fbpx
اليمن.. نصف قرن من التاريخ
شارك الخبر

يافع نيوز – الاتحاد – محمد الغيثي:

إن المتأمل في حال الشأن اليمني، الذي فرض نفسه على المسرح السياسي الإقليمي والدولي، قد يجد صعوبة في فهم الوضع السياسي المعقد نوعا ما، فتسوقه تلك التعقيدات إلى الرجوع بذاكرة التاريخ إلى الوراء عله يجد بداية مفهومة، توضح كيف وصل الأمر إلى ما هو عليه؟ وهذه المرحلة التاريخية لن تُكتب أو تُقرأ من زاوية سياسية معينة، وإنما هي تاريخ مجرد من التحليل، سأترك للقارئ فيها حرية الفهم والاستنتاج ومعرفة حقائق قد يجهلها عن اليمن أرضا وإنسانا وعن الأطراف السياسية اليمنية والأنظمة والحكومات التي تعاقبت على اليمن بخيرها وشرها. وسوف أسرد في تقريري هذا تاريخا لفترة زمنية، تزيد عن الخمسين عاما، خلفت أحداثها تاريخا، يُكتب ورسمت تقلباتها استشراقاً وتنبؤاً بما سيحدث في المستقبل.

ثورتا سبتمبر وأكتوبر

في السادس والعشرين من سبتمبر سنة 1962م حدث انقلاب عسكري تبعه ثورة شعبية ثم حرب أهلية، استمرت نحو ثماني سنوات بين أطراف النزاع داخل المملكة المتوكلية اليمنية في الشمال الذي لم يكن يخضع لأي احتلال خارجي. صاحب هذه الحرب انقلابات عسكرية وخلافات عدة بين ثوار سبتمبر، وبعد كر وفر بين الفصائل الداعمة للنظام الملكي (المملكة المتوكلية اليمنية) وبين فصائل الجمهوريين الذين يريدون تغيير نظام الحكم إلى نظام جمهوري تحت مسمى (الجمهورية العربية اليمنية) انتهت الحرب الأهلية بمصالحة بين الأطراف المتحاربة أشبه بالمصالحة التي حدثت بعد ربيع 2011 بين المخلوع ومن تظاهر ضده، وهكذا تم إعلان الجمهورية العربية اليمنية.

وفي صبيحة الرابع عشر من أكتوبر سنة 1963م انطلقت شرارة ثورة مسلحة جنوبية كان أهم أهدافها طرد الاستعمار البريطاني من البلاد والسير نحو الوحدة العربية والإسلامية. استمر الكفاح المسلح، واشتعل لهيب الثورة في كل زوايا الجنوب شرقا وغربا للتخلص من الاحتلال الأجنبي، واستطاعت بريطانيا أن تزرع الخلافات بين فصائل الثورة إلا أن ذلك لم يعفيها من الرحيل ومغادرة عدن في سبتمبر سنة 1967م حيث حصل الجنوبيون على الاستقلال، وتم إعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية أو ما يسمى باليمن الجنوبي.

عقد من الاضطرابات

مرت على الجمهورية العربية اليمنية في الشمال فترة اضطرابات بعد المصالحة وإنهاء الحرب الأهلية حتى أنه تولى رئاسة الشمال ستة رؤساء للجمهورية خلال أقل من عشر سنوات تم الانقلاب على اثنين منهم وإجبار الثالث على تقديم استقالته واغتيال الرابع ! كان آخرهم المخلوع صالح الذي شهد في بداية عهده حرباً مع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى (السنية) والتي قامت بسبب الإقصاء والتهميش وتدهور أوضاع الناس ومعيشتهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم، واستمرت الحرب حتى كادت الجبهة الوطنية أن تسيطر على الوضع إلا أن تحالفا جديدا ظهر فجأة بين النظام الجمهوري المُسيطر عليه من قبل (الزيدية) بقيادة المخلوع وبين الجبهة الإسلامية (الإخوان) أدى بالنهاية إلى هزيمة الجبهة الوطنية لأبناء المناطق الوسطى الذين تلقوا دعما من جمهورية اليمن الجنوبي آنذاك.

