fbpx
(علي الصمدي) شرارة ثورة، وصناعة نصر.. بقلم: صالح عبدالله الفقير
شارك الخبر

من أين أبدأ وأنت بداية النصر ، وأين أقف؟ وأنت موقف العزة والكرامة والتضحية والفداء والإنسانية.
تعز الشمس أن تشرق على من لا فائدة في إشراقها عليه، والقمر أن ينير على أجساد لا تنفع ولا تفيد، جفت مياه الإقدام، وأغلقت أبواب الشجاعة، حتى يأتي فاتح جسور، وأسد هصور، فالانتصارات لا تبدأ إلا وهجا، حتى تصبح سراجا منيرا.
حينما يتحدث الناس بالأرقام فلا رقم أرفع من رقمك، وحينما يسطرون البطولات فلا سيف أحد من سيفك، وحينما يؤرخون الأحداث، فأنت تأريخ أمة، ومشعل عز، وشمس حضارة ووطن وشموخ، وحين يتحدث الكبار عن الكبار تتقزم الهامات الشامخة أمام هامتك الشماء.
العبارات التي صنعَتْ كتابا لا تستطيع أن تصنع رجلا مثلك، أو أن تتقن التعبير عنك بدقة وصدق.
الثورات العارمة التي تخرج الشعب من الكهنوت، والعالمَ من الاستبداد تبدأ بشرارة تصنع نارًا، تحرق وجوه الطغاة، وتسعر حربا ضد الغزاة والمحتلين، أما أنت فأنت ثورة بأكملها، وأمة تامة ثائرة في جسد واحدٍ، يحمل هم وطن، ولا يقف إلا موقف أباة الضيم في زمن لا يعرف إلا لغة الشدة ومحاربة الانحناء.
أعرفك جيدا أيها الراحل البطل ، تكره الانكسار، وتحمل همة كبيرة يستهجنها كثير من أدعياء الوطن ، والطامعين وراء الدنيا، وتجار الحروب.
لا أنسى تلك الأيام التي كنت تزورني فيها مستشيرا وعارضا فكرتك وطموحك! يا لله لقد كنت تحمل همًّا عجز عن حمله وزراء وقيادات جعل الشعب الأمانة في رقابهم، وأوكلوا إليهم شؤون حياتهم، وأسدوهم الثقة المطلقة.
كنت تحدثني عن الجهاد، وتسألني عن قتال الروافض، وتهدهد روحك الطاهرة عن حرب واعدة مع أذناب إيران، وأعداء الإسلام.
كنت تأتيني مهموما هم دين ووطن، تحدثني أنك تركت دراستك الجامعية، ورميت أوراقك وكتبك المعرفية، وستنطلق لتحمي وطنا وتدافع عن شعب، ولم أكن أتخيلها من شاب يافع مثلك، حدث الأظافر، صغير الأيام، في زمن كنت فيه كبيرا أمام الكبار -أعني كبار السن صغار الهمة ضعاف النفوس- كبيرًا بفكرتك، وهويتك، ورسالتك، وتضحيتك، وشموخك، وصدقك، وتفانيك، وعملك الدؤوب الذي لا يكل ولا يمل، وتوليك مهمة لا يسد مسدها أحد منهم إلا أنت، ولا يملأ فراغها سواك.
لقد صنعت لليمن أولا، وللجنوب خاصة مجدا وتأريخا عجز عن صناعته أصحاب المهن والحرفة، والخبرة والولاء، قمت لتصنعه في روحٍ صابرة، وعزيمة صادقة، وسلاحك الإيمان، والصدق، سلاحٌ الذي سلطته في صدور الأعداء، وشرّفته بمهمة الجهاد والتضحية.
في ذكرى رحيل طيفك عن أعيننا، وروحك عن خيالنا باقية، كم نشعر بجرح وألم، وغصة وسقم، ودمعة حارة لا يطفؤها إلا رؤياك، ولا تبردها إلا لقياك.. كم كنت لنا بهجة المجالس، وأنس الجالس، وروح اللقيا، وقلب المحيا، وخاتمة الملح، وبراعة الطلعة التي تسرنا بها، وتغرنا منها.
