fbpx
من رام السلم فليكن مستعدًا للحرب
شارك الخبر

الدولة المسلمة ، معنية بتأمين حياة وأمن رعاياها ، ونصرة المظلومين من المسلمين ، إضافة إلى حماية دينهم وإقامته ، وإعلائه ، والدفاع عنه ، والسعي لنشره والدعوة إليه.

وأرى أن دولتنا وُفقت بقرار الملك حفظه الله ونصره ، حين اتخذ قرار عاصفة الحزم ، ثم قرار رعد الشمال بما يحمله من رسائل عدة ، من المناسب في هذا الوقت بيان مغزى مثل هذه الإجراءات في الدولة المسلمة المهددة من أعدائها من عدة جهات.

غزا الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب ثلاثين غزوة طيلة مكثه بالمدينة عشر سنين ، تنوعت أهداف تلك الغزوات حسب الظروف التي تتم فيها.

وهي في الجملة تهدف إلى مصالح عدة يمكن إجمالها بما يلي :

أولا : الاستكشاف والتعرف على الطرق المحيطة بالمدينة ، والمسالك المؤدية إلى مكة.

ثانيا : عقد المعاهدات مع القبائل التي تقع مساكنها على تلك الطرق.

ثالثا : إشعار مشركي مكة ويثرب ، ويهودها ، وأعراب البادية الضاربين حولها بأن المسلمين أقوياء ، وأنهم تخلصوا من ضعفهم القديم ، وقد يعبر عنه : بأن قواعد اللعبة قد تغيرت ! وموازين القوى تبدلت.

رابعًا : إنذار قريش ؛ علّها تشعر بتفاقم الخطر على اقتصادها وأسباب معايشها ، فتجنح إلى السلم ، وتمتنع عن خيار قتال المسلمين في عقر دارهم ، وتمتنع عن الصد عن سبيل الله ، وتتوقف عن تعذيب المستضعفين من المسلمين في مكة ، حتى يصير المسلمون أحرارًا في تبليغ دين الإسلام.

من الأمور الغائبة أو المغيبة عند البعض المنهج العسكري النبوي … فكما أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسم منهجًا دينيا قويمًا… كذلك رسم منهجا دنيويا مثله ، ولا عزل أو فصل بينهما ، فالحاكم المسلم والدولة المسلمة ، مطالبون وملزمون شرعًا بحماية دين رعاياهم ، وإقامته ، وإعلائه ، والدفاع عنه ، والسعي لنشره ، وكذا سياسة دنياهم ، وكفالة العيش الكريم لهم ، ودرء كل خطر يحيط بهم.

وقد يجهل بعض المسلمين هذا المنهج ، أو ربما تجاهله آخرون.

من المنهج النبوي العسكري في غزواته صلى الله عليه وسل ما يلي :  قد يتم الاستعداد التام للحرب ، ولا تقع ! كما حدث في غزوة الأبواء ، وتسمى غزوة ودّان (بين مستورة ورابغ) ؛ فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس هذه الغزوة في الثاني عشر من شهر صفر في السنة الثانية للهجرة ، إلا أنه لم يحدث فيها قتال ! بل عقد عقدًا أو حلفًا مع بني ضمرة من كنانة ، وهم لا يزالون على غير الإسلام ، وفي ذلك إشارة إلى مشروعية التحالفات مع غير المسلمين ؛ إذا كان الهدف منها تقوية المسلمين ونصرَهم ، أو رد الخطر المحدق بهم ، فالحسابات وقت الحرب تختلف عنها وقت السلم ، إلا أن تلك التحالفات لا تكون مفتوحة ، بل محددةً إلى أمد.

ومن أهداف غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم ، أيضًا :

أنه في أول جمادى الأول من السنة الثانية للهجرة كانت غزوة بواط قريبًا من رضوى في ديار جهينة ، وكان الهدف منها الاستيلاء على قافلة قريش التجارية المارة بتلك المنطقة ، وكان قوامها ألفين وخمسمائة بعير ، كنوعٍ من الحصار الاقتصادي وإنهاك مفاصل قوة قريش.

وفي أواخر الشهر نفسه من السنة نفسها أيضًا سار النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل العشيرة من بطن ينبع ، لكنه لم يجد عير قريش التي خرج من أجلها ، فوادع بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة.