في المقابل مرت نفس الفترة في جمهورية اليمن الجنوبي بخلافات أقل حدة، حيث تواصلت عجلة بناء مؤسسات الدولة وإرساء النظام والقانون، بعيدا عن همجية الأطراف السياسية المتنازعة لا سيما القبلية منها، حيث تولى الرئاسة فقط رئيسين، تمت إقالة الأول وإعدام الثاني. وعلى الرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية آنذاك والأخطاء السياسية التي حدثت لا سيما ضعف السياسة الخارجية للدولة إلا أن الدولة استطاعت فرض هيبتها وتطبيق القانون وبناء مؤسسات ذات طابع علمي.

حزب المؤتمر ونظام الحزب الواحد

على الرغم من الخلافات في الشمال إلا أن الوضع استدعى بناء تحالف أنتج حزبا سياسيا سمي بالمؤتمر الشعبي العام في عام 1982م بقيادة المخلوع صالح. حزب المؤتمر (الحكومي) الذي فاز في جميع الانتخابات ! وقام بتشكيل جميع الحكومات في عهده. هذا الائتلاف ضم كلا من المخلوع وقيادات الدولة، الجبهة الإسلامية (الإخوان)، البعثيين، الناصريين، الاشتراكيين، الجناح الديني الزيدي، وكذلك الجناح القبلي المقسم بين الأطراف المذكورة أعلاه وأصبح الشمال محكوماً بنظام الحزب الواحد ولكن بصبغة ديمقراطية، واستمر نظام الحزب الواحد حتى إعلان الوحدة اليمنية. الطبيعة المعقدة للتحالف الذي تم تكوينه أدت إلى تناقض إيدولوجي وعملي في أداء الحزب ونزاهته ووطنيته منذ تأسيسه. أما في الجنوب فقد انتهجت الدولة أيضا سياسة الحزب الواحد (الحزب الاشتراكي) والجو التنافسي داخل الحزب على تقديم الخدمات والعمل المدني والنقابي.

الوحدة اليمنية

كان للوضع الاقتصادي المتردي في الجنوب دور رئيس في ضعف منظومة الدولة بشكل عام وهذا الوضع الاقتصادي المتردي كان نتيجة طبيعية للتوجه العالمي نحو نظام دولي أحادي القطبية بقيادة المعسكر الغربي، وهذا ما سبب حصارا اقتصاديا على الدول ذوات النظم الاشتراكية آنذاك، حيث كانت دولة الجنوب إحدى هذه الدول. وهذا لا ينفي وجود عوامل أخرى منها أحداث يناير 1986م التي اغتيل فيها بعض قيادات الدولة، وكادت أن تتحول لحرب أهلية، بالإضافة إلى سقوط الاتحاد السوفييتي. كل هذه العوامل وغيرها سرعت بإعلان الوحدة اليمنية كحل يخدم الدولتين في الشمال الذي لا يملك موارد ومقومات والجنوب الذي يعاني من حصار اقتصادي بسبب شكل وطبيعة وتوجه النظام السياسي. بادر الجنوبيين بالسعي إلى الوحدة، حيث قوبل ذلك السعي برفض بعض الأطراف في الشمال لا سيما التيار الديني إلا أنه سرعان ما اختفى ذلك الرفض حتى أصبحت الوحدة مطلبا لدى الجميع في الشمال! ولم يكن يعلم أحد أن هناك اتفاقا سياسيا خفيا ونية مبيتة بين المخلوع والجبهة الإسلامية (الإخوان) تجاه الوحدة والدولة الجديدة، حيث لم تظهر معالم تلك الاتفاقات إلا بعد الوحدة الإندماجية التي أعلنت في الثاني والعشرين من مايو من العام 1990م. وأصبحت الدولتين بموجبها دولة واحدة تحت مسمى (الجمهورية اليمنية).

