fbpx
صناعة اليقظة

الشعوب اليقظة تتسارع في الانتماء لتاريخها وهويتها ، وحين تسقط سرعان ما تقوم، تعجبت حين قرأت تاريخ المانيا كيف استفاقت بعد الحرب العالمية الثانية، واليابان وكيف أن القنبلة النووية الأمريكية عملت فيها الكثير،وايقظتها وسارعت في بناء ونهضة كوكب اليابان الجديد….
كثيرة هي الأحداث التي تؤرقنا، جزء منها داخل في ذاتنا وبقائنا من الغلط أن ننام عنها، أو نتجاهلها، أو تغيب عن بالنا، لأنها تسمى الذاكرة التاريخية لهويتنا وانتمائنا ، وقوة الأمة في استحضار ماضيها ، وتذكر نكباتها، وعدم التغافل عنها….
مشكلتنا نحن العرب أننا ننسى، ننسى كثيرا ننسى الجرح والألم والموت، ننسى النكبات والأزمات والمحن … عندما طالعت تاريخ السينماء أخذتني الدهشة حين رأيت أمريكا تعرض أفلامها التاريخية لطلاب المراحل الأولى في الخمسينات وتعرض افلام وثائقية عن قادتها ومؤسسي أمريكا سيدة العالم ، لتعلم أطفالها قوة الانتماء للحضارة الأولى وعندما دخلت السينماء مصر تكرست الجهود في ابراز العفن والرقص وتعبيد المرأة. وتغييب الأمة عن دورها وحضارتها ..
لم يذكر الله ذنبا لآدم تسبب في خروجه من الجنة غير النسيان ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما..) فالعزم هو قوة الذاكرة في عدم إغفال الأمر … المرتبط بالماضي
حين سقطت الأندلس بكت المحاريب والمآذن ونسينا، وكتب الشعراء مراثي كتبوها بأصوات عالية وآهات مخيفة…. انتهى كل شيء ونسينا، ومما قالوا ان العرب حين سقطت الاندلس لبسوا العقال حتى لا ينسوا اليوم الاسود ،فكان العقال اسودا اشارة الى الحدث الاسود، وها هو اليوم أصبح زينة ، نسينا اليوم الاسود والعقال الاسود تذكرني هذه الأحدوثة بقصة غلام كان ينسى الأشياء التي يأمره والده بشرائها، فكان يعقد تميمة على يده ليتذكر ما يريده والده ، فذهب ذات يوم، ونسى التميمة ونسي الأشياء فقال والده على الفور
اذا لم تك الحاجات في همة الفتى ……فليس بمغن عنه عقد التمائم
صناعة اليقظة اعمق من صناعة الأقمار الصناعية والصواريخ العابرة، فاليقظة خليط مزدوج بين ادراك الماضي والتفاعل معه، وتحديد أوليات العمل بحلم وتروي، خطوة خطوة، وبناء جيل جديد يعشق التراب الذي وطيء عليه عقبة بن نافع حين فتح الاندلس، ويحلم بروما كما كان يحلم بها محمد الفاتح، ويغضب كما غضب صلاح الدين حين فقدنا ثالث الحرمين …
بين ما نريده وما نفتقده ليس بمعرفتنا بما نريده، بل بمعرفتنا من أين اتينا والى أي جيل ننتمي ، سنظل نتعثر بين أرجل اللاعبين، وأصوات الفنانيين، وصراخ الاعلاميين والسياسيين حتى تأتي اللحظة التي توقظنا وننتمي الى ذاتنا ، ننتمي الى جيل مفعم بالأمل والحرية والحضارة، جيل ركب البحر وجال في القارت تحت شعار ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام )
سنظل نبكي على الأطلال وننشد الحان الزمن، ونبعثر آلام قد اندملت في صدورنا، حتى تأتي اللحظة … وحتما ستأتي ..
د.عبد المجيد العمري