fbpx
ما مصير مسلمي بلجيكا؟
شارك الخبر

كتب – نويد أحمد:

خلّفت الهجمات في المطار ومحطة القطار في بروكسل 34 قتيلاً وعشرات الجرحى. وإلى حد الساعة، تم الكشف عن ستة اعتقالات، والبحث جار عن متّهمين جدد. لكن السؤال هو: لماذا لم يجد الإرهابيون حرجاً من تنفيد هذه الهجمات في بروكسل؟ وما مصير مسلمي بلجيكا ذوي الأصول المسلمة بما فيهم العرب، والأتراك، والباكستانيون، والأفارقة؟ علينا أولاً أن نلقي نظرة، ولو مقتضبة، عن هذا البلد وعن عاصمته التعدّدية.
ليست القناة وحدها التي تفصل شرق بروكسل عن غربها، فلدى عاصمة أوروبا السياسية والثقافية ما يكفي ويزيد من خطوط الصدع أكثر من المعتاد. هذه المدينة التي تضم 1.4 مليوناً من السكان عالم مصغر للاختلافات اللغوية الموجودة في القارة الأوروبية، فسكان الشمال يتكلمون الهولندية، وسكان الجنوب الفرنسية، وسكان الجنوب الشرقي الألمانية. ولذلك، ليس من الغريب أن يكون لهذه الطبقات المعقّدة التي تخيم على العاصمة البلجيكية حظ من المسؤولية في سلسلة الهجمات الإرهابية منذ 2014.
ينتقد كثيرون بلجيكا، ويصفونها بدولة فاشلة، وقد حاول الإعلام التقليل، بلباقة، من حدّة السخرية التي صدرت من أكاديميين وسياسيين. ورجوعاً إلى 1998، فقد سبق لكل من كريس ديشور وليفن ديونتر أن حذّرا بلجيكا في عملهما المتميز “إلى أين تذهب بلجيكا”؟
وبحكم النظام الفيدرالي، أصبح البلد ملعبا لحركاتٍ عديدة، مشروعة وقديمة، وأيضاً لعديدين من عناصر مافيا السلاح والمخدرات. ومثلاً، أضحت ضاحية مولينبيك في بروكسل اليوم موضعاً للراديكالية في عاصمة كوزموبوليتانية. وهذا ما كانت عليه ضاحيتا بريكستون في لندن، وبروكلين في نيويورك، من حيث نسبة الجرائم، والتعددية، والاغتراب.
بدأت هذه المنطقة الإدارية، والتي تضم حوالي مائة ألف من السكان، ويشكل المسلمون منهم 40%، وهم مهاجرون أتراك ومغاربة قبل نصف قرن، ثم هاجر إليها مسلمون من أصول شمال إفريقية، وعراقية، وسورية، وباكستانية. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الأوروبية تبالغ في وصف المنطقة بالمحظورة، إلا أن نسب البطالة هناك مرتفعة إلى حدود 40%، كما أن البنى التحتية قديمة، والأسواق ضعيفة. وكنت قد زُرت المنطقة سنة 2006، وعند مشاهدتي، الآن، مقاطع الفيديو الحديثة عنها، أكتشف أن لا شيء تغير هناك إلى الأحسن. وعند المقارنة، يبدو حي هارلم في نيوروك أحسن حالاً من “مولينبيك” بكثير.
لدى الجالية المسلمة في بلجيكا مرارات من البطالة والتمييز والهويات المنقسمة. وقد فرضت البلاد حظراً على الحجاب الإسلامي، مثل البرقع والنقاب، في الأماكن العمومية سنة 2012. وبهذا الإجراء، زادت نسبة اغتراب الجالية المسلمة عن الأغلبية الكاثوليكية. ويبدو، أن الجناح اليميني في أوروبا يعمل بشكل متهور أكثر منه عقلانياً.
في غالب الأحيان، تنتهي الانتخابات بتسوياتٍ سياسيةٍ، تحاول تشكيل تحالفاتٍ، ينتج عنها تداول

