fbpx
التأصيل الشرعي لفك الارتباط (2)

:
لم انته من نشر الحلقة الأولى من النقاش مع عزيزي الدكتور أبو احمد حتى تفاجئت باستشكالات وتساؤلات وانتقادات من كثير من الأخوة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فظهر معنا على الخط د.محمد ألعزي، والمفكر أبو زين الوليدي، والطبيب فؤاد العامري، وكثير ممن راسلني مستفسرا ومنتقدا ومعاتبا وسأحاول أن أجمل أهم الإشكاليات التي طرحها الزملاء حتى يكتمل النقاش، ويكون الإنصاف…
فالأخ العزيز أبو زين ألوليدي يتسائل كم عدد الذين قتلوا من الجنوبيين من 67 م إلى 22 مايو 90 م ؟ و ما حال المسوؤلين الجنوبيين مع الشريعة؟
والجواب الذين قتلوا في التاريخ المذكور عدد كبير ومهول، وهذا سؤال خارج محل النزاع كما يقول الاصوليون، فلا يحتج بالغلط على الغلط، فالقتل غير مبرر أبدا، والسائل يريد أن يثبت بأن العقلية الجنوبية عقلية دموية، وأنها يستحيل أن تحكم نفسها، فيجب أن تكون هناك وصاية شمالية، والجواب أن هناك مبادرة أطلقها الجنوبيون اسمها التصالح والتسامح، هي بادرة جميلة ورائعة، يجب أن نباركها، ويجب أن نتيقن بأن العقلية الجنوبية عقلية مدنية وحضارية، وهناك أدلة لا تعد ولا تحصى على ذلك ، وما حصل في غياهب التاريخ من صفحات سوداء وقع مثلها وأشد في أرقى الدول وأعظمها، وقرأ كم فقدت المانيا واليابان من ملايين البشر في الحرب العالمية الثانية ثم استفاقت الدولتان وأصبحت من الدول العظمى، ونحن لسنا قطيعا من الضباع ، بل نحن بشر أكيد سنستفيد من الماضي، وهذا المنطق هو نفس منطق المخلوع، وهو وتر بعض إعلامي الإصلاح الذي يتغنون به ليلا ونهارا…
أما حال المسوؤلين الجنوبيين مع الشريعة، فلا أظنه يقل حالا عن حال المسؤولين الشماليين مع الشريعة، فمن باع دينه لإيران ، وقررتدريس اللغة الفارسية في جامعة صنعاء، وفتح الموانئ لاستقبال السفن المحملة بالأسلحة من إيران لأشد خطرا من غيره ، والعقلية الاشتراكية عفى عليها الزمن، ولا تجد شيخا اشتراكيا إلا وقد خرج من صلبه أولادا وأحفادا يحملون السنة والعقيدة، ويدافعون عنها، ومن الغلط استنساخ الماضي الاشتراكي وتنزيله على الواقع المعاصر، بدون تحقيق مناط فيه، فالزمن تغير، والحوادث تغيرت، والحكم يجب أن يتغير، وقد نص ابن القيم على تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان….
بلا شك أن هناك قلقا على العقيدة والتوحيد والسنة، ولا نعالج القلق بكبت الناس عن مطالبهم، وحياتهم، فصلاح حياة الناس في أمنهم ودنياهم سبيل لتقبلهم العلم والمعرفة ، فالمجتمعات المتخلفة تكون أكثر قبولا للأفكار المنحرفة، والبطون الجائعة لا تفكر إلا بما تأكل والقرآن يقول ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وهذا الأمر قرره المجدد الإمام الغزالي في أكثر من موطن…
ويتساءل الأخ الدكتور محمد العزي أستاذ القانون في جامعة اليرموك ( الأردن) وهو من أصول شمالية عن الغلط في طرح ثقتنا في القيادة الجنوبية الحالية، وأنها قيادة فاشلة والرهان عليها رهان على الفشل، وكل جهد يحصدوه أنما هو حصاد سراب، لان هذه القيادة عفى عليها لزمن، ولا تستحق أحد يقف معها…
والجواب عن أخي ألعزي أن هناك خللا ظاهرا في القيادة، وهناك قيادات لم تعد تتواكب مع معطيات العصر وضرورياته، وبعض القيادات هرمة سياسا وفكريا، وهذا لا خلاف فيه لكــن لا يعني غياب المشهد من القيادات الشابة، وبعض القيادات المعتدلة المتنورة، والرهان ليس على القيادات بل الرهان على الشعب والملايين التي خرجت تهتف بسم الجنوب الحر السني المدني، فالبطل الزبيدي محافظ عدن ليس قائدا سياسيا ولكنه قائدا ميدانيا فرضه الواقع الجديد وخرج من رحم المقامة، ومن واقع الميدان، ، وكثير من النخب الجنوبية يميلون للعطاس مثلا ويرحبون بطرحه، لأنه أكثر عقلانية وتماشيا مع الواقع، وهناك المئات من القيادات الجديدة ممن كان لها دورا بارزا في حرب الحوثي وعفاش، فالواقع دائما ما يفرز نخب وقيادات حية وجديدة.
