fbpx
تقرير: تقلّص حاد في شعبيّة خامنئي في إيران
شارك الخبر

يافع نيوز – متابعات:

قالت مجلة أمريكية، إن شعبية المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، تشهد تقلصًا حادًا بعد انكشاف اصطفافه إلى جانب المحافظين ضد الإصلاحيين، بخلاف الدور المفترض أن يقوم به، وهو أن يكون حكمًا محايدًا.

وتضيف مجلة “ناشيونال إنترست”، في تقريرها التحليلي، أنه منذ إنشاء الجمهورية الإسلامية، في أعقاب ثورة 1979، كان هناك دوماً صراع شرس بين المتشددين والمحافظين من جهة، والعديد من البراغماتيين واليساريين الإسلاميين الإصلاحيين المعارضين من جهة أخرى.

وتشير إلى أنه “وفقاً لدستور الجمهورية الإسلامية، يعد المرشد الأعلى صاحب السلطة العليا في الدولة، ومن المفترض أن يكون حكماً محايداً بين أجهزتها المختلفة”.

“وكان الحال كذلك في أغلب الأحيان مع تولي آية الله  الخميني منصب المرشد الأعلى، وكان دائماً فوق الخلافات وعمل على خلق توازن بين الفصيلتين الرئيسيتين” حيث مكّنته شخصيته ذات الطابع الكاريزمي، وسلطته غير المشكوك فيها ومؤهلاته الدينية، حيث مُنح لقب آية الله منذ عقود، من القيام بدور الحَكَم المحايد في أغلب الأحيان.”

“لكن كل ما سبق تغير بعد وفاة الخميني في شهر يونيو 1989، وخلفه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي”، تقول المجلة.

رجل الدين المتحرر المحافظ

وتتابع بأن “خامنئي عندما تولى السلطة، لم يكن يملك أي قاعدة دعم خاص به من المجتمع. ولم يكن قد وصل لمرتبة “آية الله” وقتها كذلك، حيث كان رجل دين متوسط المرتبة. وفي وقت الثورة لم يكن خامنئي حتى ضمن الدائرة الداخلية للخميني”.

إلى ذلك، “كان رفسنجاني من ساعد بإدخاله إليها، كما كان روحاني من ساعده في الحصول على أول مشاركة رئيسية له في الحكومة الثورية المؤقتة لرئيس الوزراء مهدي بازركان، ليعيّن في منصب نائب وزير الدفاع. كما أن خامنئي يدين بتعيينه مرشداً أعلى لرفسنجاني، ولابن الخميني الراحل أحمد. حيث قاما بالمناورة لينتخبه مجلس الخبراء، وهي الهيئة الدستورية المعيّنة للمرشد الأعلى”.

وبالرغم من سمعته كرجل دين متحرر نسبياً في الثمانينات، كان خامنئي دوماً محافظاً. ففي الواقع، رفض تعيين موسوي رئيساً للوزراء عند إعادة انتخابه رئيساً في عام 1985. وأجبره الخميني حينها على وجوب إعادة تعيين موسوي، من خلال تهديده الضمني بإزالته من مجلس الرئاسة. لذلك قام خامنئي بعد تعيينه مرشداً أعلى في عام 1989، بترسيخ سلطته وخلق قاعدة من الدعم لنفسه بين قوات الأمن والمخابرات والجيش وحلفائهم من المحافظين.”

صراع علني

وفي الفترة بين عام 1989 إلى عام 1997، وخلال فترة رئاسة رفسنجاني، صديق خامنئي لأكثر من خمس عقود وراعيه في الثمانينات، بقي الصراع على السلطة بين المتشددين والمرشد الأعلى من جهة، والحركة البراغماتية برئاسة رفسنجاني من جهة أخرى، إلى حد ما خلف الكواليس. لكن أصبح الصراع علنياً بعد أن جدّد الإسلاميون اليساريون أنفسهم ليصبحوا إصلاحيين، وساعدوا على انتخاب خاتمي بأغلبية ساحقة في عام 1997 متغلباً بذلك على المرشح المفترض لخامنئي. وبعد أقل من ثلاث سنوات على انتخاب خاتمي، أمر خامنئي بإغلاق عشرات الصحف وغيرها من المطبوعات، وقامت السلطة القضائية الواقعة تحت سيطرته بسجن العشرات من الصحفيين والمعارضين والإصلاحيين البارزين. فتوقفت بذلك برامج خاتمي الإصلاحية، لكنها أدت إلى بدء تضاؤل شعبية خامنئي المستمرة إلى اليوم.

