fbpx
العبودية لم تنتهي بعـــد

يخطئ من يظن أن العبودية قد انتهت بانتهاء تجارة الرقيق، وأن الناس يعيشون مفهوم الحرية الحقيقية، والحق أن النفعية المادية اليوم تعتبر الإنسان عبارة عن سلعة تباع وتتشترى..
وليس ثم فرق بين بيع الإنسان ذاته، أو رأيه وفكره، وعقله، بل الثاني أدهى فالجسد لا قيمة له في المعيار الإنساني، بل المعتبر هو معتقده وقناعاته ، والقرأن يقول في المنافقين ( وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم…) ويقول في القول ( كونوا قوامين بالقسط شهداء لله …)
يطل علينا يوميا على وسائل الإعلام كثير من الأبواق السياسية والثقافية والدينية، ممن هو مرتهن بحفنة من المال، أو بمنصب ، وقد حرص فرعون على تطويع السحرة، ليكونوا له عونا في ترويج باطله ، وتثبيت ربوبيته ، وإذا كان سحرة فرعون انتصروا على ذواتهم أمام الحق الأبلج ، فما زال كثير من سحرة عصرنا قابعون في أتون الكذب والتزوير والدجل ..
أوضحت الشريعة خطورة عبودية النفع فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم من يعبد المال والقطيفة والخميصة بالتعاسة، وأوضح القرآن أن المعبود ليس بالضرورة أن يكون صنما أو وثنا، بل قد يكون مالا أو شخصا أو هوى، ( أفرأيت من اتخذ اله هواه ..) ( وقالوا ربنا إنا اطعنا سادتنا وكبرائنا فأضلونا السبيلا…) ، وهناك ربط قرأني عجيب بين كثرة الهرج والمرج في آخر الزمان، وغياب الأمانة، فالثاني نتاج غياب الأول، وأعظم أمانة أمانة الفكر والعلم والمعرفة….
تحرر الإنسان من المواقف النفعية والمصلحية هام وضروري، فالفكر والرأي والعلم والمعرفة، والاعتقاد، مكاسب حضارية مرتبطة بثقافة الإنسان ووجوده على البسيطة.
إن كانت العبودية النفعية ظاهرة في الغرب لأنها نابعة من التوجه الرأسمالي المادي ، فهي في دول العالم الثالث أكثر ضررا، وفسادا، لأن كثيرا من المثقفين والسياسيين والكتاب، والإعلاميين، يكسبون رزقهم جراء مواقفهم السياسية التي تضر بالعامة، وتؤثر على سلوكهم وحريتهم، …
انكفأ كثير من العلماء عن مجالسة السلاطين، وابتعدوا غاية البعد ، وحرصوا إن تكون مواقفهم نابعة من العلم والمعرفة، وتاريخنا مليء بالنماذج والأمثلة الناصعة، منها مواقف سعيد بن جبير ، والعز بن عبد السلام سلطان العلماء، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرهم كثير ..
ولا زال سجن القلعة في دمشق حيا يحكي تاريخ كثير من العلماء الذين سجنوا فيه، على رأسهم شيخ الإسلام بن تيميه .
وهاهو الإمام ابن المبارك يعنف إسماعيل بن عليه حين ارتبط بالسلطان وترك التعليم والتدريس ..
يا جاعل العلم له بازيا ………..يصطاد أموال المساكين
احتلت للدنيا ولذاتها ………..بحيلة تذهب بالدين
فصرت مجنونا بها بعدما………. كنت دواء للمجانين
أين رواياتك فيما مضى …….. عن ابن عون وابن سيرين
ودرسك العلم بآثاره …………..في ترك أبو السلاطين
تقول أكرهت فماذا كذا ……….زل حمار العلم في الطين
لا تبع الدين بالدنيا كما ………. يفعل ضلال الرهابين
فالحياة ليست حركة الجسد بل هي مواقف وقناعات، وهذا هو الفرق بين عالم البهائم، وعالم البشر … والله غالب على أمره .
د.عبد المجيد العمري .