يبقى الثناء وتنتهي الأموال …..ولكل دهر دولة ورجال
وأجزم أن المحن صقلت العقل الجنوبي فأصبح مدركا للقيادات المتسلقة، وفي كل الحالات فالقدر وضعنا في موضعا صعبا يتطلب منا جهادا متنوعا ومستمرا..
وهنا يقف الطبيب فؤاد العامري ليضع استشكالا يتعلق بغياب الاعتراف العالمي بالجنوب العربي، وان الأمر لا يعدو أن يكون ظاهرة صوتيه تتعلق بالداخل، فالقرارات الأممية كلها تصب في الحفاظ على الوحدة اليمنية، والجواب أن الخارج مرهون بالداخل، وهناك دول باتت أكثر تعاطفا مع الجنوب، وان المتغيرات العالمية باتت مختلفة، وكل يوم يمر يدرك العالم صعوبة العقلية الشمالية، وتخلفها، وخطرها، فالملايين من أبناء الشمال لا زالوا يهتفون باسم المخلوع والسيد، وكأن القوم لازالوا يعيشون عصر الإمامة ولم يتقدموا قيد أنملة، وأخطاء القوم هي من فرضت وستفرض وأقع جديد، ويحضرني هنا تعليق للسفيرة الأمريكية عندما رأت اجتماعات القبائل والكتل الشمالية، فقالت ( يذكرني هذا المشهد بواقع أمريكا قبل مئتي سنة..)
من يهن يسهل الهوان عليه ….ما لجرح لميت إيلام
وارجع هنا إلى عزيزي الغالي الدكتور أبو أحمد الذي طرح تساؤلا هاما يتعلق بالوحدة الإسلامية، وأنها مطلب شرعي والوحدة اليمنية طريق للوحدة العربية والإسلامية، وان الشرع أمرنا بالتوحد والتلاحم، والجواب أن الوحدة عملية مركبة من الأسفل إلى الأعلى، مثل السلم، ولا يصلح البناء على خواء، فالوحدة الأرضية عملية معقدة وصعبة، تتطلب عدلا متناهيا، وإمكانيات لا محدودة، وعقلية متنورة، وليس المقصود بالوحدة الإسلامية أن يكون العالم تحت أميرا واحدا فهذا الأمر لم يحصل إلا خمسة وثلاثين عاما في صدر الخلافة الراشدة فقط ومن ثم تفرق الناس وظهرت الدويلات، فلا نطالب بالمستحيل واقعا ، والمعدوم واقعا معدوم شرعا، وقد ناقشنا كثيرا من لوازم العلاقات الأرضية من النصرة والولاء والبراء وكل هذه المعاني توجد بغض النظر عن المسميات الدولية..
والوحدة المطلوبة ليست وحدة عروبية ولا منفعية وإنما وحدة اعتصام بحبل الله، وهذا ما لم يكن في الوحدة اليمنية، والكل مقر أنها وحدة فيد وكسب ونفع لطرف قهر وموت وكبت لطرف آخر، ويكفيك أن تكلف نفسك قليلا لتكتشف حجم عقود النفط والغاز الوهمية المسماه بأسماء مشائخ وأشخاص، وتكتشف مدن وعقارات وموانئ تم بيعها وتأجيرها بعلاقات خاصة فيجب أن نسمي الأشياء بمسمياتها وان الوحدة الشرعية منتفية والدليل عدم ثباتها وتمكنها، وما بني على باطل فهو باطل، وصلاح النهايات مرهون بصلاح البدايات..
وبعد هذه النقاشات العاجلة أحط الرحال لأوجه رسائل هامة، للشارع الجنوبي ، والنخب الجنوبية، ويمكني وضع هذه التوصيات على شكلها الآتي :
1-يجب أن يكون هناك حاملا سياسيا موحدا للقضية، مجلس انتقالي يتكون من 350 عضوا يراعى فيه تمثيل المديريات والمحافظات والنخب والمكونات….
2-بغضنا للوحدة الشمالية لا يعني بغضنا لإخواننا في الشمال، فهم أخوة لنا في الدين، وربما بعضهم ظلم أكثر منا، فيجب أن نطالب بحريتنا بدون ظلم وتعدي على العامل والمقيم في الجنوب ، والشعوب لا تنتصر بالظلم…..
3-يجب أن نلتف في المرحلة الحالية على القيادات الميداينة ، ونوجد كيان عسكري وأمني يوقف نزيف الدم الجنوبي، ويبطل أي التفاف على إرادة أبناء الجنوب …
4-يجب أن نهتم بالوعي والعلم والفكر، فالأمم لا تنتصر إلا بالقلم ، والجامعات والأبحاث العلمية وإيجاد وسط معرفي قوي …
5-إنشاء مجلس إعلامي عادل ورصين ولبق، وتدريب النخب الإعلامية فالمعركة بالدرجة الأولى إعلامية أكثر منها واقعية
هذه بعض النقاشات والتوجيهات، ويكفي للمنصف أن يمد بصره إلى ساحة الحرية ساحة العروض ليسأل ماذا يرد هؤلاء الناس…
الوقوف أمام الظلم وتقزيمه، والحق وإبرازه، معلم من معالم الأنبياء، وركيزة من ركائز الأمم التي تحترم نفسها.
د.عبد المجيد العمري