fbpx
صناعة الرجال بغرس الأهداف

ما نعانيه اليوم من خلل في القيادة، والإدارة ليس نابعا عن قلة الإمكانيات، وانعدام الفرص، ولكننا نعاني خللا عميقا في البنية الذاتية للوعي والفهم، وغياب الهدف المنشود، وتجرد المعاني الرفيعة وتسلط الأنانية والذاتية.
حين يتكون الهدف في ذاكرة وذهن الرجولة تطوى المسافات، ويتم لف الزمن للوصول إلى الغايات ، ويحضرنا مثالا رائعا لرجل الدولة الفاروق الذي أطاح بدولتين عظيمتين عمرها عمر الزمن بعد سنة واحدة من توليه الخلافة ، لأنه أدرك سر النكهة في صناعة الرجال وعندما تمنى الحالمون أشياء من الذهب والفضة قال أتمنى مليء هذا البيت أمثال أبي عبيدة ابن الجراح ..
قبل هــذا لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم مساومات قريش، وحلول توافقيه للوصول لمجد وهمي، مبني على شفا جرف هار، ولكنه اعتمد المنهج الصعب والطريق الوعر، طريق بناء الفحول..
يمثل نتاج الفترة المكية والمدنية وقود صاروخ انطلق ولم يتوقف، وهذا الوقود ليس من اليورانيوم المخصب ، ولكنه وقود امتزجت فيه صفات العربي وأخلاقه، وتربية المعصوم وتهذيبه، وسمو الهدف ( اخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد…) (كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى..) .
الرجولة ليست الذكورة، فالذكورة إن لم تلقح بالرجولة، تبقى خشب مسندة، وأعمدة مفرغة، والقرآن لم يذكر الرجل أو الرجولة إلا في موطن مصادمة مع الباطل، أو حمل تلابيب الحق في أوج الباطل، ( من المؤمنين رجال …) ( وجاء رجل …) ( رجال لا تلهيهم تجارة …) وأجزم أن شخصية العربي القحة مع تمام الأخلاق وخضوعها للمنهج الرباني هي الرجولة، ولــذا جاء النص النبوي ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ..) ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا..)..
وكلما اقترب الناس من نقطة نهاية العالم كلما قلت رجولتهم، وأصبحوا خواء ( غثاء كغثاء السيل .. مصابون بالهون… وحثالة كحثالة الشعير..) وتبقى هناك جهود ذاتية لتجديد حضارة الإسلام، واستعادة مداميكه، في سنن كبرى الله مدبرها ومقدرها(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) .
وبين التجديد والسمو تبقى المحافظة على البنية التحتية لأصول الإسلام وأسسه فريضة الوقت، والسير بنفس الطريق والتصبر فيه من أوليات النخب الدعوية والفكرية، فالتجديد نتاج واقع من أوليات معرفية وتربوية..
لو سألت الأمريكي لماذا تعيش لأفصح لك أعيش لأحكم العالم، وقواتنا تحيط بنصف الكرة الأرضية برا ..وأقمارنا تحيط بها جوا وضوح الهدف والرؤية..
قريب من هذا أدركت اليابان أهمية بناء الذات الأخلاقية فقررت مادة الأخلاق في سنواتها الأولى ليست مادة نظرية ولكنها مادة عملية ميدانية، تستمر مع الطالب ست سنوات ، لأن عمق حضارة اليابان ليست في محرك تيوتا، ولكنهذلك الوهج المعرفي والتربوي في حجر الصفوف الدنيا …
لا يفوتنا أن ننسى ثلة من الرجال الذين يعيشون تحت الأرض الذي هضموا المعرفة وأذابوا الحديد، ليصنعوا ما عجزت إن تصنعه عشرات الدول وهم في سجن قطاع غزة، انه العيش من أجل بلوغ الهدف ..
عمر وكالة ناسا للفضاء مرتبط بعمر توفر الوقود للانطلاق ، ويمكننا أن نخرج من نطاق العالم والفضاء، لكن لا يتم ذلك إلا بقوة الوقود وقوة العلم والمعرفة ..
وبعد هذه الحقائق لا تستغرب حين ترى قطيعا من الروبيضة، تعتلي منابر القيادة والسياسة، وتتولى التصرف في مقاليد الأمة، فالطريق لا زال طويلا، ولكن سراة الليل يدركون أين هم؟ ويرقبون مخاطر الأمة، ويستمرون في السير ..
أسـير خلـف ركـاب النجب ذا عـرج.. … مؤملا كشف ما لاقيت من عـوج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ……. ..فكم لرب الورى فى ذاك من فرج
وإن بقيـت بظـهـر الأرض مـنقطـعـا …. فما على عرج فى ذاك من حـرج
د.عبد المجيد العمري