ومن أهداف غزواته صلى الله عليه وسلم ، ترهيبُ مَنْ أراد الاعتداء على أموال المسلمين وديارهم ، ترهيبُهم بالحشود العسكرية والمناورات واستعراض القوة ، وذلك له أبلغ الأثر على نفسيات العدو ، كما حدث في غزوة بدر الأولى ، وتسمى غزوة سفوان ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من غزوة العشيرة وعاد إلى المدينة ، لم يمكث فيها إلا أقل من عشر ليالٍ ، ثم خرج لمطاردة كرز بن جابر الفهري الذي أغار على سرح المدينة ، ووصل إلى سفوان قريبًا من بدر ، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يدرك كرزًا فقد هرب ، إلا أنه مع ذلك صنع هيبة للقوة الإسلامية الجديدة في المدينة.

وقد تجري الأحداث مفاجئة للتوقعات البشرية ، ومخالفة للاستعدادات ؛ ليتعلق الناس بالله وحده (وما النصر إلا من عند الله) ، كما حدث ذلك في غزوة بدر الكبرى ، الفاصلة ، في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة ، وكان النصر حليف المسلمين ، رغم قلة عَددهم وعُدَدهم ، وعدم استعدادهم ماديا بما يتكافئ وقوة العدو.

الضربات الاستباقية هدف عسكري مشروع إذا شعر المسلمون بتجمع وحشود قوى الكفر والطغيان تهددهم ، وتسعى للفرقة بين المسلمين ، جرى ذلك في غزوة بني قينقاع ، فقد عمد يهود المدينة إلى إطلاق سيل المؤامرات والدسائس ، في محاولة منهم للقضاء على الدولة الإسلامية الناشئة ، أو تعويقِها والتشويشِ عليها ، وحاول رسول  الله صلى الله عليه وسلم التفاهم معهم ، ونصَحَهم ، وذكرهم بمصير قريش في بدر ، فسخروا منه ، ولوّحوا بقوتهم ، وخبرتهم في الحرب !!

ومن المستقر في الأذهان أن سلوك طريق الحق لا يعني عدم المصاب ، ووقوع الخسائر أمرٌ وارد جدا في الحروب ، وهي تحمل رسالة مفادها : أن ثمة تفريطا في جنب الله ، أو جنوحًا عن صراطه ! فتلزم التوبة حينئذ وتتأكد.

وخير شاهد على ذلك : ما نال المسلمين في أحد من قرح ؛ فقد كانت موازين المعركة لصالح المسلمين ، وكادت تطوى صفحات تلك الغزوة بهزيمة وخيبة أملٍ لقريش على وجه العموم !

الشيئ الذي يؤكد عليه في هذا الشأن : أنه يتعين على المسلمين ألا يتسامحوا أو يتهاونوا مع أهل الغدر ، مهما أظهروا من لينٍ ، أو تظاهروا بصورة المسكين.

غدر يهود بني النضير في ربيع الأول من السنة الرابعة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وحاولوا اغتياله ، فعُدَّ ذلك غدرًا منهم ، ونقضًا لمعاهدتهم ، الأمر الذي دعا النبيَ صلى الله عليه وسلم لحصارهم أيامًا ، ولما استسلموا أجلاهم إلى خيبر وإلى الشام.

ثمة دروس وعبر نستخلصها من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم :

أولا : تلاحق وتوالي الغزوات في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ ففي ظرف عشر سنوات قضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، غزا ما يقارب ثلاثين غزوة ، بمعدل ثلاث غزوات كل سنة.

وما ذاك إلا لأن سنة التدافع من سنن الله لا تتخلف.

والترصد للحق ، ومحاولة خنق المسلمين ، وإيذائهم لا تنفك عن خصومنا أبدًا . فلا يضجر أحدٌ مما نحن فيه الآن ، وما يُقدم عليه بلدنا اليوم من التصدي لخصومه ، وأعدائه.

وإنا لمنصورون بإذن الله.

ثانيا : للمسلمين هيبة في قلوب أعدائهم ، مستخلصة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : (نصرت بالرعب مسيرة شهر) ، فما أن يتحرك المسلمون ، ويتململوا إلا ويتخبط أعداؤهم ذعرًا منهم وخوفًا.

ثالثا : من أراد السلم ، فليكن مستعدًا للحرب ! فالعدو لا يرحم ؛ إما باطني رافضي يتميز من الغيظ ، أو يهود ونصارى تجرعوا كؤوس الهزائم من المسلمين ، فهم اليوم ينتقمون.

أخبار ذات صله