fbpx
هل على اليمنيين انتظار محادثات الكويت؟

باسم فضل الشعبي

في 18 ابريل الجاري تقرر عقد المؤتمر الثالث للمحادثات اليمنية، بين السلطة الشرعية والانقلابين، في الكويت،في العاشر من الشهر نفسه، من المتوقع أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ من قبل جميع الأطراف، في مسعى لحسن النوايا، وتهيئة بيئة صحية للمحادثات.
يأتي المؤتمر الثالث للمحادثات اليمنية، في ظل متغيرات عديدة جرت على الأرض اليمنية، وعلى المسرح السياسي، الأمر الذي يجعل اليمنيين ينظرون بعين المتفائل لمحادثات الكويت المرتقبة، على عكس المؤتمرين السابقين الذين انعقدا في جنيف في الفترة ما بين يونيو ونوفمبر من العام الفائت 2015وتكللا بالفشل،بسبب تعنت الانقلابين، ورفضهم الالتزام بتنفيذ القرار ألأممي 2216 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، في 14 أبريل 2015،والقاضي بانسحابهم من المدن اليمنية التي يحتلونها، وتسليم السلاح إلى السلطة الشرعية، وإطلاق سراح المعتقلين، وتحول جماعة الحوثي إلي حزب سياسي.
قبل خطوة ذهاب الحوثين إلى المملكة العربية السعودية طلبا للسلام،طالبت الجماعة بإجراء تعديلات في القرار ألأممي المذكور كشرط للالتزام بتنفيذه، وهو الأمر الذي رفضته المملكة العربية السعودية، والسلطة الشرعية اليمنية، وأعلنتا تمسكهما بتنفيذ القرار كشرط لنجاح المحادثات القادمة، ولأي حل سياسي قادم في اليمن.
اللافت أن جماعة الحوثي أرادت من تعديل القرار حذف بعض بنوده، لاسيما المتعلقة بتسليم السلاح للدولة، لأن ذلك يتعارض مع تكوينها كحركة مسلحة، انتهجت الحروب منذ وجدت نفسها على الطبيعة السياسية اليمنية، في الوقت الذي ترى عدم قدرتها على تحقيق طموحاتها السياسية في الوصول إلى السلطة، من دون الاحتفاظ بالسلاح واستخدامه ضد خصومها، ما يمكنها من تحقيق أهدافها، لكن هذه النقطة الشائكة، يرى اليمنيون أنها بمثابة المعضلة الرئيسية التي أوصلت اليمن إلى ما هو عليه من احتراب واقتتال، والمتمثلة في احتفاظ الجماعات السياسية بالسلاح خارج سلطة الدولة، وتحولها إلى مليشيات عسكرية مسلحة، لطالما أعاقت بناء الدولة اليمنية لسنوات عديدة، وقادة البلاد إلى الحرب الأهلية، بحثا عن السلطة والنفوذ والهيمنة،لذا فإن من أهم وأبرز الشروط الواقعية لبناء الدولة الاتحادية في اليمن، هو تخلي الجماعات السياسية عن السلاح لصالح الدولة، التي يفترض أن تكون هي المحتكر الأول والأخير، للعنف والقوة.
ومن هنا فإن المتغيرات العسكرية التي جرت على الأرض خلال الأسابيع الماضية، قد أنست جماعة الحوثي طلبها بإجراء التعديلات على القرار ألأممي، ورمت بها منفردة، وفجأة في حضن المملكة العربية السعودية، الراعي الرئيسي للتحالف العربي، وعاصفة الحزم، في صورة تشبه الاستسلام، مغلفة بطلب السلام، خصوصا بعد الخسائر الكبيرة التي منيت بها الجماعة، على الصعيدين العسكري، والسياسي، بعد تحالفها مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
لذا فإن هناك الكثير من المتغيرات، التي تجعل مؤتمر محادثات الكويت القادم، مختلفا عن سابقيه في جنيف، وتزيد من فرص نجاحه، ويمكننا ذكر أبرز هذه المتغيرات:

الانتصارات العسكرية للشرعية والتحالف

يرى مراقبون ومحللون سياسيون أن الانتصارات العسكرية التي حققتها قوات الشرعية اليمنية، بمساعدة التحالف العربي، في الفترة الأخيرة، عززت من حضورها على الأرض، على الرغم من الانتقادات العديدة التي توجه لها بسبب الأخطاء التي ترتكبها، ويستغلها خصومها لتعزيز حضورهم، وتحقيق بعض المكاسب هنا وهناك، إلا أن تمكن قوات الشرعية من تحقيق انتصارات في جبهة مدينة تعز، وفك الحصار على المدينة، ووصولها إلى منطقة نهم 25كيلو شرق العاصمة صنعاء، بالإضافة إلى الانتصارات التي حققتها القوات السعودية على الحدود مع صعدة معقل الحوثين، كل ذلك كان من ضمن الأسباب المنطقية، التي دفعت الحوثين لاتخاذ خطوة منفردة عن حليفهم الرئيس السابق علي صالح، بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية، طلبا للسلام، وقد تكللت تلك الخطوة، بالاتفاق مع الجانب السعودي، على إيقاف المعارك على الحدود، ومباشرة عمليات الإغاثة إلي محافظة صعدة، المركز الديني والسياسي للحوثين،وتبادل الأسرى بين الطرفين،وطلب جماعة الحوثي من المملكة إحلال سلام دائم، مقابل التزامها بتنفيذ القرار ألأممي، وضمان حصولها على حصة في التسوية السياسية المرتقبة.
هذا التطور السياسي اللافت في موقف الحوثين، والذي أملته الانتصارات العسكرية للشرعية والتحالف، يعد من أهم المحفزات الرئيسية، لخلق فرص نجاح أمام مؤتمر محادثات الكويت منتصف ابريل الجاري، الذي يتوقع مراقبون انه سيكون مختلف عن سابقيه، لإحلال السلام في اليمن المنهكة بالحرب، التي تدخل عامها الثاني، في ظل أوضاع إنسانية معقدة، وانتشار الجماعات المتطرفة، في عدد من المدن المحررة، لاسيما في جنوب البلاد، بهدف زعزعت الأمن والاستقرار، مما يتطلب جهود مضاعفة، من قبل التحالف والسلطات الشرعية، لمكافحتها وإعادة تطبيع الحياة المدنية فيها.
إذن الانتصارات العسكرية للشرعية والتحالف، في مناطق الحرب الدائرة، والانتصارات الأمنية في عدن، عاصمة البلاد المؤقتة، تقوي من الأوراق السياسية للشرعية، وتجعلها في الموقف القوي القادر على فرض الشروط، وحسم جولة المفاوضات لصالحها، وهو الأمر الذي يجعل اليمنيون ينظرون لمؤتمر الكويت بنظرة مختلفة، وينتظرون نتائجه، على وقع الأمل والتفاؤل.