للسلطة. لكن، للأسف، وعوض تطوير حسٍّ للوطنية، أصبحت بلجيكا أقل حزماً في بلدٍ تسيطر عليه الانقسامات في المناطق وفي اللغات. أما البيروقراطية المفرطة فتتغذّى على الضرائب الثقيلة (والسخيفة)، والتي واجهتها المافيات بالفساد والتهرب الضريبي. وتحاول المحاكم ببطء، وبشق الأنفس، الحسم في المسائل الملحّة، في حين أن البنية التحتية الأمنية ضعيفة جداً. فعلى سبيل المثال، لا يزال نقص 150 من ضباط المخابرات الذين تم تحديدهم تزامناً مع هجمات “شارلي إيبدو” في باريس قائماً. أما قوة مخابراتها فتبلغ 600 مسؤول مع 50 آخرين، تحت التدريب.
وعلى الرغم من التشويه الذي يطاول بلجيكا بسبب مشكلاتها الدستورية والهيكلية التي تتسبب بها البيروقراطية المفرطة، وكذلك عدم وجود إصلاحات في النظم القضائية والسياسية، فإنها تستعد لتحدّي الإرهاب وجهاً لوجه.
وتضج عاصمة الاتحاد الأوروبي بمطالب قادة الجناح اليميني بشأن إنهاء فتح الحدود المفروض، بمقتضى اتفاق “شنغن”، والتعامل مع التطرف الإسلامي بقبضة من حديد. وتتعالى الدعوات إلى القومية المفرطة والإقصاء العنصري والديني من ماركو سينتينيو، العضو الشمالي للجناح اليميني الإيطالي، ومارين لوبان، رمز اليمين المتطرف الفرنسي، ومايك هوكيم، الناطق باسم “حزب استقلال المملكة المتحدة”، ثم لامس بيلانغ البلجيكي.
ومع حالة التحصُّن والتأهب في البلاد، فقد تعهد وزير الداخلية البلجيكي، يان جامبون، بتطهير “مولينبيك”، والتي يُفترض أنها مهد التطرف الإسلامي على نطاق واسع. وتشن فرق أمنية مسلحة غاراتٍ، وتهدد بالسلاح وبإجراء عمليات تفتيش في غالب الأحيان. ولا يحدث هذا في “مولينبيك” فقط، بل في جميع أنحاء البلاد. كما أن أفراد الأمن لا يقدّمون أي اعتذار لانتهاكهم خصوصية النساء ومضايقة الأطفال والشيوخ عند انتهائهم من عملية التفتيش. وتعدّ هذه العملية العسكرية المبنية على افتراضات مفادها أن هؤلاء المواطنين “يدعمون الإرهابيين سرّاً” و”متورطون جميعاً في مؤامرة بشكل أو بآخر” استراتيجية من الخطير اعتمادها. لكن، يبدو أنه ليس لدى بلجيكا أفكار أُخرى. حان وقت توقف الساسة البلجيكيين المنقسمين عن التهكم والإهانات.
بالإضافة إلى ذلك، تعيق مستويات في الأجهزة والسلطة، وكذا تعدد اللغات الرسمية للبلاد، تدفق المعلومات بين المحققين. كما لا يمكن تطبيق نماذج ما بعد أحداث “11 سبتمبر” التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية، ولا أحداث “7 يوليو” في المملكة المتحدة هنا أيضاً. وعلى نقيض فرنسا، حيث يندمج المسلمون بشكل متكامل جداً، ويلعبون دوراً كبيراً في الحفاظ على الأمن وجمع المعلومات الاستخبارية، تحتاج بلجيكا إلى بعض الوقت للوصول إلى ذلك. إنها تواجه خطراً محتملاً، فعمليات البحث عبر الحدود والاعتقالات الواسعة النطاق والترحيل الجماعي كلها عوامل تزيد تهميش الأقليات العرقية والدينية الفقيرة.

 

العربي الجديد

أخبار ذات صله