fbpx
في ” دلتا أبين ” يرحلون دون ضجيج.

بقلم / أحمد الربيزي

دمعة في وداع الراحل “محمود العوسجي” :

هكذا هم الشرفاء (العزيزين) يرحلون دون ضجيج، يودعون الحياة دون ان يلتفتون كي يلوحون بايديهم للواقفون في وداعهم، يتسربون من بين أيدينا كالنسائم العبقة بريحة الأرض وشذاها، كالطيب يتبخرون لكن روائحهم العطرة عالقة في اذهاننا، روائحهم الزكية عالقة في تاريخ بلدنا. آهاً..! ما أقساك ياشبح الموت عندما تختارهم بعناية لتحملهم الى الدار الآخرة وتتركنا بحسرة فقدانهم.

واحداً من هؤلاء الشرفاء المناضلين هو الفقيد “محمود العوسجي” الذي أختارته الأقدار من بين أهله الطيبين في منطقة “ألدرجاج” في محافظة أبين المكلومة الجريحة،  “العوسجي” رحل منذ أكثر من (45 يوماً) دون ان نعلم الا من خلال صفحات مقرؤة منسية لصحيفة عثرت عليها بالصدفة، ومن ساعتها وانا أغالب نفسي بين مصدقاً ومحتاراً ولائماً نفسي، وحزيناً مرتين لفقدان العزيز محمود ولعدم علمي الا بعد أكثر من شهر ونصف.

“العوسجي” زميل قديم من أيام الجندية في القوى الجوية في بداية الثمانينات من القرن الماضي وفوق زمالته ربطتني به علاقة أخوية عميقة وصداقة حميمة لازلت اتذكر أيام (الزمن الجميل) لكرة القدم  الجنوبية وهو من أشد مشجعي نادي (حسان) حينما كان في أوج تألقه وكان يحكي لي على نجوم الكرة في دلتا أبين وكنا نذهب في أيام التنافس الشديد بين فريقي التلال وحسان في الدوري العام لمشاهدة مباريات ميدان الحبيشي، وقبل المبارة يقول لي هامساً ونحن في المدرجات مع بدأ إنطلاقة المباراة : ” جاهزين فريق حسان اليوم ومكتمل التشكيلة أبشر يابن الربيزي سيرفعوا رؤوسنا عيال السوداء “.

للفقيد محمود العوسجي أخلاق عالية تجبرك على أحترامها وله قلباً أخضر كسهول دلتا أبين الخضرا  على مدار السنة، ويمتاز بالشهامة كغالبية أبناء الدلتا يجمعون بين شجاعة الريفي وثقافة المدينة. الله يرحم الفقيد “العوسجي” فلا تفارق مخيلتي ضحكته المميزة و(المحبوسة) التي يجعلك تشعر انه لا يطلق لها العنان، والتي لازمته مدى الحياة ولاحضتها كما كانت في آخر يوم التقيته في مخيمات الاعتصام في ساحة العروض في نهاية عام 2014م محمود العوسجي الذي خرج مناضلاً لم يكن مفاجئ لي حين التقيته في 27 / أبريل 2008م في زنجبار مشاركاً ضمن مجموعة كبيرة جاؤوا من قرى الدلتا، وكان حينها أغلب قيادات الحراك الجنوبي في المعتقلات كان الجو متوتر جدا وجنود الاحتلال اليمني (الأمن المركزي) يحيطونا من كل جانب وكنا نتوقع إن يتم الانقضاض علينا في اي لحظة، دعاني “محمود” الى جارج الحفل ليخبرني ما عمله الطلبة والطالبات من أبناء جعار والذين حاولت السلطة المحلية ان تجمعهم صباحاً في أحتفالية اسموها حين ذاك بيوم (الديمقراطية) وفي الاحتفال هتفوا لتحرير الجنوب وتركوا السلطات المحلية في أبين في قمة الاحراج بوجود مسئولي الاحتلال (الشماليين).

محمود العوسجي مناضل صلب ومن أوائل المناضلين الذين قارعوا المحتل في ميادين النضال السلمي مع زملاءه في (الحراك الجنوبي)، وقد علمت بعد وفاته انه أصيب بمرض لازمه لعدة اشهر وقد تطور الى سرطان – والعياذ بالله – وفي كل تلك الاشهر كان يتصل بي من وقت الى آخر ضاحكا .. وكان يتسأل عن مسيرة الثورة وعن حال الزملاء .. ولم أدري بأنه كان يتالم .! ولم يخبرني بمرضه حتى رحل “محمود العوسجي” كما يرحل ابناء دلتا أبين المناضلين، يرحلون دون ان يلوحوا بايديهم للوداع، رحل “العوسجي” كما رحل عامر الصوري وكما رحلا عمر حسن باعوم (عمر المختار) وناصر ثابت العولقي الذان كانا يعيشا في مدن (دلتا أبين) الله يرحمهم جميعاً ويلحقنا بهم عزيزين غير مذلين .