fbpx
جذور التكفير ومآلاته
شارك الخبر

د. صالح العبد الله الهذلول

عبدالرحمن بن ملجم المرادي اسم يتردد كثيراً في كتب العقيدة تربى في كنف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وحضر معه صفين ، وقرأ على معاذ بن جبل القرآن والفقه ، وكان من العبّاد ، وشهد فتح مصر .

اجتمع نفر من الخوارج في مكة ، فذكروا قتلاهم في معركة النهروان غربي دجلة التي جرت بين علي والخوارج سنة 37هـ ، فقال بعضهم : لو أننا شرينا أنفسنا لله ، فأتينا أئمة الضلالة على غرة فقتلناهم ، فأرحنا العباد منهم ، وثأرنا لاخوتنا الشهداء ، ويعنون بهم الخوارج الذين قتلهم علي في النهروان . فتعاقدوا على ذلك عند انقضاء الحج، تعهد عبدالرحمن بن ملجم بقتل علي بن أبي طالب، وتعهد الحجاج التميمي بقتل معاوية وتعهد عمرو بن بكر التميمي بقتل عمرو بن العاص ،

أما ابن ملجم فنفذ جريمته بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب صبيحة اليوم التاسع عشر من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة.

وهو في حال القيام من سجوده في صلاة الفجر رضي الله عنه ، مكث بعدها ثلاثة أيام ثم مات من أثر الضربة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين للهجرة .

إنه أمير المؤمنين ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، أول من آمن به من الصبيان ، صهر النبي، زوج فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، إذا ذكرت الشجاعة والإقدام ذكر اسم علي ، واذا عُد العبًّاد العلماء ، كان في مقدمتهم.

ومع ذلك يتقرب أولئك الأشقياء إلى الله بقتله ، حتى قال شاعرهم عمران بن حطان السدوسي الخارجي مفتخراً بقتله ، ومثنيا على زميله ابن ملجم الذي نفّذ الجريمة:

يا ضربة من تقيِ ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً

إني لأذكره حيناً فأحسبه أوفى البرية عند الله ميزاناً.

إن فعل الخوارج بقتالهم أمير المؤمنين المبشر بالجنة ثم اغتيالهم إياه ، وعدّهم ذلك من أفضل القربات من أقوى الأدلة على خطأ منهج الخوارج ؛ مَن يا ترى على الحق ؟

الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، أمِ الخوارج؟

الفكر الخارجي إذاً قديم ، وليس جديداً ، وهويعتمد العنف وسيلة للتغيير، وطالما عانت الدولة الإسلامية عبر قرونها الماضية من فكر وحركة الخوارج، ولا تزال ثقافتهم وفكرهم يجد رواجاً ومعجبين ومعتنقين له للأسف رغم التجارب الكبيرة المريرة التي مرت بأمة الإسلام ، ورغم الدماء التي سالت ، ولعل من أبرز أسباب ظهور حركتهم ونشاطِها إضافة إلى غلبة الهوى والجهل: سهولة اختراق تنظيماتهم حتى أنه في عصرنا هذا نرى كيف عبثت ولعبت بهم المخابرات الدولية ، وتبنت مشروعهم ودعمتهم عسكرياً ولوجستياً وإعلامياً .

ولا مانع لدى الاستخبارات الغربية_والإيرانية تبع لها_ أن تصنع حدثاً كبيراً يكون بطله الخوارج ؛ من أجل تمكينهم، وفتنة الشباب المتوثب للجهاد بهم ، وبالتالي ضرب أهل السنة بمن ظاهرهم السنة !

وقد جرت تجارب مشابهة من هذا في العصر الحديث –أعني صناعة الأبطال – لكن المسلمين للأسف ينسون سريعاً.

وهكذا يعبث بهم أعداء الملة والدين، ويوظفونهم لخدمة مخططاتهم، حتى إذا انتهى دورهم ومهمتهم لفظوهم ورفضوهم،ولا يعبأون بأي وادٍ يهلكون.

إن خطورة المناهج التي تعتمد التكفير مبدأ، وذريعةً لقتل من يخالفهم من المسلمين، لم يعد تجمعاً وتنظيماً يقتصر على شباب متحمس فقط، إنه حلقه من منظومةِ مؤامرةٍ يقودها خصوم الإسلام التقليديون: أهل الكتاب والمجوس (فارس والروم) ، ولكنهم الآن ينفذون مخططهم القديم المتجدد بوسيلة تستهوي بعض الشباب المتوثبين للجهاد ، ممن ينقصهم العلم والفهم السديد لأحكام الشرع .