كم كنت ألما قاتلا بنبئك، وجرحا يثعب نواحا بفراقك، ولكن حسبنا فيك أن زدنا بك فخرنا، وتسامينا بك فضلا وشرفا، في ما قدمته، وسطرته، وحققته مما عجز عنه وطن صغير أمام رقم كبير، فكنت نارا أشعلت شعبا، هبّ لينصر دينه ووطنه ويدافع عن حريته، وشموخه وإبائه.
هي ذكرى عام منصرمٍ لاجتياح بربري همجي شرس على بلاد السلام، المنهوبة حكومة وعدلا وإنصافا، كنت أنت فاتحة الكتاب، وبوابة نصر لحربٍ غاشمة، اضطهدت عدن الباسلة وطنا وشعبا وشيوخا ونساء وأطفالا، وبحجم المأساة والكارثة كان حجم التلاحم والاصطفاف وتوحيد الفكرة، وتوطيد المسلمين علاقتهم بربهم ووطنهم.
عبث الظالمون والغزاة بأمن عدن، وكانت عروسا زينت زينة عروس كل ليلة، تزف إلى قلوب محبيها وساكنيها، وتظهر نجما يتلألأ في سماء طموحاتهم، فجاءت الهمجية، فقتلتها في ليلة عرسها، أو وأدتها كطفلة بريئة و “بأي ذنب قتلت” ، جاء المضطهدون ليدمروا فيها كل جميل، ويفسدوا ما أصلحه أبناؤها وشيدوه بعرقهم، وحملوه على أكتافهم، فكان (علي) حيلولة بينهم وبين أطماعهم في الإفساد، وغصة في حلوقهم حتى لقيت روحُه باريها.
شرارة النصر كانت بأول خطوة خطوتها إلى عدن لاستتباب أمنه، وتحقيق استقراره، وشرارة أول إعلام صادح بالحق، ناطق بالصدق، في حرقة وألم ، كنتَ أنت مشهدا مهيبا، وشخصية صارمة، وقضية واعدة، بخطابك الذي لن ينساه أهل عدن ومحبوها، تآلفوا، وتكاتفوا، يا لله: كم أحبوك، وأجلوك، ودافعوا عنك، وشعر كل أهل بيت أنك فرد من أفراد أسرتهم، تدافع عنه، وتذود عن حياضه.
نعم بكينا بدموع حرّى، وتألمنا ألما يحرق الفؤاد، ويشغل البال، ويغض المضجع، وكنت حيا وميتا مشهدا وعلما كالجبال الشماء، في نفس كل حر، وعين كل صادق.
حزينون على فراقك، حد الغرق، عطشى لماء أسمارك، وملح أخبارك، وإني لأتمثل ذكرك المشرف بعد موتك، ونبأك الذي يزف في طياته فخرا لكل من عرفك وعرف مناقبك ,, أن أتمثل بقول شوقي حين قال:
دقات قلب المرء قائلة له… إن الحياة دقائق وثوانِ
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها … فالذكر للإنسان عُمْرٌ ثانِ
نعم؛ أنت عمرٌ، لكن عمر قرون يحمل مئات السنين، يتناقله الأجيال عن الأجيال، والأبناء عن الآباء حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، لتكون أنت الطالب، وأنت الثائر، وأنت الصادق الشهم الغيور المجاهد المخلص لدينه ولوطنه والمدافع عن المظلومين العزل، والمضطهدين العراة، في زمن لا أعرف بدايته إلا بك، ولا مفتاحه إلا فيك، فلتكن في خير تعانق أرواح الشهداء، سائحا رائقا.
ولا عزاء لنا فيك، ولا إلى أهلك ، وحسبنا أنك كنت كما أردت، والله ولي كل خير.

 

أخبار ذات صله