود وتعزيزات المليشيات تجاه الحدود بين الشمال والجنوب.

6- تطورات المشهد في الجنوب، بعد اكتشاف الخلايا النائمة وانتزاع اعترافات من بعضها، انها توالي قوى شمالية مختلفة، والتي تخطط للتفجيرات والاعمال المخلة بالأمن والاغتيالات، والاختلالات الامنية بعدن والمحافظات الجنوبية المحررة، لافشال النصر الذي تحقق على يد الجنوبيين والتحالف العربي، وفي نفس الوقت تهيئة الوضع حتى يحل الشمال خلافاته لشن حربا جديدة من أجل احتلال الجنوب.

الخلاصة:

هناك ارهاصات قائمة ومتسارعة، تدل على ان حربا شعواء قادمة، ترتب لها قوى الشمال والتي تحاول خلق ( تحالف جديد) بينها، لمواجهة الجنوب واعادة احتلاله، وهو الذي سيصطدم بواقع آخر، مثلما اصطدمت به مليشيات الحوثيين والمخلوع عام 2015م، لأن الجنوب لم يعد مصلحة منفردة، بل مصلحة خليجية وعربية ودولية، وبات اليوم أقوى من ذي قبل.

ومع ان الحرب دائما ما تكون طريقا مأساوية، وفعلا لا يوفر حلا للمشاكل، إلا ان الشمال وقواه باتت غير مقتنعة بكل ما جرى، وستحاول مرة واخرى إعادة احتلالها للجنوب، دون استيعابها للمتغيرات والبدائل.

ونحن ندعو الى ابعاد الحروب عن الجنوب، وكذا عن الشمال، وان السلام والحوار الحقيقي لإحقاق الحق، طريقا آمنا للحفاظ على الدم العربي والاسلامي، وتأمينا للمصالح المشتركة وعلاقات الشعبين واجيالهما القادمة ببعضهما، وان ما من طريق اليوم، إلا التعامل مع المتغيرات بعقل وقبول وقناعة، ويكفي دماء واشلاء، وقتل وحروب.

دعوا الشعبين الجنوبي والشمالي، يعيشان بسلام، كل له ارضه وحدوده، وبينهما مصالح مشتركة وعلاقات أخوية، وليتجه الشمال لبناء نفسه، كما هو الجنوب ايضاً يجب ان يتجه لذلك، ويتم ردم الهوة بين البلدين التي تعمقت كثيرا نتيجة افعال وممارسات وسياسيات القيادات الفاشلة في الشمال، والتي حولت حلم الوحدة الى كوابيس وحروب لن تتوقف الا بانهاء تلك الوحدة، وعدم الخوض فيها ابداً، بعد ان لم يستفيد منها احد، غير تجار الحروب والقتل .

فليكن السلام عنوانا جديداً، للشمال وللجنوب، وليتم تجنب الحرب القادمة بينهما، والسعي لعدم نشوبها، وهو الذي إن تحقق، فسيثبت الشماليون والجنوبيون، أنهم أهل ( حكمة وان بلديهما أرض الايمان ).

 

 

• كتب – أديب السيد 17 مايو 2016