كان خامنئي يتظاهر بأنه فوق الخلافات خلال عهد خاتمي، زاعماً بأن الإصلاحيين والمتشددين يشكلان “جناحي البلاد”. لكنه كان يرغب في الحقيقة بتوحيد الحكومة مع أجهزة الدولة التي يسيطر عليها بشكل مباشر، وبذلك يصبح هرم السلطة بأكمله مطيعاً له. لذلك قام هو وابنه مجتبى خامنئي والقيادة العليا للحرس الثوري بتصميم الانتخابات الرئاسية لعام 2005 بحيث يُنتخب محمود أحمدي نجاد رئيساً للبلاد، معتقداً أن هذا من شأنه أن يخلصه من الإصلاحيين للأبد. لكن أثبت أحمدي نجاد عدم كفاءته في إدارة اقتصاد البلاد، مما سمح لرفاقه والمنظمات والشركات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بنهب الموارد الوطنية.

زعيم أقليّة سياسية

وبالرغم من هذا، كان الناس خلال ولاية خامنئي الأولى يلقون باللوم على أحمدي نجاد على الحالة المؤسفة التي وصلت لها الدولة، ومصممين على التخلص منه.

أدى كل ما سبق إلى نشأة الحركة الخضراء، وصوّت الشعب بشكل جماعي في عام 2009 لانتخاب موسوي رئيساً للبلاد. لكن خامنئي والحرس الثوري الإيراني أوضحوا أن موسوي “خط أحمر”، وغير مقبول بالنسبة لهم. وأشيعت اتهامات بوجود تزوير لصالح أحمدي نجاد، وأمر خامنئي بشن حملة قاسية على الحركة الخضراء المُحتجة على التزوير المزعوم.

ونتج عن الحملة مقتل أكثر من 100 متظاهر، وأمرت السلطة القضائية  بسجن مئات الناشطين السياسيين ومناصري الحركة بعد إجراء محاكمات صورية. وسُجن قادة الحركة، موسوي وزوجته زهرة رهمهود ورئيس مجلس الشورى السابق مهدي كروبي، في منازلهم.

لذلك أصبح واضحاً لدى الجميع أن خامنئي لا يقوم فقط بالتحكم بكل القضايا خلف الكواليس، بل إنه زعيم حركة أقلية سياسية، وليس المرشد الأعلى والأب الروحي كما كان يتظاهر .

الاتفاق النووي و”برجم- 2″

في حزيران 2013، أظهر الشعب الإيراني مرة أخرى الحكمة والنضج السياسي، فقاموا بانتخاب روحاني رئيساً ضد رغبة خامنئي. فقام الرئيس الجديد ووزير خارجيته محمد جواد ظريف بالتفاوض والتوقيع على الاتفاق النووي مع الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن في شهر تموز. ووعد الاتفاق المعروف رسمياً باسم “خطة العمل المشترك الشامل” برفع العقوبات الاقتصادية ضد إيران مقابل تخفيضها الحاد لبرنامجها النووي. لكن بالرغم من أن إيران نفذت التزامها، إلا أنها لم تستفد من الرفع المفترض للعقوبات بعد.

فبعد توقيع الإتفاقية النووية، التي تختصر في الفارسية بـ”برجم”، بدأ روحاني بالتحدث عن “برجم-2″، قاصداً المصالحة الوطنية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وفتح الفضاء السياسي، وعقد انتخابات حرة ونزيهة. لكن بالرغم من دعم خامنئي والمتشددين للاتفاق النووي، إلا أنهم رفضوا توابعها المحلية، لا سيما “برجم-2”. لذلك، وعلى الفور بعد عقد الاتفاقية النووية في تموز 2015، بدأ خامنئي والمتشددين “والدولة العميقة الإيرانية”، المكونة من الشبكات السرية وشبه السرية من عملاء الاستخبارات والأمن والحرس الثوري المتشدد الذين يمثلون دولة داخل دولة، بمهاجمة “خطة العمل المشترك الشامل”. في البداية كان روحاني يُنتقد بشكل غير مباشر فقط. لكن تدريجياً، أصبحت الهجمات مركزة على الرئيس نفسه. وخلال هذا الوقت، كانت شعبية خامنئي تتضاءل، ليصبح مجرد زعيم الأقلية الصغيرة لكن القوية، المعارضة للاتفاقية النووية والمصالحة مع العالم.

ثم جاءت انتخابات المجلس في أواخر شهر شباط. فعمل خامنئي والدولة العميقة ومجلس صيانة الدستور، وهي هيئة دستورية تفحص المرشحين في جميع الانتخابات، بمحاولة خلق المشاكل لروحاني لمحاولة منع إعادة انتخابه في الانتخابات الرئاسية للسنة القادمة، من خلال استبعاد آلاف الإصلاحيين والمعتدلين من الترشح للانتخابات.