تفريخ حزب المؤتمر

اتفق الحلفاء المؤسسون لحزب المؤتمر الشعبي العام في الشمال اليمني على إعادة هيكلة أنفسهم بعد الوحدة مباشرة بما يتطلبه الوضع، فبقي المخلوع يرأس ويقود حزب المؤتمر وذهب حليف المخلوع الأول عبدالله بن حسين الأحمر والذي يعتبر أحد مؤسسي حزب المؤتمر إلى تأسيس حزب الإصلاح (جماعة الإخوان المسلمين) أو ما يسمى سابقا بالجبهة الإسلامية وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من إعلان الوحدة كجماعة منفصلة أو منشقة من حزب المؤتمر «دون أسباب» تُذكر! وأرى أنه من الغريب جدا أن يذهب أحد مؤسسي حزب المؤتمر ذو الأفكار التحررية إلى تأسيس حزب أصولي بأفكار جديدة ومختلفه تماما لولا أن هناك اتفاقا سياسيا بين الطرفين. وجميعنا يعرف أن هناك بذرة أصولية في توجه الجبهة الإسلامية (الإخوان قبل الوحدة) وهذا ما جعل المخلوع يبادر بتأسيس حزب لهم وإدارته من خلال أحد أذرعه وأهم حلفائه، وبذلك يبقيهم تحت عباءته وما يثبت ذلك الاتفاق والتحايل المشترك بين المخلوع والإخوان على الوطن الجديد هو أن الإخوان (حزب الإصلاح) قد فاز في أول انتخابات بعد تأسيسه ليحصل هذا الحزب على ثاني أكبر تكتل سياسي في البرلمان اليمني ! وكيف يستطيع حزب أن يحصل على هذا الترتيب وهذه النتائج في غضون عامين من تأسيسه وبدون أن يُطلع الشعب بشكل كاف على برنامجه ولم يتسنَ له حتى أن يقوم بتقديم أي خدمات للشعب. وفي هذا دليل آخر على أن ميزانية حزب المخلوع وحزب الإخوان واحدة والبرنامج واحد والاتفاقات والتآمر على اليمن واحد والقاعدة الشعبية للحزبين واحدة منذ البداية. وما كانت هذه العملية التأسيسية والتحالف الذي تلاها بين الحزبين إلا ارتداءً لثوب التعددية السياسية وكجزء من برنامج التآمر على الوطن.

زرع بذرة الحوثيين

كان المخلوع أذكى من الجميع فعلى الرغم من تحالفه الكامل مع الإخوان وقيادة حزبهم (الإصلاح) المنبثقة أساسا من حزب المؤتمر الشعبي العام بهدف القضاء على التيار الاشتراكي إلا أن المخلوع يبحث عن بذرة لتيار جديد قد يحتاجه يوما ما ليضرب به تيار الإخوان الذين بدؤوا يقاسمونه فساد السلطة وسرقة المال العام، فوجد المخلوع ضالته في مساعدة التيار اليميني «الزيدي» المتشدد. وهكذا تم تأسيس جماعة الحوثيين بعد تأسيس حزب الإخوان (الإصلاح) بعامين تحت مسمى «الشباب المؤمن» بقيادة حسين بدر الدين الحوثي الذي قتل على يد ضابط في الجيش اليمني من محافظة لحج الجنوبية.