رأينا كيف أن الخوارج يبالغون في تزكيتهم لأنفسهم فقد قاتلوا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعدّوا أنفسهم أنهم أهدى منهم وأقومُ قيلاً.

ولكي تظل حركتهم وقّادة، ونشاطهم لا يفتر، فإنهم يعدّون قتلاهم شهداء، كما مر سابقاً في مؤامرتهم ومقتلهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، مما يغري الشباب بفكرهم، ويدفعهم للإقدام على قتال وقتل أهل السنة ممن يخالفهم الرأي وهذا المبدأ _أعني تكفير من يخالفهم الرأي_ ليس له ضابط معين، ولذا ربما نسمع لاحقاً كيف سيقاتل بعضهم بعضاً،ويتطاحنون،وهذا شأنهم عبر التاريخ ، وهو من مبشرات فشل المشروع الغربي في حربه للمسلمين حين اعتمد مؤخراً على الفكر التكفيري ممن ينتسبون للإسلام ،بهدف النيل من الإسلام وأهله “ليطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون”.

إن التكفير بوابةٌ سهلة، ومدخل عظيم لاستباحة الدماء المحرمة،والاستخفاف بها، “وأيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما؛ إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه “. متفق عليه.

ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم أشد النكير على صاحبه أسامة بن زيد ، وقد بعثه في مهمة جهادية ، أنكر عليه حين قتل شخصاً نطق بلا إله إلا الله، ظناً منه أنه إنما قالها اتقاءً للقتل فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:” فكيف تصنع بلا إله إلا الله ، إذا جاءت يوم القيامة “؟ رواه مسلم.

الذي قتله أسامة لم يفعل شيئاً من شرائع الإسلام إلا قوله ” لا إله إلا الله” فقط ، فكيف بمن يَقتل مسلماً يقول لا إله إلا الله ويقيمُ الصلاة ويؤتي الزكاة ويصومُ رمضان ويحجُّ البيت الحرام ، ويصل رحمه، كيف بهذه الأعمال كلها وغيرها إذا جاءت يوم القيامة خصماً أمام الله تعالى لمن سفك دم صاحبها ؟!

المسئولية عظيمة ، والتبعة ثقيلة ، وحقوق الناس مبنية على المشاحة ، وأول ما يقضى بينهم يوم القيامة في الدماء، وهناك تؤخذ الحقوق “لا ظلم اليوم ” والأداء والوفاء إنما يكون بالحسنات والسيئات فقط .

من الدروس والعبر التي نستفيدها مما سبق :

1) أن الخوارج ظاهرهم الصلاح، ودعواهم تحكيم الكتاب لكنهم ضلوا السبيل ويلخص طبيعتهم ما رواه الإمام مسلم في صحيحه ، عن زيد بن خالد الجهني أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه، وساروا إلى الخوارج، فقال علي رضي الله عنه : أيها الناس ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ، ليس قراءتُكم إلى قراءتهم بشيء ، ولا صلاتُكم إلى صلاتهم بشيء ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء ، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم…………الخ”.

2) أن الخوارج يعتمدون مبدأ العنف وسيلة للتغيير، ويبادرون للقتل عند أدنى خلاف .

3) يلاحظ أن رؤوس الخوارج _ومن بداية ظهورهم_ عرب أقحاح ؛ فأول من أحدث الخلاف بينهم نافع بن الأزرق الحنفي سنة 64هـ ، والمتتبع لأسماء قياداتهم يجدهم عرباً خلّصاً !! وهم كذلك في مختلف مراحلهم التاريخية، وحتى في عصرنا الحاضر ، وهذا لا يمنع أن تعبث بهم أيادٍ خفية ؛ لسهولة اختراقهم ! خلافاً للفرق الباطنية – بما فيهم الرافضة – فإن قياداتهم في الغالب -عبر التاريخ – أدعياء ، وغالبهم فرس باطنيون . وهذا الوصف ، وإن كان مُعتمداً عندهم إلا أنهم لا يُبرزونه لأتباعهم بل يدّعون النسب الهاشمي .حتى تنشط دعوتهم ويمتد ضلالهم. كما أن منهج الفرق الباطنية يقوم على السرية والكتمان . وهم كذلك حتى في عصرنا هذا ، ولذا يلاحظ مثلاً أن المرجع الأكبر للرافضة في العراق العربية رجل فارسي ، وعددٌ من قياداتهم فارسية الأصل ، وربما الولادة والمنشأ !

“والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون “

أخبار ذات صله