هجوم شرس على روحاني

لكن رغم كل جهود خامنئي، فاز في الانتخابات تحالف من الإصلاحيين والمعتدلين، أنشأه رفسنجاني وخاتمي. وسيكون المجلس القادم مكوناً على الأقل من 122 نائباً إصلاحياً ومعتدلاً، والمكوّن من 290 عضواً، والذين سيستلمون مهامهم مقابل 84 نائباً محافظاً في أواخر شهر أيار؛ أما البقية فهم مستقلين. كما أن انتصارات الإصلاحيين والمعتدلين في الإنتخابات أدت إلى خلق شروخ عميقة بين المحافظين مع انفصال العديد منهم عن المتشددين.

لكن الأهم مما سبق هو أن آمال خامنئي بانتخاب مجلس مطيع من المختصين تلاشت. في حين ألمح المرشد الأعلى أنه مريض الآن ومن المرجح أن يموت خلال الأعوام القليلة القادمة. بينما كان يأمل هو والدولة العميقة إلى إنشاء مجموعة يضمن خلالها انتخاب ابنه أو أحد رفاقه بعد وفاته. لكن التحالف الذي أنشأه رفسنجاني وروحاني هزم مرشحي خامنئي في طهران، وقضوا على العديد من تجمعات رجال الدين المتطرفين الأقوياء المتحالفين معه. نتيجة لذلك سيكون لرجال الدين المعتدلين دوراً هامة في اختيار خليفة خامنئي عندما يحين الوقت لذلك.

وعلى حد تعبير المجلة، أدت هزائم المتشددين إلى إغضاب خامنئي. فبعد إقامة الانتخابات في 26 شباط، قام خامنئي بشن هجمات شرسة على الإصلاحيين والمعتدلين وقادة الحركة الخضراء والولايات المتحدة. كما قام حلفائه من الحرس الثوري الإيراني بالأمر ذاته. فإظهاراً لاستيائهم، قام العديد من كبار ضباط الحرس الثوري، ومن بينهم اللواء الحالي محمد علي جعفري والقائد السابق للواء محسن رضائي، بشن هجوم شرس على روحاني وإدارته. كما حاولوا عرقلة دبلوماسية روحاني من خلال القيام بالتجارب الصاروخية التي زادت من غضب المملكة العربية السعودية والمحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وعندما صرح رفسنجاني في شهر آذار أن مستقبل إيران هو في الحوار وليس القتال والصواريخ، اتهمه خامنئي غاضباً بالخيانة.

لكن غضب خامنئي كان متعلقاً أيضاً بالانتخابات الرئاسية للسنة المقبلة. فبدأ أنصاره التحدث عن جعل روحاني أول رئيس إيراني يحكم دورة واحدة فقط منذ الـ35 سنة الماضيين. لكن نجاح روحاني في اختتام المفاوضات النووية، إلى جانب انتصارات الإصلاحيين والمعتدلين الداعمين له، صعّبا من تحقيق ذلك الاحتمال.

تحسين العلاقات مع الغرب

كان خامنئي والدولة العميقة متخوفون من فكرة تطوير علاقات طهران مع الغرب. فأوضح خامنئي أن الاتفاقية النووية لا تعني أن إيران ستطور علاقاتها مع واشنطن، بالرغم من ذلك يدعو الإصلاحيين والمعتدلين لتحسين العلاقات مع الغرب. ففي زيارة له إلى إيطاليا دعا روحاني في مؤتمر صحفي لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، لكنه صرّح أيضاً أن ” مفتاح تحسين العلاقات يكمن في يد واشنطن وليس طهران.”، متحدياً بتصريحه سلطة خامنئي في مجال السياسة الخارجية.

وتختم المجلة تقريرها، بالإشارة إلى أن هنالك صراع شرس في إيران بين من يرغبون بتقاربها وانفتاحها مع بقية العالم، وبين خامنئي ومؤيديه المتجمدين منذ عهد الثورة في عام 1979. وبرغم امتلاك خامنئي قوة كبيرة حتى الآن، إلا أن مكانته تقلصت وبالكاد يعتبر قائداً لأقلية صغيرة. موضّحة أنه يمكن للغرب أن يرجّح كفة الصراع لصالح الإصلاحيين والمعتدلين من خلال إيصال وعود بالسماح لاستثمارات كبيرة في الدولة. لكن تصريحات وزيرالخارجية جون كيري غير مساعدة في ذلك أبداً عندما يقول متفاخراً أن “إيران تلقت 3 مليارات فقط” في الوقت الذي يفترض فيه رفع العقوبات. وقد استخدم خامنئي والمتشددون تصريحه لمهاجمة روحاني ومؤيديه.

 

*إرم

أخبار ذات صله