تقاسم الكعكة

تم للمخلوع ما يريده، وتطور الأمر حتى بلغ قيام الحلف المكون من «المخلوع والإخوان» بسلسة من الاغتيالات «الشهيرة» لقادة جنوبيين وخاصة العسكريين منهم، حيث تجاوزت أعدادهم المئات بالإضافة إلى عمليات نهب ضخمة للأراضي والأملاك الخاصة والعامة في عدن والمحافظات الجنوبية. صاحب هذه العمليات تعطيل متعمد لمؤسسات الدولة السابقة وتهميش للعامة وتسريح جماعي من الوظائف لا سيما العسكرية منها. والأخطر من ذلك أن المخلوع وحزبه والأحزاب المتحالفة معه خالفوا وانتهكوا المواد المتفق عليها والتي قامت على أساسها الوحدة عندها أحس الجنوبيون بأنهم تورطوا مع منظومة فساد لا يمكن الفكاك منها بسهولة. وبمجرد أن أظهر الجنوبيون نيتهم في التخلص من كل هذه المشاكل أظهر المخلوع وجهه الحقيقي بكل تفاصيله. الجيش قد تم هيكلته، حيث تم نقل أهم معسكرات الدولة الجنوبية إلى العمق الشمالي الموالي للمخلوع والإخوان، حيث لا حاضنة لهذه المعسكرات سوى قبائل لم تعرف النظام يوما ما، الدولة ضعيفة منهكة والكثير من القادة تم اغتيالهم بما في ذلك ابن الرئيس الجنوبي نفسه! المخلوع جاهز للمرحلة الأخيرة من احتلال الجنوب بشراكة إخوانية زيدية. الحرب ولا غير الحرب التي يتوقف إعلانها على قيام الجنوبيين علنا بالمطالبة بحقوقهم، وبمجرد أن حدث ذلك أعلن المخلوع حربه في صيف 1994ضد (الشيوعيين) و(الرجعيين) كما كان يسميهم، وقام كبار رجالات الدين التابعون للإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) بإصدار الفتاوى الشرعية التي أعلنت صراحة أن دماء الجنوبيين وأموالهم «حلال» كونهم خرجوا من ملة الإسلام ! وللتقريب والتبسيط من أجل أن يفهم القارئ منهم (الشيوعيين) و (الرجعيين) الذين كان ينعتهم المخلوع بهذه التسميات وغيرها، هم أبناء «عدن» الحرب والسلام، عدن التاريخ التي قاومت الحوثيين والمخلوع والإخوان ومشروعهم الإيراني مؤخرا، نعم إنهم أبناء عدن والمحافظات الجنوبية التي طالما عبث بهم المخلوع والإخوان والحوثيين ظلما وعدوانا. وهكذا استمر الوضع حتى تمت هزيمة الجنوبيين بصواريخ الطائرات والصواريخ البالستية في هجمة شرسة لا رحمة فيها تشابه في أسلوبها الهجمة الأخيرة في عام 2015 وبعد ذلك تم تقاسم الكعكة «الجنوب» أرضا وموارد بين المتنفذين في الشمال سواء المخلوع أو علي محسن الأحمر أو حزب الإصلاح «الإخوان» وغيرهم حتى حدث شرخ اجتماعي وسياسي وقانوني في الوحدة اليمنية لا يرى بعض الجنوبيين له من حل إلا بشكل جديد للدولة يضمن لهم ألا يحكمهم المخلوع أو الإخوان.

بناء منظومتي الجيش والمال

بعد القضاء على الجنوب وإخماد أي صوت يطالب بحقوقه. تقاسم المخلوع والإخوان السلطة ومقدرات الدولة فكانت جميع المؤسسات الحكومية مقسمة بينهم بما في ذلك مؤسسة الجيش. فمثلا كانت هناك قوات الحرس الجمهوري والأمن المركزي، تتبع مباشرة لأسرة المخلوع وحزبه (المؤتمر) وهناك بالمقابل ألوية عسكرية تتبع قيادة الفرقة الأولى مدرع، وهذه الألوية تتبع الجناح العسكري لجماعة الإخوان (حزب الإصلاح) بقيادة علي محسن الأحمر. وحتى على مستوى الاتصالات والنفط كانت هناك شركات (للمخلوع) وحزبه (المؤتمر) تعمل في مجال النفط والاتصالات، ويقابلها شركات للجناح المالي لحزب الإصلاح بقيادة (أبناء مؤسس الإصلاح آل الأحمر) بالإضافة إلى تقاسم البنوك والأراضي وحتى سلطات الدولة الرئيسة وهكذا قام الجميع ببناء نفسه وحزبه ماليا وعسكريا وسياسيا وقد صاحب هذه العمليات بناء أجهزة تعتني بإشعال الفتن والحروب بين القبائل لإشغالها بنفسها انطلاقا من قاعدة «فرق تسد» واستمر الأمر على ما هو عليه نحو عقد ونصف من الزمن. بعد ذلك شعر المخلوع بحاجته إلى البذرة التي زرعها قبل 15 عاما (الحوثيين) فبدأ بمحاربتهم ودفع بالقوات التي تتبع الإخوان بغرض أن يقوم الطرفان بتدمير بعضهم البعض ولكن دون جدوى كونهم شركاء، ويعرفون أساليب بعضهم البعض. رأى المخلوع بدلا من ذلك، إن هناك حاجة لإرسال بعض القيادات العسكرية الجنوبية التي لم يطالها الاغتيال بغرض التخلص منها في صعده، إلا أن النتيجة كانت صادمة بالنسبة له، قاد المعارك (ثابت مثنى جواس) ضابط من محافظة لحج الجنوبية، فقاتل الحوثيين حتى ظفر بمؤسس حركتهم حسين بدر الدين الحوثي فقتله، وقضى على شر مستطير، فكافأه المخلوع بأن سرحه من عمله كقائد عسكري! وبقي الحوثيون بعدها ورقة، يستخدمها الإخوان والمخلوع ضد بعضهم البعض. حتى العام 2011.