الضغط الدولي

تمارس الأمم المتحدة، وبعض الأطراف الدولية، ضغطا مكثفا كما يبدو على جميع أطراف النزاع في اليمن، من أجل إيقاف الحرب عبر مؤتمر حوار ثالث، تتمخض عنه تسوية سياسية تمثل مخرجا من الوضع القائم.
وظل الموقف الدولي محل انتقاد دائم من أطراف النزاع في اليمن، ففيما تتهم المقاومة الشعبية والقوى المنضوية تحتها الاطراف الدولية، لاسيما الامم المتحدة، ومجلس الامن، والولايات المتحدة الامريكية، بتوفير غطاء لجرائم الحوثين وصالح في اليمن، بسبب تراخيها عن الضغط بتنفيذ القرار الاممي 2216، الصادر تحت الفصل السابع، والذي يستلزم تدخلا عسكريا دوليا في حال عدم تنفيذه، تتهم جماعة الحوثي، الولايات المتحدة الامريكية، والامم المتحدة، بدعم التحالف العربي، وعاصفة الحزم، ضدها، وضد حليفها علي صالح،في صورة أعاقت المساعي الدولية، وأضعفتها كثيرا، في إيجاد مخرج للأزمة اليمنية منذ وقت مبكر،وأظهرتها في صورة المساهم في صب الزيت على النار.
مع ذلك ظلت الجهود الدولية مستمرة في إيجاد حل للأزمة اليمنية، حيث يعقد المؤتمر الثالث في الكويت، بمقترحات وضغوط دولية، وبدأ واضحا خشية الأطراف الدولية من الحسم العسكري الذي تسعى إليه الشرعية اليمنية، والتحالف العربي، لأن ذلك سيحدث تغييرا كبيرا في المشهد اليمني، سيفقده التوازن الذي تبحث عنه الأطراف الدولية، وترفضه المقاومة الشعبية باعتباره يعيد إنتاج الانقلابين من جديد في سلطة ما بعد التحرير.
وإذا ما انسجمت الضغوطات الدولية، مع تطلعات الشرعية اليمنية، فيما يتعلق بإلزام الانقلابيين بتنفيذ القرار ألأممي، فإنه من المتوقع أن يمثل الضغط الدولي هذه المرة، عاملا مهما من عوامل نجاح المحادثات المرتقبة.

حشود الانقلابين

أخفقت الشرعية اليمنية في الحفاظ على وتيرة معركة نهم، وتقدم القوات صواب العاصمة اليمنية صنعاء، وكذا دعم الانتصار الذي تحقق في تعز بغية استكماله، الأمر الذي مكن الانقلابين من استغلال هذه الفجوة، لتوسيع رقعة الحشد الجماهيري في العاصمة صنعاء في مهرجانين منفصلين، الأول أقامه الرئيس المخلوع علي صالح في ميدان السبعين، والثاني جماعة الحوثي في منطقة الروضة، وقد جراء استغلال هذين المهرجانين من قبل الانقلابين للترويج لحضورهم في العاصمة صنعاء، بهدف لفت أنضار الإقليم، والمجتمع الدولي، للتحرك لوقف الحسم العسكري، واجتياح العاصمة، ومن ثم الضغط باتجاه حصولهم على مكاسب سياسية في المحادثات القادمة في الكويت، فقد بدأ واضحا أن جماعة الحوثي تسعى صوب الوصول إلى حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها كافة الأطراف اليمنية، بينما يسعى الرئيس المخلوع لحجز مقعد لنجله أحمد في الترتيبات الحكومية القادمة، إذ يناضل الرجل من أجل إيجاد موطيء قدم لأسرته في المشهد اليمني القادم، بعدما فقد الرئاسة عبر ثورة الشباب الشعبية في فبراير 2011 وهو ما يرفضه اليمنيون.
وأيا تكون مطالب الانقلابين في مؤتمر المحادثات القادمة، فإن التزامهم بتنفيذ القرار الأممي، يعد نجاحا كبيرا للتحالف العربي، والشرعية اليمنية، من المنظور السياسي، والعسكري.
ومن هنا فإن كل هذه المتغيرات التي أوردناها، يتوقع كثيرون أنها قد تساهم في فرص نجاح الحوار القادم في الكويت، لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن منذ عام ونيف عبر تنفيذ القرار الأممي ، وإحلال السلام الدائم ،والبدء بإعادة اعمار ما دمرته الحرب،والشروع في حل كافة الملفات السياسية العالقة، وأبرزها ملف القضية الجنوبية، وملف الدولة اليمنية الاتحادية.

 
رئيس مركز مسارات للاستراتيجيا والاعلام