fbpx
عدن الجريحة ( التشخيص والمعالجة)

عدن مدينة عالمية أليفة ورحيبة، قبلت الكل على أرضها، وعاش فيها العربي والأعجمي، والأبيض والأسود، وعشق مدنيتها وسواحلها كل من عاش فيها….
يقف اليوم قيادي ومثقفي وساكني عدن في حيرة من أمرهم، وفي وضعية صعبة كيف يوقفون هذا النزيف؟ ، وهذا القتل، وهذه الدماء، فالعدو الذي كان جاثما على صدروهم ينتشر اليوم في الأزقة والشوارع والبيوت ، والعدو البارز بالأمس، أصبح اليوم متسترا ، وكل يوم نكتشفه بسيارات مفخخة ومصانع متفجرات، وأناس ذكور يلبسون ملابس نسائية…
يعمل في عدن مائة وخمسون ألف من أخواننا من تعز وبقية المناطق الأخرى، منهم الطيب الغيور على عدن ومنهم الناقم المنتقم نتاج تراكمات، وأخطاء الماضي البغيض ….
يعجز الأمن عن ضبط مدينة مترامية الأطراف بإمكانيات محدودة، أمام عدو مجهول، يقتل كل يوم من خيرة الرجال، وما عجز عنه الحوثي وعفاش في الحرب يريد أن يحققه بخلايا نائمة، حتى يسبب إرباك للقيادة السياسية…
يطرح كثير من متألمي الجنوب ترحيل إخواننا الشماليين من عدن، كحل فرضه الواقع، على أن يعودوا بواقع نظامي (إقامة) ، بينما يقف الطرف الثاني وهم أقلية بعدم الذهاب إلى حلول اجتثاثية، وأن هذا الأمر غير قانوني وأخلاقي ….
لغة الشهداء والجرحى والأسرى وتراكمات الأخطاء الحوثية والعفاشية والإصلاحية والداعشية تجعل كل شيء ممكن وواقعي، ويستدل بعض المشرعين بأدلة منها إن الإقرار شريعة، وأن الكثير من إخواننا الشماليين مقر لهذه الأفعال ومرحب بعدم استقرار عدن، حتى لا تذهب لفك الارتباط…
ترحيل العمالة يبدو مقرفا وإجراء غير مستساغ ولا نريده ولا نحبذه، لكنك حين ترى شوارع عدن وهي مضرجة بالدماء، وترى خيرة القيادة وقد تهاووا سقوطا ، بدم بارد، وعمل نوعي منتظم، يذهب ذهنك إلى كل بعيد ….
على المستوى التشريعي واقع الدم يبدو مختلفا، فقد يضطر الحاكم لإحداث تشريعات وزواجر تحافظ على المهج، فالقسامة التي يحلف فيها أربعون يختارهم ولي الدم، تشريع مختلف، وإجراء قوي، قصد منه المشرع الوصول للقتلة، وهنا الفاروق يحكم بقتل سبعة اشتركوا في قتل شخص واحد، وقال كلمته المشهورة ( لو تشارك فيه أهل صنعاء لقتلتهم به …) وما صنعه النبي صلى الله عليه وسلم بالعوارنيين خير دليل في التعامل الخشن، للحفاظ على الدين والدم، وفي الحديث ( لزوال الدنيا أهون على الله من إراقة دم امرئ مسلم …)
يزداد الثقل على إدارة الأمن والمحافظة، ويشعرون أنهم يواجهون عدو متخفي، غير معروف مكانا ولا زمانا، ولا انتماء، وإيجاد نظام امني رادع وإلزام الكل تحت حكمه يبدو صعبا في مدينة مليئة بالسلاح والمتفجرات، وفي مرحلة زمنية انتقالية …
يخشى كثير من المثقفين من واقع التهجير وردود فعله السلبيه سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، والسيول الجارفة للأخضر واليابس غير مفيدة للزراعة والتربة، فقد ينبت أناس من بني جلدتنا ممن يكون أداة سهلة في الإعمال التخريبية، وقد يصل الظلم لأناس نزحوا من الشمال، وهربوا من بطش الحوثي وعفاش، ( ولا تزروا وازرة وزر أخرى).، والشعوب لا تنتصر بالظلم….
أزمة الثقة، وسوء الظن، عميقة جدا، ونحتاج إلى جيل أو أجيال لإعادة الثقة، وهذا ما يتجاهله الكثير، وكثرة الاحتكاك لا يذيب هذه الإساءة ولكنه يعمقها…
كثير من إخواننا الشماليين يحملون الضغينة، والعداء، ولو انتصر الحوثي وعفاش ربما سيكون تعاملهم مختلف، وقد رأينهم كيف أحسنوا القتل والسحل للمتظاهرين، ورأينهم وهم لا يألون جهدا في سبيل تغييب الحق الجنوبي….
يبدو الأمر شائكا وصعبا، في أمور ما كنا نريد أن نصل إليها، وأوضاع يتيه فيها البيد، ويعجز عن إدراكها الذكي والبليد..
أمور يضحك ألسفها منها … ويبكي من عواقبها الحليم
كنت أتمنى أن نستطيع إيجاد نظام أمني قوي وصلب وجهاز مخابراتي عميق، وعمل مؤسسي ، يضع الكل في خانة واحدة، وينطوي الجميع تحته ، وتكون عدن مدينة السلام والوئام..
عجلة التغيير، وسرعتها، وتوالي الأحداث وتتابعها، تجعل الكل في سباق، وتبدو الحيرة سيدة الموقف على الأقل عند العقلاء…..
نبارك جهود العميد شلال، لكننا نعتقد أن عدن تحتاج مجلس أمني أكثر مهنية وخبرة تساعد العميد، وتبقى الإمكانيات دائما عائق أمام الكل ….
نشرت بعض هذا الحزن بالأمس، وتلقيت رسائل من بعض إخواننا من مثقفي الشمال، ورأيت لغتهم صعبة، وطرحهم مخيف، وتذكرت ما قاله الخليل بن احمد الفراهيدي:
لو كنتَ تَعلمُ ما أقولُ عَذَرْتَني ……..أو كنتُ أجهلُ ما تقولُ عَذَلْتُكا
لكنْ جهلتَ مقالتي فعَذَلْتَني ………. وعلِمْتُ أنكَ جاهلٌ فعَذَرْتُكا
عدن مدينة السلام رهينة في يد الأشرار، جريحة تنزف دما، ، ندعو الله أن يرفع عنها البلاء وان يهدي الله قادتها ورجالها للخير والصلاح ….
د.عبد المجيد العمري