حراك شعبي في الجنوب

في يوليو 2007 ضاق الجنوبيون ذرعا من الوضع المتردي الذي يعيشونه. فبدؤوا بالمظاهرات السلمية رافعين أعلام دولتهم قبل عام 1990. عندها شعر الجميع في صنعاء بخطورة الأمر فتناسوا خلافاتهم – على الأقل فيما يخص الجنوب – فبادروا إلى القضاء على تلك الأصوات من خلال اختراقهم بوساطة خلاياهم ومن يتبعهم هناك في (المؤتمر) و (الإصلاح) فأضعفوهم واغتالوا بعض قياداتهم تحت اسم (القاعدة) التي أسسوها بغرض إرهاب الناس في عدن والمحافظات الجنوبية ومن أجل إيهام العالم بأن أي أصوات نشاز في الجنوب هي (لتنظيم القاعدة) لا غير ويجب القضاء عليها. بكل الطرق وبشتى الوسائل عمل الجميع على إخماد الجنوبيين غير أنه لم تكن هناك اي جدوى لذلك لأن الحاضنة الشعبية كبيره لمن يرفعون أعلام الانفصال من نظام المخلوع والإخوان. واستمر الوضع على ما هو عليه «سلميا» حتى تحول إلى كفاح مسلح عندما اجتاح المخلوع والحوثيين بمباركة الإصلاح مؤخرا عدن فحدث ما حدث من تحرير ومحاربة للطرفين في 2015 حتى يومنا هذا. وما زال معظم الجنوبيين يرون أن الحل يكمن في التخلص من المخلوع وحزبه ومن الإخوان وحزبهم.

الربيع اليمني والخيانة

في منتصف شهر يناير عام 2011 قام مجموعة من الطلبة بالتظاهر مطلقين عبارات تنديد ومطالبين المخلوع بالرحيل، واستمرت مظاهراتهم دون تدخل الأحزاب الأخرى حتى أُستُخدمت ضدهم القوة. وبعد أكثر من شهر على استمرار المظاهرات أعلنت أحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسها حزب الإصلاح الانضمام إلى هذه الاحتجاجات. وفي تقلبات سريعة للأحداث والتحالفات أصبح الحوثيون حلفاء للإخوان وأحزاب اللقاء المشترك في الميدان ضد المخلوع ! وكان للمخلوع أيضا مظاهراته وأنصاره في ميادين أخرى. كانت جميع رموز النظام مُطالبة بالرحيل إلا أن الوضع اختلف عندما ركب الإخوان (حزب الإصلاح) وحلفائهم الموجه فأزالوا بعض الأسماء الموالية لهم من قائمة المُطالب برحيلهم من رموز الفساد. مثل إزالة اسم قائد الجناح العسكري للإخوان علي محسن الأحمر الذي أعلن انضمامه للاحتجاجات بعد أكثر من شهرين.

المدنيون الأبرياء يعتقدون أنها ثورة حقيقية بهدف إسقاط المخلوع لكن الحقيقة هي أن الأحزاب التي ركبت الموجة وسلبت الثورة قد استخدمتها لتقوية مكانتها وتثبيت أركانها وزيادة نسبتها ونصيبها من «كعكة» الوطن فهم يعرفون أن المخلوع شريك أساسي ولهذا قبلوا بمقاسمته السلطة على أن يكون لهم نصف الحكومة. وهكذا تغير الشكل الخارجي للنظام، ولم تُهدم أركانه ولم تتغير مضامينه وأصبح الأمر مناكفات ومنافسات بين شركاء الفساد وأربابه.

