fbpx
الاستثمار في العقولِ ثرواتٌ مُهمَلَةٌ

رغم أهمية الموارد الطبيعية والاستثمارات المادية في تحقيق التنمية الإقتصادية إلّا أنهما بحاجة إلى الكادر البشري الكفء والمؤهل فكرياً وعملياً،فالعنصر البشري بما لديه من أفكار وإبداع هو الأقدر على اختراع وسائل استخراج الموارد الطبيعية وتوجيه الاستثمارات المادية وتطويرها والعمل على تنوع وتعدد الموارد المحلية وخلق البدائل الاستثمارية في المجالات الصناعية الهادفة لتغطية احتياجات السوق المحلية ومنافسة الأسواق الدولية وجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتحقيق الريادة الإقتصادية بما يضمن عدم تضرر اقتصاد الدولة في حال نضوب أو انخفاض العوائد المالية التي تجنيها الدولة مقابل مبيعات الموارد الطبيعية.

وتثبت الوقائع والأحداث التاريخية أن العقل والجهد البشري هو أساس تحقيق نهضة الأمم وتطورها ،فبعد الحرب العالمية الثانية اتجهت الدول المُتقدمة للاستثمار في الرأس المال البشري وعملت على تنمية المعارف البشرية وتطوير المناهج التعليمية وحرصت على ربط مناهج التعليم بالواقع العملي،وتسابقت على استقطاب المفكرين والمبدعين والموهوبين في الدول النامية حيث عملت على توفير كل التسهيلات الممكنة وأقامت المختبرات العلمية ورصدت التمويل اللازم لإقامة التجارب لإنجاح تلك الأفكار وتطبيقها ،حيث أن بعض الدول المتقدمة رغم ندرة عوائدها من الثروات الطبيعية مثل سويسرا واليابان وماليزيا والتي حققت تنمية كبيرة جعلتها في مصاف الدول المتقدمة وذلك بسبب اهتمامها بتنمية العنصر البشري وتكريس جهودها للقضاء على البطالة،وفتح حدودها للمستثمرين الأجانب وقدمت لهم كل التسهيلات الممكنة فصدرت منتجاتها لمختلف دول العالم ،وحولت مجتمعاتها من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات مُنتجة ومُصدّرة ،وحولت الفرد من الإعتماد على الإعانة الإجتماعية التي تقدمها الدولة إلى امتلاك مصدر دخل ذاتي يحقق له الاكتفاء ويمكنه من تقديم الرعاية لغيره من أفراد المجتمع.

في الوقت ذاته تجد أن الدول النامية رغم ما تمتلكه من الموارد الطبيعية المُستخرجة من باطن الأرض والتي تجني منها بعض الدول ثروات هائلة إلّا أنها جعلت اهتمامها في تنمية القدرات الفكرية ورعاية المواهب المُبدعة بين منعدمة في بعضها أو مقتصرة على الإهتمام بجوانب بسيطة معينة ليست ذات أهمية ،مما جعل منها مجرد بلدان مستهلكة تعتمد لتغطية نفقاتها على ما تجنيه من ايرادات مالية مقابل مبيعات الثروات الطبيعية المُستخرجة من باطن الأرض.

مما سبق يتبادر إلى ذهن الكاتب تساؤل مشروع مفاده ،إن كانت العديد من البلدان التي تتصف بانعدام أو ندرة الموارد الطبيعية ثم سعت لتكريس اهتمامها بجوانب تنمية الموارد البشرية ورعاية الإبداع والمواهب والابتكارات وسخرت لذلك جُل الامكانيات المتاحة لديها رغم محدوديتها،واستطاعت بذلك تحقيق طفرة اقتصادية وأصبحت تُصدر منتجاتها لمختلف دول العالم،فما بالك لو سُخرت الثروات الهائلة التي تجنيها دول الموارد الطبيعية لتنمية الموارد البشرية والاستثمار في رأس المال الفكري،ألا يمنحها ذلك أفضلية لبلوغ الهدف خلال فترة أقل مما تحتاجه الدول التي تتصف بانعدام أو ندرة الموارد الطبيعية ؟؟؟

ونجد أن هناك من بدأ التوجه للإهتمام بهذا المجال على المستوى العربي حيث اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة عدداً من الإصلاحات ومن أهمها التغيير الوزاري في شهر فبراير الماضي والذي شمل عددا من القرارات التي أتاحت للشباب المشاركة في مجلس الوزراء بوزارتين، وسعى لاستحداث وزارات ومجالس يتمحور اهتمامها بالتنمية الفكرية والإقتصادية ومنها ” تشكيل مجلس أعلى للتعليم وتنمية الموارد البشرية،إنشاء مجلس علماء الإمارات،وإنشاء مجلس شباب الإمارات” وتركز هذه المجالس بشكل أساسي على تهيئة البيئة المناسبة لصنع جيل من العلماء والمبدعين.

وفي المملكة العربية السعودية فقد تم مؤخراً تقديم رؤية السعودية المستقبلية والتي تشمل إجراء العديد من الإصلاحات السياسية والتشريعية لتوفير بيئة مناسبة لتنفيذ مشاريع تستهدف تنمية وتعدُد وتنوع موارد الدولة وتتضمن ثلاثة تقسيمات رئيسية هي اقتصاد مزدهر،مجتمع حيوي،ووطن طموح.

وإذ نبارك ونُشيد بهذا التوجه لدولتي الإمارات والسعودية نتمنى أن يجد هذا المجال المزيد من الاهتمام من قبل جميع الدول العربية.