تحالف السلام والحرب

جاءت المبادرة الخليجية لإنقاذ البلاد وإخراجها إلى بر الأمان وبعد مفاوضات طويلة وافق الجميع عليها إلا أنها كانت بالنسبة لهم مجرد وقت إضافي لترتيب أنفسهم لمعركة على الأرض وعلى هذا الأساس تبدلت خريطة التحالفات، وحدثت الاشتباكات والحروب في مناطق خارج صنعاء بين الأطراف كجزء من تصفية الحسابات وإيذانا ببدء الحرب. تحالف المخلوع مع (الحوثيين) حلفاء الإخوان في المظاهرات! والإخوان بدورهم خذلوا الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي وفضلوا عدم مواجهة المخلوع والحوثيين على الرغم من قوتهم العسكرية التي يملكونها وإرثهم القبلي في الشمال اليمني متحججين بأنهم ليسوا هم الدولة ليدافعوا عن الوطن بمعنى أنهم لن يدافعوا عن الوطن وكرامة الوطن إلا إذا تسلموا مقاليد السلطة بشكل كام ! وبالتالي بانت الصورة الحقيقية للدولة المقسومة من أول يوم بين المخلوع ومن والاه والإخوان ومن والاهم. هرب الإخوان بكل مكوناتهم، وسُلمت المحافظات الشمالية على طبق من ذهب للحوثيين والمخلوع (التحالف الزيدي) وأكملوا طريقهم ظلما وعدوانا إلى الجنوب ومأرب ليلاقوا هناك أبناء الأرض من دون ناصر ينصرهم ولا معين يعينهم فاستبسلوا في الدفاع عن أنفسهم وعرضهم وكرامتهم وعن شرعية رئيسهم عبدربه منصور هادي دون مشاركة من الأحزاب والقوى المتنفذة. حتى سخر الله لهم إخوانهم في الدين والمصير والعروبة قادة الحزم والعزم فكان ما كان من العون والمدد حتى تحقق لهم النصر المبين، واستردت الكرامة وتم طرد الميليشيات الغازية التي لا تعرف إنسانية ولا عُرف ولا قانون. استبسل أبناء عدن بعد أن أشعل رجال الضالع شرارة الحرب وسطر الأبطال في كل مكان وكل زاوية بطولات تروى وتكتب بماء الذهب وبجانبهم رجال الخليج الشرفاء الذين سطروا اروع أنواع البطولة والفداء، وكتبوا بدمائهم الزكية على أرض الوطن «نحن أهلها».

وفي الأخير

هذا غيض من فيض، ورؤوس أقلام عن فترة مرت ونجني ثمارها ونعيش تبعاتها آملين أن يكون الوضع الحالي آخر فصول هذه المرحلة من التاريخ. هذه الحقيقة المرة وهذا هو الواقع الذي دمر الطريق أمام أقدام اليمنيين التواقين للوصول إلى بر الأمان. وفي الأخير فان العقلية الباراغماتية التي طالما حددت أفعال الأطراف السياسية اليمنية وصنعت تاريخها السياسي السيئ والتي شاركت المخلوع فساده ستظل كما هي عليه دون تغيير أو تبديل لأن هذا ما جُبِلت عليه. لهذا، لا بد من إيجاد شكل مناسب للدولة، يضمن بشكل مؤكد عدم سيطرة المخلوع والحوثيون والإخوان على مفاصل الدولة لأن المشكلة تكمن فيهم وفيما أنتجوه طيلة العقود الماضية من مصائب وكوارث عصفت بأجيال متتالية إذ لا يمكن تجريب المجرب والمؤمن لا يلدغ من جحر عشر مرات وما أقول إلا كما قيل أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، ونحن أصحاب حق وإني لأرى حاجتنا للسيف أقرب من حاجتنا إلى الكلام مع مثل هؤلاء، وكما قيل أيضا فإن السلاح قبل الكفاح، لأن كل ما هو مخالف اليوم، ويقف ضد الوطن والشرعية وضد المشروع العربي هو من صنيعتهم وبرعايتهم. غير أن هذا كله لا ينفي قدرتنا على بناء أنفسنا ومستقبلنا وصناعة المدنية والسلام، إذ يقول مارتن لوثر «إن كل خطوة لتحقيق العدالة تتطلب تضحية ومعاناة ونضالاً وهناك أفراد يكرسون حياتهم لهذا دون كلل أو ملل وبعاطفة جياشة». ولدينا في الوطن ما يكفي من الشرفاء.

* طالب العلوم السياسية بجامعة الإمارات

أخبار ذات صله